أكدت دراسة صدرت مؤخرا عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، أن جهازي الأمن والسلك القضائي في
مصر عملا على إضعاف وتقويض سلطة الرئيس
مرسي، في المقابل قاما بدعم السلطة التي انقلبت عليه بقيادة عبد الفتاح
السيسي.
وتأتي هذه الدراسة التي تحمل عنوان "إدارة الملف الأمني والقضائي" (هي الإصدار الرابع) ضمن سلسلة دراسات تصدر تباعا، تحمل عنوان "مصر بين عهدي مرسي والسيسي.. دراسة مقارنة"، وتتناول الأوضاع السياسية والدستورية والأمنية والاقتصادية والإعلامية التي شهدتها مصر خلال عهد الرئيسين.
وأشارت إلى تحول "الحرية غير المسؤولة في عهد مرسي إلى فوضى تم استغلالها من أجل تنفيذ مخطط الانقلاب ودعم الثورة المضادة، في حين تميز عهد السيسي بعودة ممارسات الأجهزة الأمنية إلى سابق عهدها، كما شهد عهده حالات قتل واعتقال طالت آلاف المدنيين".
وتبيّن الدراسة -التي أعدها باسم القاسم وتحت إشراف وتحرير د. محسن محمد صالح- أن "مرسي" سمح لمعارضيه بالتظاهر والنزول إلى الشارع، على الرغم من أن العديد من التظاهرات كانت تهدف إلى إحراجه وإضعاف حكمه.
وأوضحت أن "التظاهرات الفئوية، التي يقوم بها قطاع عمالي معين بهدف تحقيق مصالحه الخاصة، برزت بشكل كبير في عهد مرسي، وقد عملت أركان الدولة العميقة، وكذلك المتضررون من حكم مرسي، على إذكائها وتأجيجها، بالإضافة إلى تفاقم أزمتي الوقود والكهرباء، اللتين اتُخذتا كأهم الذرائع لقلب الرأي العام على مرسي والانقلاب عليه".
وأشارت الدراسة إلى أن "استراتيجية مُسيّري حملة إسقاط مرسي قامت على التركيز على الملف الأمني، فنظموا حملات إحراق وتفجير لمقرات حزبية ومراكز شرطة، وتسيير مظاهرات معارضة تنتهي معظمها بعمليات إحراق وإحداث فوضى أمنية في شوارع مصر".
ومن الوسائل التي لجأوا إليها -بحسب الدراسة- إنشاء مجموعة تسمى "بلاك بلوك"، التي ظهرت في 24/1/2013 عشية الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، مؤكدة أنه حامت حولها شكوك حول دورها وخلفيتها، وبرزت تساؤلات حول توقيت ظهور مثل هذه المجموعة، التي قام أفرادها بتغطية وجوههم بالأقنعة؛ لإخفاء هويتهم.
وتضيف الدراسة أن اختفاء هذه المجموعة بعد أيام من عزل مرسي أثار الشبهات والريبة حولها، كأن الهدف من هذه المجموعة كان إحداث فوضى منظمة في البلاد؛ لإضفاء صبغة عسكرية على هذه التحركات.
وكمؤشر على حرية التظاهر التي كانت سائدة خلال عهد مرسي، تقول الدراسة إن تقريرا أصدرته الرئاسة المصرية في عهد مرسي بيّن أن الاحتجاجات التي تعرض لها الرئيس بلغت 5,821 مظاهرة ومصادمة واشتباكات، بمعدل 485 مظاهرة كل شهر، و7,709 وقفات احتجاجية وفئوية، بمعدل 557 وقفة احتجاجية كل شهر، و24 دعوة لمليونية، بمعدل مليونيتين كل شهر، مع أن أعداد المشاركين فيما يسمى المليونيات لم يكن يتجاوز بضعة آلاف في أحيان عديدة.
في المقابل، كرست السلطات المصرية بعد الانقلاب جلّ اهتمامها من أجل الحدّ من تنامي المظاهرات المعارضة للانقلاب، ومنع تنظيمها، فأصدرت الحكومة قانون التظاهر، الذي شدد العقوبات على كل من يتظاهر دون موافقة وزارة الداخلية، وتصدت بشكل عنيف لمظاهرات "جبهة صمود الثورة"، وحملة "لا للمحاكمات العسكرية".
وتؤكد الدراسة أنه منذ وصول السيسي إلى الحكم، واصلت السلطات الإنفاذ المتشدد لحظر التظاهر فعليا، وتفريق المظاهرات المعارضة للحكومة بالقوة، وعلى نحو روتيني، كما اتبعت السلطات سياسة القمع الجسدي تكتيكا أساسيا للتعامل مع أعضاء الإخوان والنشطاء العلمانيين على السواء.
وتوضح أنه مع تطبيق قانون التظاهر، عادت القبضة الأمنية تسيطر على الشوارع والميادين، كما عاد نظام "زوار الفجر" يلازمه الاختفاء القسري الذي تزايدت حدته، فيما انطلقت قوات الأمن لمواجهة المتظاهرين بالطريقة ذاتها التي كانت عليها وزارة الداخلية قبل 25 يناير. ووفق منظمة العفو الدولية في حزيران/ يونيو 2015، تُقدر أعداد المعتقلين في مصر بأكثر من 41 ألف شخص.
في المقابل، تقول الدراسة إن السجون والمعتقلات وأماكن الاحتجاز لم تخلُ في عهد مرسي من بعض حالات التعذيب، لكن من الظلم نسب هذه التجاوزات إلى الرئيس مباشرة؛ لأن الأجهزة الأمنية التي كانت تمارس القتل والتعذيب إبان عهد "مبارك" لم تتغير، ولم يتسنَّ تطهيرها وإعادة تشكيلها من جديد، وسنّ التشريعات التي تكفل محاسبة هذه الأجهزة عند تقصيرها.
ولفتت إلى اعتقال عشرات الآلاف من معارضي الانقلاب، وعجز النظام الجديد عن ترسيخ الحكم العسكري بالقوة، مؤكدة أن الأذرع الأمنية مارست عمليات تصفية جسدية مباشرة للمعارضين، زادت وتيرتها بعد تعيين مجدي عبد الغفار وزيرا للداخلية في عهد السيسي في 5 آذار/ مارس 2015. وقد أخذت هذه التصفيات أشكالا متعددة، فإما أن تكون في أثناء عمليات الاعتقال، أو بعد ساعات من الاختطاف على يد عناصر الشرطة.
وتؤكد الدراسة أن حالة عدم الانسجام والتعارض بين مؤسسات الدولة المختلفة، من إعلام، وجيش، وشرطة، وغيرها، وبين مؤسسة الرئاسة، أسهمت في حدوث قصور في معالجة ومواجهة التحديات الأمنية التي عصفت في وجه حكومة مرسي، فهذه المؤسسات لم تكن لتساعد أحدا من خارج منظومة النظام السابق.
وتابعت:" كما أن هناك قطاعا من ضباط وزارة الداخلية، والثقافة السائدة في الوزارة، معادية لحكم مرسي، وربما لكل نظام ما بعد الثورة، ولأن الرئيس يواجه معارضة قوية، ولا يريد فتح جبهات متعددة معارضة له، لم يستطع أن يعيد هيكلة جهاز الشرطة؛ ما أدى إلى حدوث حالات من الانفلات الأمني في عهده، أظهرت الحكومة كأنها عاجزة أو مقصرة في إدارة شؤون البلاد".
وتتابع الدراسة بأن الساحة المصرية شهدت بعد الإطاحة بمرسي عودة سريعة وكثيفة لقوى الأمن والشرطة، في محاولة لإظهار عودة الاستقرار الأمني ونهاية الفلتان الأمني. على الرغم من ذلك، لم تخلُ مدن ومناطق الدولة المصرية من الاضطرابات الأمنية مصحوبة بحالة من الفلتان الأمني.
وتضيف الدراسة أن طريقة التعاطي مع الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية المتعلقة بسيناء اختلفت من رئيس إلى آخر؛ فبينما سعى النظام في عهد مرسي إلى بناء نظرية أمن جديدة تقوم على اتباع منهج الحوار مع شيوخ القبائل والمواطنين، ونزع فتيل العصيان المسلح، فضّل السيسي العودة إلى المسار الأمني في مقاربة ملف سيناء.
وفيما يخص الملف القضائي، تقول الدراسة إن "السيسي" تصرف منذ الانقلاب حاكما عسكريا لمصر، وتدخل في عمل النائب العام والقضاء، فضلا عن الشرطة، بالإضافة للقوانين التي تستهدف المعارضة، والتي أصدرها الرئيس المؤقت عدلي منصور، ومنها تحرير محكمتي النقض والجنايات من قيود مدة الحبس الاحتياطي للمتهم إذا تعلق الأمر بعقوبة الإعدام أو المؤبد، ما يعني عدم وجود سقف زمني أقصى للمتهم.
وذكرت أن مصر تشهد حاليا "حالة من القمع غير مسبوقة، من اعتقال عشوائي، وتلفيق للتهم، وتعذيب ممنهج، إلى أحكام عشوائية دون دليل، إلى قضاء استثنائي مخالف لكل الدساتير المصرية، بما فيها الدستور الذي أُقر برعاية السيسي، الذي ينص على أنه "يحاكم المواطن أمام قاضيه الطبيعي"، أي أمام المحكمة الكائنة في المنطقة التي حدثت فيها الواقعة، وحسب الدور في الجدول، دون تدخل من أحد".
وتضيف الدراسة أن التعديلات والقرارات والقوانين التي اتخذتها السلطات المصرية منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، التي استمرت حتى بعد انتخاب السيسي رئيسا للبلاد، عكست الطبيعة العسكرية للنظام في مصر، حيث لا يوجد تمثيل حقيقي للمواطنين المصريين، سواء في السلطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية. وقامت الدولة المصرية بالتحصن خلف ترسانة عتيدة من التشريعات، التي تتيح لها انتهاك ما نصّ عليه الدستور من حماية المواطنين والحريات.
وتشير الدراسة إلى أن "القضاة المصريين لعبوا دورا محوريا في الانقلاب على مرسي، ومارسوا حرية التعبير عن آرائهم ومواقفهم السياسية المناوئة للنظام الجديد، بل يمكن القول إن بعض القضاة مارسوا العمل السياسي، وظهروا في وسائل الإعلام بصورة متكررة ويومية لمهاجمة النظام الجديد، وساندهم في ذلك نادي القضاة، الذي كان رئيسه المستشار أحمد الزند، والذي كان يهاجم قضاة تيار الاستقلال قبل ثورة 25 يناير بزعم اشتغالهم بالسياسة، لكنه لم يجد حرجا في ظل نظام حكم الإخوان في اتخاذ مواقف سياسية، والإعلان صراحة عن أن القضاة سيكون لهم كلمة وموقف في الشؤون السياسية".
وتتابع بأن القضاة انخرطوا في التحريض السياسي على الرئيس مرسي، بل شاركوا في أعمال تدعم التمرد على مرسي، كما استخدموا عدة وسائل لممارسة الضغط على مرسي، منها توجيه إنذارات إلى رئيس الجمهورية لسحب الإعلان الدستوري الصادر في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، ومنها التهديد بتعليق العمل في المحاكم، وهو ما حدث فعلا، ومنها التهديد بعدم الإشراف على الانتخابات؛ لإجبار السلطة السياسية على التراجع عن بعض قراراتها.
وتضيف الدراسة أن النشاطات القضائية اتخذت خلال هذه الفترة شكل الأحكام القضائية المناوئة لنشاط السلطة السياسية، التي حولت القضاء إلى لاعب أساسي على المسرح السياسي. كما لجأ نادي القضاة إلى توجيه الإنذارات للسلطة؛ للعدول عن قراراتها التي رآها النادي عدوانا على استقلال القضاء. وقد اختلف المشهد القضائي بعد الانقلاب على مرسي، حيث هدأ النشاط القضائي المناوئ للسلطة السياسية الجديدة.
وفيما يخص مسار ملف المحاكمات خلال عهد السيسي، فقد شهد تحولا دراماتيكيا متسارعا عكس طبيعة التحول السياسي الخطير بعد انقلاب 3 يوليو.
وذكرت الدراسة أنه "على النقيض من المحاكمات الصورية التي نالها أركان نظام عهد مبارك، فإن محاكمات معارضي انقلاب 3 يوليو، ومعارضي السيسي بعد ذلك، سلكت مسارا مغايرا، فقد شهد العام الأول من حكم السيسي انتهاكات كبيرة فيما يتعلق بقضايا الاعتقال والاحتجاز والمحاكمات، فقد تمّ الحكم على 464 بالإعدام، وتمّ التنفيذ الفعلي لحكم الإعدام بحق 7 متهمين، كما تمّ الحكم على 4,800 متهم بالسجن بإجمالي عدد أعوام 39,040 عاما، ومن بين هؤلاء المحكومين هناك 772 محكوما عليهم بالمؤبد".
واستطردت بقولها: "شكل الارتفاع البارز في إصدار أحكام الإعدام إحدى العلامات الفارقة في عهد السيسي، وما يميز هذه الأحكام أنها بالأصل ذات طابع سياسي غُلفت بأغلفة الإرهاب وتهديد الأمن القومي المصري وما نحوه، إلا أن حقيقة الأمر أن معظم هذه الأحكام -إن لم يكن جميعها- صدرت ضدّ معارضي النظام الحالي، أو ضدّ من رفضوا الانقلاب، والحالة التي سادت بعد 3/7/2013".