نشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على نجاح مفاوضات وقف إطلاق النار في
سوريا التي جمعت الأمريكيين بالروس يوم 9 أيلول/ سبتمبر الجاري. وأشارت أيضا إلى أهمية العلاقات الدبلوماسية في الصراعات عامة، وفي الملف السوري خاصة.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21" إن "هناك أسبابا كثيرة للترحيب بالاتفاق الروسي الأمريكي يوم 9 أيلول/ سبتمبر الجاري حول الملف السوري، ولكن للأسف هناك صراعات مماثلة لتلك التي تؤرق بلاد الرافدين، فإن الحمامة لا تكفي للإعلان عن السلام".
وهذا الاتفاق بالرغم من أنه متذبذب وهش، إلا أنه جدير بالتقدير، أو حتى مفيد من نواحي كثيرة. أولا، لأنه يظهر أن الدبلوماسية ليست ميتة. وبصرف النظر عن الجانب التجاري، فإن التوقيع على صفقات صار يتماشى في الآونة الأخيرة، مع المس بـ"القوة العظمى" التي يراها البعض في صورة "الأعظم على الإطلاق"، قوة تفرض قانونها غير القابل للخرق ثم تجلس فيما بعد متفرجة على آراء الآخرين فيه.
فالتدخلات
العسكرية التي تنتج عن هذه الوضعية، ثم تبدأ بالتضاعف، تعود إلى رفض التفاوض، مثل الشرطي الذي يرفض تقديم أي تنازلات للسفاح.
ولفتت الصحيفة إلى أن الفشل كان ذريعا، وكان وضوح
أوباما لازما لاستئناف المسارات الدبلوماسية مع سوريا وإيران التي ترسخ الاعتقاد بأنها انقطعت إلى الأبد تقريبا.
جدير بالذكر أن الدبلوماسية هي تقنية ناجحة لحل النزاعات إن وجدت بالطبع، كما أنها تُعنى بالتعامل مع حالات التوتر، ومن المؤكد أنها لم توجد لتحميل المسؤوليات أو تبادل التهم.
وقد تطلب تناول الملف السوري بين القوى العالمية إعادة تحديد جميع المفاهيم؛ فالتفاوض مع
روسيا لا يتم بالطريقة نفسها التي حصلت بها المحادثات مع الاتحاد السوفياتي سابقا. فعبارات "العالم على حافة الهاوية"، أو لعبة الردع النووي أو التواطؤ البارد لم تعد لها أهمية كبرى.
ويجب البحث إذن عن أشكال جديدة للتفاوض في عالم لم تعد فيه للقوى العظمى النفوذ نفسه على محمياتها التي صار من المضحك أن نعتبر أنها لازالت تحت وصاية البلدان الكبرى. فالحكم الذاتي الذي يكتسبه "الأخ الأصغر" يمنع أيا كان من أخذ القرارات مكانه.
وأوضحت الصحيفة أنه في كانون الأول/ديسمبر بدأ مسار قضية السلام في المنطقة بتصويت مجلس الأمن منذ عام 2011 الذي لم يسفر عنه إلا تقدم ضئيل للملف. وتجدر الإشارة إلى أن أوروبا، وفرنسا على وجه الخصوص، لم تتدخل في الصراع السوري إلا كطرف يرفض أي محاولات للتفاهم أو للجلوس على طاولة المفاوضات كي يظهر في موضع قوة إلا أن زمن التكلم على لسان "الآخر" قد ولى.
وذكرت الصحيفة أن مبادرة وقف إطلاق النار في سوريا استدعت شجاعة كبرى، تجسدت بشكل واضح في ثنائي أوباما وكيري، خاصة أنه على الولايات المتحدة دفع ثمن تهورها في الماضي. فليس لدى واشنطن حلفاء في المنطقة، ما عدى واجهة من "الأصدقاء" الذين يخدمون مصلحتهم بدرجة أولى. إذ إن الماضي الأمريكي عرف بحقبات فرضت فيها واشنطن تدخلها في شؤون بعض البلدان الداخلية وبشهرة محلية غامضة مقترنة بدعمها لإسرائيل.
وذكرت الصحيفة أنه خلافا لذلك، تمتلك روسيا حلفاء حقيقيين وتدخلات أكثر واقعية من تلك التي قامت بها أمريكا. إلا أنه لا يمكن نعت البراغماتية الأمريكية بالسذاجة لأنها تتعامل بذكاء شديد؛ ذلك أنها تربط شريكها بلعبة اتفاقات تعرقله بشدة دون أن تشله.
ويستوجب الصراع السوري تدخلا حقيقيا من الجهات الإقليمية الفاعلة المترددة نوعا ما. ويجدر التساؤل هنا: ما الذي ستفعله إيران أو تركيا في مواجهة التهميش الدبلوماسي؟ ثم لماذا ضعُف تشريك النشطاء المحليين في المفاوضات حول النزاع؟
ومن ناحية المعارضة "المعتدلة"، فإن الشعور بأن حربا طالت خمس سنوات يستحق أكثر من اتفاق لا يضع حدا نهائيا للمأزق السوري. وعلى عكس الحروب بين الدول، فإن الحروب الأهلية تغذي فكرة أن اللجوء إلى التفاوض يؤدي ببساطة إلى اختفاء الطرف المنهزم. خصوصا أنه لا يجب أن ننسى أن الحرب بين الفصائل السورية ليست سوى "نصف النهائي"... وستقام المباراة النهائية مع تنظيم الدولة؛ الخصم الذي لا يمكن تصور واقع المفاوضات معه.
وفي الختام، قالت الصحيفة إنه على جون كيري وسيرجي لافروف التفكير في الأوقات الجيدة الماضية وقت تفاوضهما. إلا أن ما يميز تاريخهما المشترك هو انتهاء الصلاحية. وبالرغم من ذلك، فإن اختراع دبلوماسية جديدة موجهة للشركاء المحليين أمر ضروري وملح أكثر من أي وقت مضى.