نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا لمراسلتها في بيروت بيثان ماكيرنان، تقول فيه إن رئيس النظام السوري بشار
الأسد شن حملة عسكرية للسيطرة على المناطق التي يسيطر عليها الثوار في
حلب، مشيرة إلى أن هذه الحملة ستكون "وحشية"، إلى الدرجة التي سيبقى لها "صدى في التاريخ".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الحملة الجوية التي أطلقها النظام السوري يوم الثلاثاء، بدعم من الطيران الروسي، تصاعدت بشكل ملحوظ خلال الـ72 ساعة الماضية، بعد انهيار هدنة عيد الأضحى، التي توصلت إليها أمريكا وروسيا.
وتقول الكاتبة إنه في تطور خطير بالنسبة للمدنيين في حلب، فإن طبيعة حملات القصف تغيرت، فتم استخدام قنابل حارقة جديدة، وأطلقت طائرات روسية وسورية في الأيام الأخيرة قنابل مخترقة للملاجئ تحت الأرض، حيث تظهر الصور التي تم تداولها بين الناس أن تلك القنابل تركت خنادق بعمق خمسة أمتار في بعض المناطق.
وتنقل الصحيفة عن مدير الدفاع المدني في حلب عمار السلمو، قوله: "ليس هناك مفر، هذه القنابل تخلخل البنايات، لدرجة أن بعضها ينهار حتى مع عدم وجود غارات، إنها قوية جدا، ولا يستطيع الناس الاختباء منها حتى تحت الأرض".
ويلفت التقرير إلى أن محاولات إعادة الهدنة في هذا الصراع، الذي استمر حوالي ست سنوات، فشلت كلها الآن، مشيرا إلى أن النظام السوري يبدو مصرا على هزيمة أكبر معقل للثوار، ما يترك بعض الجيوب القليلة من المقاومة "غير الإسلامية" في شمال البلاد وجنوبها.
وتورد ماكيرنان نقلا عن دبلوماسي مقرب من المفاوضات، قوله إن "السيطرة على حلب ستكون مفيدة جدا للأسد، حيث سيحكم قبضته على ما يدعى (
سوريا المفيدة)، وهذا يتطلب أن تكون الحملة وحشية، وفظاعة كهذه سيتردد صداها في التاريخ".
وتنوه الصحيفة إلى أن هذه الغارات الجوية الحالية تعد الغارات الأسوأ التي يواجهها الـ250 ألف شخص، الذين لا يزالون محصورين في مناطق الثوار المحاصرة، مشيرة إلى أن سفيرة أمريكا للأمم المتحدة سمانثا بور، وصفت تلك الغارات بالـ"بربرية"، وذلك خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن يوم الأحد.
وينقل التقرير عن مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا، ستيفان دي ميستورا، قوله إنه شاهد أشرطة فيديو لقنابل حارقة "نتجت عنها كرات نار مكثفة، لدرجة أنها أضاءت الظلام الدامس في شرق حلب، وحولت ليلها نهارا"، ووصف دبلوماسي كرة النار المزعومة بأنها "درجة أقل من استخدام سلاح نووي".
وتذكر الكاتبة أن عمال الإنقاذ واجهوا صعوبة كبيرة في إطفاء النيران، التي تزيد من المخاطر التي يواجهونها عندما ينقذون الناس من تحت الركام، بالإضاقة إلى أن رجال الدفاع المدني والمركز الإعلامي في حلب ذكروا أن الفسفور الأبيض والنابالم استخدما أيضا.
وتقول الصحيفة إن "الأدهى من ذلك هو أن المراكز المدنية والمستشفيات أصبحت أهدافا علنية للقنابل، وكانت من بين أول الأهداف التي ضربت، بحسب الناشطين الميدانيين، وتم تدمير محطة ضخ المياه الرئيسة في شرق حلب يوم الجمعة، ما جعل الثوار يقطعون المياه عن بقية المدينة، فأصبح مليونا مواطن الآن دون ماء".
ويفيد التقرير بأن الضربات الجوية عطلت سيارتي إسعاف تابعتين للدفاع المدني "الخوذ البيضاء"، بالإضافة إلى ضرب مركزين للعلاج، وتدمير عدة سيارات مدنية كانت تستخدم لنقل المرضى، لافتا إلى أن ركام المباني يغلق الشوارع في المدينة، وقتل وجرح عدد من متطوعي الخوذ البيضاء، والعاملين في الخدمات الطبية، ورجال الإطفاء.
وتبين ماكيرنان أن أكثر من 200 مدني قتلوا في الغارات الجوية أو تحت ركام المباني، منذ أن أعطى الأسد الأمر ببدء العملية، بحسب المراقبين، مستدركة بأن الغارات كانت شديدة، لدرجة أنه كان من المستحيل توثيق أعداد القتلى والجرحى.
ويقول السلمو للصحيفة إن شرق حلب أصبح الآن أقرب للجحيم منه للمدينة التي اعتاد عليها وأحبها، ويضيف: "في الأمس كان هناك رجل مصاب بجرح بالغ، ولم يكن هناك شيء أستطيع أن أفعله له، فكان علي أن أضعه في كيس الموتى وهو حي، وأن أتركه".
ويجد التقرير أن حملة حكومة النظام السوري الجديدة، التي تعتمد سياسة الأرض المحروقة، تهدف إلى إحداث أقصى حد من المعاناة؛ لتجبر الثوار ومن يؤيدهم على الاستسلام، منوها إلى أن الجيش قام بشن حملة برية، الأولى له منذ 2012، حيث تم الاستيلاء على مخيم حندرات للاجئين الفلسطينيين في شمال المدينة، وقاومهم الثوار في أطراف المناطق التي يسيطرون عليها.
وتشير الكاتبة إلى أن كلا من السفير الروسي والسوري للأمم المتحدة، أنكرا أن تكون العمليات العسكرية تستهدف المدنيين، أو تستخدم أسلحة حارقة، ودافع المندوب الروسي فيتالي تشركين عن أفعال حكومته، في وجه اتهامات من فرنسا والمملكة المتحدة يوم الأحد بارتكاب جرائم حرب، لدرجة أنه قال إن الأسد أظهر "ضبطا للنفس يحسد عليه خلال حربه مع إرهابيين في شرق حلب، يتخذون من النساء والأطفال دورعا بشرية".
وتورد الصحيفة نقلا عن تشركين، قوله إن هناك ممرات آمنة أقيمت لعبور السكان إلى مناطق حلب التي تسيطر عليها الحكومة، مستدركة بأن هناك عدة تقارير تفيد بأن بعض السكان الذين حاولوا العبور أطلقت عليهم نيران القناصة، ولا تزال هناك جثامين لقتلى في الشوارع، لم يجرؤ أقاربهم على محاولة انتشالها؛ خوفا من قتلهم.
ويذهب التقرير إلى أنه في الوقت الذي أعلن فيه دي ميستورا عن خوفه من أن المعركة للسيطرة على شرق حلب قد تتحول إلى "حرب شوارع بطيئة وطاحنة، تستمر لأشهر، إن لم يكن سنوات"، فإن تلك الاستراتيجية نجحت لصالح نظام الأسد في مناطق أخرى، مشيرا إلى أن آخر معقل للثوار في حمص، الذي كان يؤرق النظام، تم إفراغه، حيث تم ترحيل 300 من الثوار مع عائلاتهم إلى الشمال، في صفقة تم التوصل إليها الأسبوع الماضي.
وبحسب ماكيرنان، فإن سكان حلب يخشون أن استمر العنف العسكري، الذي لم يسبق له مثيل، ضد السكان المحاصرين، فإنه سيصبح بالنسبة للمجتمع الدولي الوضع "العادي الجديد".
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى قول السلمو: "لا أدري ماذا سيحصل بعد، وأين نذهب من هنا؟ ليس لنا هناك طريق آخر غير الانتحار.. وأتوقع أن يحصل ذلك قريبا".