كان المعلم" يعقوب حنا" معدودا من أثرياء القبط وزعمائهم البارزين، سواء في أقاليم الصعيد أو في القاهرة. وُلد المعلم يعقوب في ملوي بصعيد
مصر عام 1745م، واحترف في صباه الباكر حرفة الكتابة وتحصيل الأموال وضبط الحسابات، وعمل مع واحد من كبارأثرياء المماليك، وهو سليمان بك آغا، ومن خلال العمل في هذا المجال، استطاع يعقوب أن يكتسب خبرة واسعة بالشؤون المالية والإدارية، ومعرفة عميقة بحياة عموم المصريين وأوضاعهم، كما تمكن من جمع ثروة طائلة.
حين وصل الغزو الفرنسي إلى مصر، بادر المعلم يعقوب بعرض خدماته على الغزاة الفرنسيين وكان مخلصا في تعاونه معهم بقدر ما كان خائنا لوطنه الذي نشأ فيه، ولأهله الذي تربي بينهم.
يقول الجبرتي في كتابه (عجائب الآثار): "كان المعلم يعقوب يجمع المال من الأهالي لمصلحة الفرنسيين، بل وصل به الأمر أن كوّن فرقة من
الأقباط لمعاونة المحتل، كما تظاهر مع الفرنساوية وجعلوه ساري عسكر القبط، وجمع شبانه من القبط وحلق لحاهم وزياهم بزي مشابه لعسكر الفرنساوية وصيرهم ساري عسكره، وجمعهم من أقصي الصعيد، وهدم الأماكن المجاورة لحارة النصاري التي هو ساكن بها خلف الجامع الأحمر، وبني له قلعة وسوًرها بسور عظيم وأبراج وباب كبير، بل إنهم كانوا يقطعون الأشجار والنخيل، ولم يتورعوا في هدم المدافن والمقابر وتسويتها بالأرض خوفا من تترس المحاربين بها، وكان يشرف بنفسه هو ورجاله على تعذيب المجاهدين، وقاموا بحرق المجاهد (سليمان الحلبي) قاتل كليبر، وكان هو ورجاله يتعمدون إهانة علماء المسلمين ويرشدون علي بيوت المقاومين محتميا في أسياده الفرنسيين"..
وقام المعلم يعقوب بمرافقة الجنرال ديسيه في حملته على الصعيد، نظرا لسابق معرفته بأقاليم الصعيد واطلاعه على أوضاعها المالية والإدارية. وبذل جهودا مضنية لإنجاح حملة ديسيه فأشرف على تجهيز كل ما يلزم الحملة، وشارك في العمليات الحربية. وتقديرا لحسن بلائه، منحه الجنرال الفرنسي سيفا تذكاريا منقوشا عليه (معركة عين القوصية- ديسمبر 1798).
وبعد عودة نابليون إلى فرنسا وتولي كليبر القيادة، كان للمعلم يعقوب دور قذر في قمع ثورات المصريين، فتعقب الثوار وقتلهم، ومنحه كليبر رتبة كولونيل وجعله على راس فرقة عسكرية. وبعد مقتل كليبر على يد سليمان الحلبي، آلت القيادة إلى جاك مينو، وظل يعقوب على وفائه للفرنسيين وخيانته لأهله وبلده...
فشل الغزو الفرنسي لمصر، وآثر يعقوب الهجرة إلى فرنسا على متن السفينة بالاس ومعه أتباعه خوفا من بطش المصريين. وبعد إبحار السفينة بيومين، أُصيب بحمي شديدة ومات في عرض البحر غير مأسوف عليه.
لا شك في أن خيانة يعقوب ورفاقه أثرت على الأقباط في مصر بشكل عام، وتركت جرحا غائرا في نفوس المصريين؛ عانى منه الأقباط عشرات السنين، حاولوا خلالها بذل جهود مضنية لتحسين صورتهم، ومحو عار يعقوب ورفاقه في أوساط الشعب المصري..
لا ينكرمنصف أن الأقباط جزء رئيسي من النسيج الوطني المصري، لهم مواقفهم المشرفة في مواجهة المحتل البريطاني إبان ثورة 1919 وما بعدها، وهذا ماي دفعنا إلى إسداء النصح علًهم يسمعون.
كانت الكنيسة مكونا رئيسيا من مكونات الحشد في مشهد 30 حزيران/ يونيو 2013، وكان رأسها الأنبا
تواضروس جزءا أساسيا من مشهد الانقلاب على إرادة الشعب المصري في 3 تموز/ يوليو 2013، وداعما كبيرا لكل المذابح التي تلته في رابعة والنهضة وغيرها إلى الآن. ويقود الأنبا تواضروس الآن، وبكل قوة، قطار التطبيع مع العدو الصهيوني، من خلال زيارته للقدس التي خالف فيها قرار الكنيسة عام 1980، وما تلاها من زيارات لوفود كنسية رفيعة المستوى، وكذلك لقاء عدد من القساوسة والرهبان بالسفير الإسرائيلي في القاهرة، ديفيد جوفرين، سرا، ثم تسرب خبراللقاء بعد ذلك، والدعم اللامحدود لقائد الانقلاب العسكري داخليا وخارجيا، حتى باتت الكنيسة هي الظهير الشعبي الوحيد للسيسي في الداخل والخارج بعد انحسار شعبيته بشكل غير مسبوق، مقابل مصالح ضيقة، كما جاء على لسان الأنبا بيمن والأنبا يؤانس في نيويورك، أثناء حشدهما للسيسي خلال زيارته الأخيرة للأمم المتحدة. ولم ينس الشعب المصري مطالبة رجل الأعمال المقرب من الكنيسة، نجيب ساويرس، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 بالتدخل الخارجي في مصر أثناء مقابلة تلفزيونية مع التلفزيون الكندي.
كل هذه السياسات اللاعقلانية من جانب الكنيسة قد تخدمها على المدى القصير، ولكن على المدى البعيد ربما تدفع بالبلاد في أتون محرقة طائفية تجعل المسيحيين في مواجهة سخط شعب أكثر من 94 في المئة منه مسلمون، والمستفيد الوحيد هو السلطة العسكرية الغاشمة التي تحاول تمزيق الشعب وإضعافه، لتبقى إلى ما لانهاية على دماء هذا الشعب وعلى أشلاء أبنائه..
إن فتنة المعلم يعقوب تطل برأسها من جديد، وعلى العقلاء أن يتنبهوا قبل فوات الأوان..