نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للصحافي روبرت فيسك، يعلق فيه على ردة فعل العالم على أخبار وفاة الرئيس
الإسرائيلي السابق شمعون
بيريز، قائلا: "عندما سمع العالم أن بيريز مات صرخ (رجل سلام)، لكنني عندما سمعت أنه مات فكرت بالدم والنار والمذابح".
ويقول فيسك في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21": "لقد شاهدت النتائج: أجساد أطفال ممزقة، وصياح اللاجئين، والأجساد المحترقة، وكان اسم المكان هو
قانا، وكانت نصف الأجساد -160 جثة- لأطفال، وكانت ملقاة تحت معسكر تابع للأمم المتحدة، بعدما مزقها القصف الإسرائيلي عام 1996، وكنت مع قافلة الأمم المتحدة خارج القرية الجنوبية في
لبنان، ومرت القنابل من فوق رؤوسنا، واستمر القصف لمدة 17 دقيقة".
ويضيف الكاتب أن "بيريز، الذي رشح نفسه لانتخابات رئاسة الوزراء، وهو المنصب الذي ورثه بعد اغتيال سلفه إسحق رابين، قرر زيادة مصداقيته قبل يوم الاقتراع، من خلال الهجوم على لبنان".
ويشير فيسك إلى أن بيريز، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، استخدم إطلاق قنابل كاتيوشا عبر الحدود اللبنانية إلى إسرائيل، وكانت هذه القذائف التي أطلقها حزب الله انتقاما لقتل طفل لبناني عبر قنبلة مفخخة، اعتقد حزب الله أن دورية إسرائيلية تركتها، وبعد أيام تعرضت القوات الإسرائيلية داخل لبنان لهجوم قريبا من قانا، فردت بالهجوم عليها، وضربت المقذوفات أولا مقبرة كان حزب الله يستخدمها، أما البقية فقد طارت مباشرة باتجاه مخيم كان يقيم فيه مئات المدنيين، يعود للقوات الفيجية التابعة للأمم المتحدة، وأعلن بيريز قائلا: (لم نكن نعرف بوجود مئات الأشخاص داخل المخيم، وكانت مفاجأة مريرة)".
ويعلق الكاتب قائلا: "كان يكذب، فقد احتل الإسرائيليون قانا لعده سنوات، بعد الاجتياح في عام 1982، وكانت لديهم صور فيديو عن المكان الذي يحلقون فوقه في يوم مذبحة 1996، وهي حقيقة ظلوا ينكرونها حتى قدم لي جندي من قوات الأمم المتحدة، شريط فيديو فيه صور للطائرات التي نشرنا إطارات لها في (إندبندنت)، وأخبرت الأمم المتحدة الإسرائيليين مرارا أن المخيم مزدحم بالناس".
ويضيف فيسك: "كانت هذه هي مساهمة بيريز للسلام في لبنان، وخسر الانتخابات، وربما لم يفكر أبدا بقانا، أما أنا فلم أنساها".
ويتابع الكاتب قائلا: "عندما وصلت إلى بوابات الأمم المتحدة كان الدم يسيل منها بغزارة، وكان باستطاعتي شم رائحته، وأصاب أحذيتنا ولصق بها مثل الغراء، وكانت هناك أرجل وأذرع، وأطفال دون رؤوس، وآخرون دون أجساد، وكان هناك جسد رجل انقسم لقطعتين علقتا على شجرة محترقة، وما تبقى منه كان على النار".
ويواصل فيسك قائلا: "على عتبات المخيم جلست فتاة صغيرة، ممسكة برجل أشيب الشعر، وكانت يداها محيطتين بجسده الميت، تهدهده يمنة ويسرة، وكانت عيناه تحدقان بها، وكانت تشهق وتبكي، وتصرخ مرة تلو الأخرى (أبي أبي)، ولو بقيت على قيد الحياة، حيث كانت هناك مجزرة أخرى في قانا، وهذه المرة نفذها الطيران الإسرائيلي، فإنني أشك أن تخرج كلمة رجل سلام من بين شفتيها".
ويلفت الكاتب إلى أن تحقيقا قامت به الأمم المتحدة، ذكرت فيه بطريقة مهذبة أنها تشك في أن تكون المذبحة حادثا غير مقصود، مشيرا إلى أن تقرير الأمم المتحدة اتهم بعداء السامية، ونشرت لاحقا صحيفة إسرائيلية مقابلة مع جندي إسرائيلي من جنود المدفعية التي أطلقت القذائف على قانا، فأشار الضابط الإسرائيلي إلى سكان القرية واصفا إياهم بأنهم عصابة من العرب "أرابوشيم"، وقال: "موت مجموعة من العرب، لا مشكلة في ذلك"، وقال إن رئيس هيئة الأركان لم يكن مهتما، فقال: "لم أكن أعرف أي قواعد للعبة، سواء للجيش أو للمدنيين".
ويبين فيسك أن بيريز أطلق على عملية غزو لبنان "عناقيد الغضب"، على اسم رواية الأمريكي جون شتاينبك، مستدركا بأنها جاءت بالتأكيد من سفر التثنية، الذي يدعو إلى الانتقام.
ويؤكد الكاتب أن "بيريز تغير في السنوات الأخيرة، وزعموا أن أرييل شارون، الذي راقب جنوده مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982، التي ارتكبها حلفاؤهم المسيحيون، كان رجل سلام عندما مات، وعلى الأقل فإنه لم يحصل على جائزة نوبل للسلام".
وينوه فيسك إلى أن بيريز أصبح لاحقا يدعم "حل الدولتين"، رغم أن المستوطنات اليهودية نمت بشكل كبير على أراضي
الفلسطينيين، التي دعمها سابقا.
ويخلص الكاتب إلى القول: "يجب علينا الآن أن نطلق عليه رجل السلام، واحسب كم مرة ستذكر فيها كلمة (سلام) في كلمات النعي له، وكم مرة ستظهر كلمة قانا".