أعلن الاتحاد العام
التونسي للشغل (منظمة نقابية)، الأربعاء، "رفضه المطلق" لأيّ تأخير أو إلغاء للزّيادات في
الأجور المتّفق في شأنها، داعيا الحكومة للالتزام وفق الأقساط المحددة سابقا.
ويأتي هذا البيان بعد اللغط الذي أثاره مُقترح رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، خلال حوار تلفزيوني نهاية الشهر الماضي، كشف فيه عن عزم الحكومة تأخير عملية زيادة الأجور لسنتين، بالنّظر إلى عجز المالية العمومية والخلل المُسجّل على مُستوى المُوازنات الاقتصادية.
لكن الاتحاد اعتبر في بيان الأربعاء؛ أن "التنصّل من الاتفاقات الحاصلة مع الحكومات السابقة يعد ضربا لمصداقية التفاوض وتهديدا للاستقرار الاجتماعي، وتنصّلا من الالتزام بوثيقة قرطاج التي تعهّدت الحكومة الحالية بتطبيقها"، وفق البيان.
وقال الاتحاد في بيانه: "يعتبر تقاسم الأعباء، وفق إمكانية كل طرف، مبدأ أساسيا للخروج من الأزمة ويمكن التفاوض فيه مع الاتحاد فيما يخص مساهمة الأجراء في تخطي الوضع في حالة الحاجة إلى ذلك، ولكنّه يؤكّد أنّ الأجراء يؤدّون واجبهم تجاه الدّولة مباشرة وقد تحمّلوا أعباء كثيرة على امتداد عقود ولا يمكن إثقال كاهلهم بمزيد الضرائب، في ظلّ تدهور مقدرتهم الشّرائية وتهرّؤ الخدمات الاجتماعية التي تُقدّم لهم من سكن ونقل وتعليم وصحّة بما يضطرّهم إلى تحمّل أعباء إضافية".
وكشف البيان عن رفض ضمني لمشروع قانون المالية العامة لسنة 2017 (مشروع
الميزانية)، مُعتبرا أنه يثقل كاهل الفئات المتوسّطة، "في حين قلّصت العبء على الطبقة الميسورة فيما يخصّ الخصم لفائدة الضريبة على الدخل"، وفق الاتحاد.
وطالب الاتحاد بـ"مُراجعة الأجر الأدنى المضمون وتحريك المُفاوضات العالقة حول ترفيع أجور عملة القطاع الخاص المُتعطّلة بينه وبين الاتحاد العام التونسي للصناعة والتجارة (منظّمة أصحاب المُؤسّسات)".
وكان الشاهد قد أعلن أيضا عن إقرار مساهمة استثنائية لرؤوس الأموال في الأداء الضريبي، بنسبة 7.5 في المئة، إلى جانب اتخاذ جملة من الإجراءات للنهوض بالاقتصاد والاستثمار في البلاد، على غرار مقاومة التهريب وإدماج التجارة الموازية في القطاع المنظم.
وسبق أن كشف الشاهد، خلال كلمته في جلسة منح الثقة أمام البرلمان، أن الوضع الاقتصادي يشهد صعوبات كبيرة، مُشيرا إلى عجز في ميزانية 2016 بلغ 3000 مليون دولار، متجاوزا التوقعات بالضعف.
وكانت كريستين لاغارد، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، قد انتقدت، في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، ارتفاع كتلة الأجور في الموازنة التونسية، مشيرة إلى أنها الأرفع في العالم بتمثيلها 13 بالمئة من الناتج المحلي في تونس.
وقال وزير التنمية والاستثمار، محمد فاضل عبد الكافي، في تصريح لوسائل الإعلام الأسبوع الماضي، إن تونس تمر بحالة "طوارئ اقتصادية" بسبب تباطؤ النمو والمصاعب المالية العامة للبلاد، واصفا ارتفاع كتلة الأجور بأنها "دوامة مدمرة لتونس".
وكشف عبد الكافي، على هامش لقاء نظمته "غرفة التجارة التونسية - البريطانية" حول "مناخ الاستثمار بتونس"، أن الكتلة السنوية لأجور موظفي القطاع العام تفوق اليوم 13 مليار دينار (أكثر من 5 مليارات يورو) مقابل 6 مليارات دينار (2.5 مليار يورو) في 2010.
ومن المُنتظر أن تُعمّق تفعيل زيادة الأجور هذه السنة من أزمة الاقتصاد التونسي، خاصّة وأن إعادة النّظر في كتلة الأجور يُعدّ أحد أبرز الإصلاحات التي يُطالب بها صندوق النقد الدولي مُقابل منح تونس قروضا جديدة.
أزمة في الأفق
من جانبه، قال الناشط السياسي التونسي، ماهر العباسي، إن الحكومة لن تستطيع صرف الزيادة في الأجور لسنة 2017؛ لأن كتلة الأجور ستتجاوز، في هذه الحالة النسبة التي حددها صندوق النقد الدولي كشرط لمواصلة التعامل مع تونس، وهو ما يعني أنه لا خيار أمامها سوى تأجيل صرف الزيادات.
وأضاف العباسي لـ"
عربي21": "الحكومة في موقف مريح بالنّظر لانسداد الخيارات أمامها، وهو ما اضطر قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل للاستنجاد بقواعد المُنظّمة الشّغّيلة عبر الاستفتاء الذي نُظّم في الصّفحة الرّسمية؛ حول قبول الأجراء باقتراح الحكومة قبل الإعلان عن قرارهم اليوم".
وأشار العباسي إلى أن الاستفتاء احتوى مُغالطة باعتبار أنه تم التسويق إلى أن الزيادات ستُلغى، في حين أن المُقترح يتحدّث عن تأجيل التّفعيل وليس الإلغاء، وفق تعبيره.
وتابع: "قيادة الاتحاد تعي جيّدا أن الحكومة لن تمض في خيار تفعيل الزيادات هذه السّنة، ولذلك أشار البيان بنبرة التّهديد حول تأثير موقف الحكومة على "السلم الاجتماعي"، وهو ما يُعدّ مسّا بالخطوط الحمراء".
واعتبر العباسي أن هذا "التّصعيد المُفاجئ" يندرج ضمن سياق الاستعداد لمُؤتمر المُنظّمة بداية السّنة المُقبلة، وفق تقديره.
وأضاف: "المكتب التنفيذي الحالي للاتحاد العام التونسي للشغل يقوم بحملة انتخابية.. نحن إزاء تغليب للمصلحة الفئوية على مصلحة الوطن".
ويرى مُراقبون أنه في حال لم يتوصّل الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة إلى تسوية حول ملف الأجور، فإن الشّتاء سيكون ساخنا اجتماعيا.