لا ينفك الجنرال الفكيك يمتعنا بين الفينة والفينة، وفي عز أوقات التشاؤم يخرج علينا كما لوكان أبرع ممثلي الكوميديا المحلية أو العالمية ليروح عن أنفسنا من عناء ارتفاع كلفة الثورة سواء من اغتيالات خارج القانون أو تعذيب للمعتقلين أو ارتفاع كلفة المعيشة بشكل عام.
قد يرى البعض الأمر على أنه ارتجالي لكن حقيقة الوضع تنبئ أن السيسي يتحرك بوعي شديد في علاقته بالرأي العام، فهو ليس بالسفيه، ولا بالخفيف بل مدرك لآليات العبث بعقول الناس في اطار خطة يجيد العمل بها لإلهاء الناس عن جرائمه أولا وعن سقطاته وفشله التلقائي ثانيا.
قد يوحي إليك كلامه عن الفكة أنه عبيط أو كوميدي فاشل، لكنه وفي اطار استراتيجيته التي سربت
قبل أن يغتصب السلطة يرى أن الشعب المصري مرفه ومدلع غاية في الدلع وبناء عليه فهو ولكي يداري ويواري سوءة فشله يستهدف الشعب ويشعره بأنه غني بل أغنى من الدولة وعليه أن يتبرع لهذه الدولة أو شبه الدولة.
يدرك السيسي أن ملايين الفكة لا تسمن ولا تغني من جوع ولكنه يستهدف إشعار الناس بأنهم مدينين للدولة من ناحية ومن ناحية أخرى يلهيهم في الحكاية والسرد والرواية عن أمور عظيمة وكوارث لم يحل مثلها من قبل بالبلاد كما حدث في غرق مركب المهاجرين الفارين من نعيم السيسي إلى بؤس أوربا المتخلفة ؟؟؟؟
يخرج علينا السيسي بعد كل فشل ليفتتح إنجازا وهميا كما حدث في غيط العنب الذي استولت الدولة بجبروتها على مساكن أهله واستبدلتهم بشقق ليست مجانية بل نظير إيجار شهري يصل إلى أربعمئة جنيه مع العلم أن هذه الشقق لن تورث إلا للوريث الأول وبعدها تؤول للدولة من جديد.
المشهد يوحي بالإنجاز ولكنه في الحقيقة تعبير عن فشل الدولة فالجهة التي أقامت المشروع هي إدارة المنطقة الشمالية العسكرية وهي ذاتها المسؤولة عن حماية الحدود البحرية التي غرق عندها القارب الذي كان يحمل المهاجرين من نعيم السيسي، أي أنه وبدلا من إدانة اللواء محمد الزملوطي قائد المنطقة العسكرية الشمالية إذا بالسيسي يكرمه ويبرزه للمجتمع على أنه صاحب إنجاز لم ولن نعرف كيف انجزه وهو لا يملك صلاحيات المحافظين ولا سلطات الإدارة المحلية ؟
السيسي يتعامل معنا على أننا مجموعة من الأغبياء وأنه أبو المفهومية والذكاء باعتباره ضابط سابق بالمخابرات الحربية (رغم أنه لم يمض بها سوى فترة قليلة) فهو -أي السيسي- يعرف مدى عاطفية هذا الشعب ومدى سخريته أيضا من الأحداث لذا فهو يستخدم النكتة ويسرح بخياله بحثا عن شيء جديد أو غريب ليكمل مسلسل الهاء الشعب المكلوم في أبنائه الغرقى الذين فروا من نعيم السيسي إلى جحيم أوربا البائسة!!
كلنا سخرنا من حديث الجنرال عن الفكة لكن القليلون منا انتبهوا إلى ما يرمي إليه السيسي، وكما فعل في حكاية صندوق تحيا مصر وصبح على مصر بجنيه أعاد الكرة بخبث ودهاء شديد وهو يتحدث عن الفكة فماذا فعل ؟؟
لقد ألقى الكرة في ملعب البنوك لتستولي على ما يسميه الفكة وهي حسب كلامه تقدر بعشرين مليون جنيه، يعلم السيسي قبل غيره أنها لا تساوي شيئا على الإطلاق أو أنها بالكاد تغطي رحلة أو اثنتين من رحلاته الخارجية بدون وفد الطبالين، و لكنه أراد شيئا آخر يحاول ترسيخه منذ استولى على السلطة وهو توريط المواطن في أزمات يصنعها هو، وإشراك المواطن في الحلول بعد أن عجز هو عن الحل، وتعويد المواطن على فكرة جديدة هي أن السيسي ليس رئيسا أي ليس مسؤولا وأنتم أيها المواطنون البؤساء وحدكم المسؤولين وإذا قصرتم ولم تدفعوا فلن تجدوا أي خدمات، ولن تستطيعوا في المقابل أن تحاسبونني لأنني أي السيسي اشترطت عليكم أن تعينوني بقوة ولا تزيلوني بثورة.
المشكلة فيما طرحه السيسي ليس في حجم الأموال المتوقع جنيها من موضوع الفكة بل المصيبة تكمن في تفويضه للبنوك لكي تستولي على الفكة ومن يدريك أن الأمر سيقتصر على الفكة. الأمر ليس مجرد مزحة بل تمهيد لإصدار قانون بذلك وهو أمر ممكن ومتاح فالبرلمان في خدمة الجنرال دوما، فماذا نتوقع ؟
نتوقع إصدار قانون يخول البنوك بالاستيلاء على الفكة لصالح جهة ما ربما تكون صندوق تحيا مصر سيئ السمعة، ومن ثم تصبح أموالنا نهبا لإدارة البنك و تحت أوامر مباشرة من السيسي!
هل رأيت كيف يلقي السيسي إلينا بالنكتة التي نسخر منها ثم سنفاجأ جميعا بالبكاء في نهاية المطاف لأنه يعرف كيف يعبث بعقول الجميع.
ماذا نفعل، بسيطة، أولا، لا بد من حملة شعبية لتهديد أي بنك يمس الفكة أو المجمد من أموالنا، وفضح أي بنك يلمس الفكة قبل المجمد وسحب الإيداعات من هذه البنوك...
قلتها قبل عام تقريبا في برنامجي التلفزيوني إن على الجميع سحب الدولارات؛ لأن السيسي عينه عليها، وناشدت، واستجاب المصريون في الخارج بعدم تحويل الدولارات، واليوم أكررها: اسحبوا أموالكم من بنوك الطاغية؛ لأن عينه عليها.