كثّف حاكم مدينة عدن جنوبي
اليمن، اللواء عيدروس الزبيدي، خلال الشهر الجاري، من تحركاته واتصالاته، عقب دعوته لتأسيس مجلس سياسي جنوبي في المحافظات
الجنوبية على غرار المجلس السياسي، الذي شكله الحوثيون وحليفهم علي عبدالله صالح في صنعاء الشهر الماضي.
وأعطى الزبيدي الذي يقضي فترة نقاهة سياسية بالعاصمة الإماراتية؛ هذا المكون السياسي الجديد، بعدا مذهبيا، قبل أن يسحب لفظ السنة من بيان المجلس الذي أعلن عنه في 10 من أيلول/ سبتمبر الجاري.
وعادت قضية الجنوب لتطرح مجدّدا من قبل قادة الحراك الجنوبي من ذوي النزعة الانفصالية، عبر
مبادرة الزبيدي التي لاقت ترحيب مكونات ثورية وسياسية جنوبية، لاسيما الرئيس الجنوبي السابق، علي سالم البيض، أحد أبرز القادة الداعين لانفصال الجنوب عن الشمال.
وتشير المعلومات التي حصلت عليها"
عربي21" إلى أن الزبيدي صاحب فكرة "المجلس السياسي الجنوبي"، غادر عدن بالتزامن مع عودة رئيس الحكومة الشرعية إلى المدينة مساء الخميس، إلى "أبوظبي" التي احتضنت قبل أكثر من أسبوع، لقاءات لقيادات جنوبية تاريخية بشأن "الكيان الجنوبي".
ومن أبرز الشخصيات "علي سالم البيض، الرئيس الجنوبي السابق، وسلفه الأسبق علي ناصر محمد، ورئيس الوزراء الأسبق، حيدر أبوبكر العطاس ورئيس حزب الرابطة عبدالرحمن الجفري.
من جهته، قال مصدر جنوبي مطلع، إن فكرة "الكيان الجنوبي" ربما أتت من الخليج وخصوصا الإمارات التي تقدم دعما كبيرا لهذه الخطوة، غير أنها تأتي في سياق ترتيب البيت اليمني لفترة ما بعد انتهاء الحرب الجارية.
وقال إن دعاة الانفصال وفك الارتباط عن الشمال، تلقفوا دعوة "محافظ عدن" بعدم ارتياح، لأن هدفهم واضح ولا رجعة عنه وهو "العودة الفورية لحدود ما قبل 22 آيار/ مايو 1990 (تاريخ الوحدة بين الشمال والجنوب).
لكنه استدرك قائلا: "كانت الضغوط الخليجية عليهم قوية، ولذلك لم يمتلكوا الجرأة لتبني موقف معاد لدعوة الزبيدي".
وكشف المصدر اليمني الجنوبي عن لقاء مرتقب، ربما سيعقد في القاهرة قريبا لمكونات جنوبية لمناقشة مشروع "المكون الجنوبي".
وكان علي سالم البيض "عرابّ مشروع انفصال الجنوب عن الشمال" قد أعلن في بيان أعقب دعوة "الزبيدي" تأييده ومباركته لدعوة تشكيل كيان جنوبي سياسي، مؤكدا أنه سيدعمها "بكل ما يمكن".
وأضاف البيض في بيان نشره نجله عمر البيض بموقع "تويتر"، أن مهمة إنجاز كيان سياسي جنوبي واحد كانت تمثل ضرورة وطنية قصوى بالنسبة لنا، نظرا لأهمية ما يمكن أن يؤديه هذا الإنجاز في الدفع سياسيا بقضيتنا الوطنية (قضية الجنوب) بالاتجاه الصحيح.
ودعا دول التحالف العربي، وعلى رأسها السعودية والإمارات، إلى "دعم هذا التوجه الجنوبي ومباركته والدفع به تجاه كل ما يمكن أن يؤدي به إلى طريق النجاح".
كيان يحمل مشروع الجنوب
وفي هذا السياق، رأى السياسي الجنوبي، حسين لقور بن عيدان أن فكرة "الكيان الجنوبي" جاءت كدعوة لقيام حامل سياسي جنوبي في ظرف إقليمي بالغ التعقيد، ووضع ميداني أكثر تعقيدا بالنسبة للشرعية بسبب "عجز قواتها في شمال اليمن أن تحقق أي اختراق حقيقي على صعيد القتال مع الحوثيين.
وأضاف في حديث خاص لـ"
عربي21" أن قيام حامل سياسي في الجنوب، أصبح ضرورة إقليمية بعدما كان حاجة ماسة للجنوبيين، وذلك أعطى الدعوة زخما وردة فعل إيجابية تمكن الجنوبيون بعد انتصارهم العسكري أن يكون لهم كيان سياسي يتناسب وحجم سيطرتهم على الأرض.
وأشار لقور بن عيدان إلى أن هناك بعدا آخر يهدف إلى "توحيد رؤية أبناء المحافظات الجنوبية للمستقبل، أو لأي حلول سياسية تأتي بعد الحرب".
ولفت إلى أن الدعوة كان لها صدى كبير في الجنوب وترحيب هادئ في الإقليم (دول التحالف)، معللا ذلك بأنه ناتج عن خيبة أمل شعرت بها دول التحالف من الشرعية والقوى اليمنية (الشمالية) التي أظهرت عجزا في مواجهة الانقلابيين أو نكاية بشرعية هادي، أو محاولة منها لتحويل الصراع مع الحوثي إلى مناوشات تهدف إلي تحسين شروط العودة لصنعاء.
وزعم بن عيدان أن الجميع يقف خلف هذه الدعوة التي دعا لها محافظ عدن، وتجمع ممثلين عن غالبية الجنوبيين لتكوين طرف ثالث يبحث عن مخارج سياسية للأزمة، التي طالت وتسببت في كارثة إنسانية كبيرة.
وقال إن أمام الجنوبيين ثلاث رؤى الأولى "الانفصال الفوري وإقامة دولة جنوبية جديدة لا علاقة لها بالماضي، فيما الثانية "حل الدولتين مع البقاء في شكل كونفدرالي مع اليمن".
أما الثالثة حسب السياسي الجنوبي بن لقور "قيام إقليمين "شمالي وجنوبي" ولفترة محددة، يليها استفتاء جنوبي على البقاء أو الخروج من الوحدة وإعلان دولة الجنوب.
انتقادات للكيان الجنوبي
وتواجه تلك الطروحات انتقادات من داخل محافظات الجنوب ومن قبل ساسة بارزين، يرون أن ما يطرحه دعاة "فك الارتباط وإنهاء الوحدة" مجرّد أفكار غير قابلة للتحقيق، وجزءا من البروباغاندا التي يمارسونها لتغطية فشلهم في إدارة المدن المحررة من الحوثيين، كما تأتي في سياق صراعهم على السلطة في عدن، ضدّ شركاء يشكّكون في شرعيتهم (أي حكومة الرئيس هادي) ويعتبرون هذه الحرب فرصة لتحقيق مشروع الانفصال.
رئيس الحراك الوطني الجنوبي، حسين اليافعي، أكد أن المجلس الذي دعا إليه محافظ عدن، عيدروس الزبيدي عبارة عن "محاولة لإنشاء كيان منفصل يجد اعترافا دوليا، وينقلب على المبادرة الخليجية التي جاء في بنودها الالتزام بـ"الحفاظ على الوحدة اليمنية".
وقال في حديث خاص لـ"
عربي21" إن هذا الكيان يسعى "للخروج عن الموقف السعودي بالدرجة الأولى الذي يشدد على وحدة البلد، في الوقت الذي يشكل تهديدا على الرياض كونه ينسف أهداف عملية"عاصفة الحزم" الباعثة على استقرار المنطقة وحماية الأمن القومي الخليجي، وتشكيل حائط صد أمام إيقاف المد الإيراني، عبر تحويلها الجنوب إلى بؤرة صراع مناطقي وأهلي، المستفيد الوحيد منه طهران".
وأوضح السياسي الجنوبي اليافعي أن المتأمل بدعوة الزبيدي لتشكيل "كيان سني جنوبي"، يكتشف الجهة التي تقف وراءه. مشيرا إلى أن السنة التي يعنيها هنا الزبيدي هو التيار السني الذي يخرج السعودية من هذا المفهوم كما حصل الشهر الماضي في مؤتمر الشيشان".
واعتبر رئيس الحراك الوطني الجنوبي أن لفظ "السنة" الذي ذكره الزبيدي في مؤتمر إعلانه عن هذا المكون، لم يأت من وحي الصدفة، بل له ارتباط بما يدور في العالم من قبل الأطراف التي تستهدف المملكة وتستخدم حراك البيض ضدها بطرق ملتوية.
وأفصح عن موقف "الحراك الوطني" وهو "رفضه لهذه الدعوة التي تؤسس لكيانات تشطيرية لا تخدم سوى الإيرانيين. مجددا التزامهم بالمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، وتأكيد اتحادية الدولة لتحقيق مطالب كل فئات الشعب اليمني".
اليافعي حذر أيضا من خطورة استغلال بعض الأطراف لعاصفة الحزم لأهداف خاصة؛ تتمثل في محاولة "إنشاء كيانات أحادية الجانب"، قد تقود البلد نحو فوضى جديدة.
ومع غياب أي رؤية لتشكيل "المجلس الجنوبي"، أصدرت مكونات وتيارات جنوبية تحمل أسماء عدة، بيانات، داعمة لهذه الخطوة، في الوقت الذي طرح كل مكون رؤية تحدد طبيعة ومهام هذا المكون.