نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا، أعده كل من روكميني كاليماتشي ولورنزو توندو، حول علاقة
تنظيم الدولة بتهريب
الحشيش إلى أوروبا، أو انتفاعه من تجارته، من خلال فرض ضرائب على المهربين، الذين يقومون بنقله من حقول زراعة الحشيش في المغرب، عبر الأراضي الليبية، ومنها إلى أوروبا.
ويبدأ التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بالحديث عن جهود مكافحة
تهريب المخدرات في القوارب، عبر جزيرة صقلية، ومنها إلى إيطاليا وبقية الدول الأوروبية، قائلا: "تعود المحققون في وحدة مكافحة المخدرات الإيطالية على قياس تدفق الحشيش من المزارع المغربية إلى شواطئ أوروبا، من خلال وصول قارب سريع، أو جيت سكي في المرة الواحدة، وعندما دق الهاتف بوجود بلاغ عن عبارة محملة بالحشيش تبحر في المياه الدولية، قريبا من جزيرة صقلية، ومتجهة جنوبا مئات الأميال نحو
ليبيا، عرف المحقق البارز فرانشيسكو أميكو، أن أمرا غير عادي يحدث".
وتقول الصحيفة إنه "عندما نجحت البوارج البحرية الإيطالية بوقف سفينة (آدم) بعيدا عن الشواطئ الليبية في 12 نيسان/ أبريل 2013، وجد المحققون طاقما سوريا خائفا على متنها، و15 طنا من الحشيش، وهي كمية من الحشيش لم تر الشرطة مماثلا لها من قبل، وقال أميكو، الذي انتظر على مرفأ ترباني في صقلية وصول العبارة: (كانت هناك مخدرات لم نعرف أين نضعها، واستأجرنا مخزنا لوضعها فيه)".
ويشير الكاتبان إلى أن المحققين الإيطاليين عثروا على خط تهريب للمخدرات، يمتد بعيدا إلى الشرق، على طول ساحل شمال أفريقيا، ويؤدي دائما نحو ليبيا، لافتين إلى أن سفينة "آدم" كانت واحدة من بين 20 شاحنة تم اعتراضها خلال الـ32 شهرا الماضية، حيث بلغ مجموع ما حملته هذه السفن 280 طنا، قيمتها 2.8 مليار يورو، أو 3.2 مليارات دولار، وهو نصف ما تمت مصادرته في أنحاء القارة الأوروبية كلها في العام الماضي، وذلك بحسب مركز المخدرات والإدمان عليها التابع للاتحاد الأوروبي.
ويلاحظ التقرير أن البلاغات حول شحنات جديدة توقفت، ولم تعد هناك عمليات اعتراض، مشيرا إلى أن المحققين، الذين تعاونوا مع وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية وغيرها من وحدات مكافحة المخدرات الأوروبية، لم يقوموا بمصادرة أي سفينة في عام 2016، رغم اعتقاد المسؤولين أن تهريب المخدرات مستمر، ولهذا حاول المسؤولون فهم ما حدث للشاحنات الضخمة، خاصة أن الأمر يحيط به الغموض، ما أثار تساؤلات عديدة، لا يزالون يبحثون عن أجوبة لها.
وتذكر الصحيفة أن "ما عرفه المحققون من تحقيقاتهم أن المخدرات لا تنتهي في ليبيا، ولأن تجار الحشيش المغاربة يستخدمون علامات تجارية مميزة، مثل العقرب، أو علامة الدولار، فإن هذا ساعد المحققين على العثور على طريق المخدرات بعد مغادرتها ليبيا، حيث تنقل بالبر عبر مصر، ومنها إلى أوروبا عبر البلقان، ولا يزال المحققون لا يعرفون ماذا يحدث لشحنات المخدرات وهي تمر عبر المناطق، فمن خلال مراقبة طريقها عرفوا أنها تمر في مناطق كانت حتى الشهر الماضي خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة".
ويلفت الكاتبان إلى أن "هذا الأمر دعا المحققين الإيطاليين للتساؤل عما إذا كان تنظيم الدولة أو جماعة أخرى تستفيد ماليا من تجارة المخدرات، وفرض ضرائب عليها، أو أن المهربين أنفسهم استفادوا من الفوضى والاقتتال بين الفصائل لتهريب شحناتهم من المخدرات، وتساءلوا أيضا عما إذا كانت للجماعات الليبية مصلحة في المخدرات أم لا، ولم يعثروا على أجوبة شافية بعد، ويواصلون تحقيقاتهم، حيث يقول العقيد غويسبي كامبوباسا، الذي يترأس وحدة مكافحة المخدرات في شرطة الجرائم المالية في صقلية، إن (المخدرات تفقد أثرها عندما تصل ليبيا)".
وينوه التقرير إلى أن "المحققين الإيطاليين ظلوا لسنوات يتتبعون خط الحشيش القادم من المغرب عبر جبل طارق إلى إسبانيا، وعندما نصبت الأخيرة في عام 2007 كاميرات على طول الساحل، ظل مع ذلك خط التهريب كما هو، على الأقل في البداية، وعندما بدأت أوروبا تركز نظرها على طرق القوارب الصغيرة من الجنوب لم ينتبه أحد لسفن الشحن الكبيرة، التي كانت منعطفا كبيرا نحو الشرق، وبحسب جياكومو كانتانيا من شرطة مكافحة الجرائم المالية، فإن سفن الشحن، التي تم اعتراضها، كانت طويلة طول ملعب كرة قدم، ولكنها فارغة إلا من المخدرات، وقال إن (هذه السفن مصممة لحمل آلاف الأطنان، لكنها لا تحمل سوى 20 طنا، وهو جزء صغير من قدرتها)".
وتقول الصحيفة: "يبدو أن حمل سفن الشحن، مثل آدم، كميات من المخدرات نابع من قيمتها، وبالنظر إلى أن سعر كيلو الحشيش عندما يباع في أوروبا يصل إلى 10 آلاف يورو، فإن مجمل ما كانت تحمله يصل إلى 150 مليون يورو، وفي بعض السفن التي اعترضت كانت الكمية أكبر، مثل سفينة (أبردين)، التي أوقفت وكان على متنها حشيش بقيمة 420 مليون يورو".
ويبين الكاتبان أنه بعد وقف السفينة، قامت الشرطة بالتحقيق مع أفراد طاقمها، الذين أكدوا أنهم لم يعلموا بوجود الحشيش في 591 حقيبة بلاستيكية، وقال القبطان في شهادته إنه ظن أن المواد التي حملتها السفينة كانت مساعدات، بعدما أوقفها قارب سريع، وأصر طاقمه على حملها.
ويفيد التقرير بأنه لمعرفة المزيد من المعلومات عن طريق التهريب، قام المحققون الإيطاليون، الذين لديهم خبرة طويلة في ملاحقة المافيا الصقلية، بالتنصت على زنازين الطاقم، لافتا إلى أنه على مدار أشهر عرف المحققون الكثير عن المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة.
وتورد الصحيفة أن المحققين الإيطاليين يعتقدون أن مدنا ليبية، مثل بنغازي ودرنة وسرت، التي سيطر الجهاديون في مرات على أجزاء منها أو كلها، كما حدث مع سرت، التي ظلت لأكثر من عام تحت سيطرتهم، كانت مناطق مرت عبرها شحنات من المخدرات، مشيرة إلى أن وحدات إرشاد الملاحة على بعض السفن، التي تم اعتراضها، كانت تؤشر نحو طبرق، التي تخضع لسيطرة مجلس النواب المنافس لحكومة طرابلس.
وينقل الكاتبان عن المحققين قولهم إن التنظيم حصل في بعض المرات على ضرائب مقابل السماح للمهربين بنقل الحشيش عبر أراضيه، لافتين إلى أن هذا الأمر هو ذاته الذي يطبقه التنظيم في المناطق الخاضعة تحت سيطرته في العراق وسوريا.
ويستدرك التقرير بأنه مع ذلك، فإن المسؤولين الإيطاليين يعترفون بعدم قدرتهم على فهم الدور الذي أداه التنظيم وعما إذا كان هناك له دور في شحنات الحشيش.
وتورد الصحيفة نقلا عن مسعود كريمبور، من مكتب مكافحة المخدرات والجريمة، التابع للأمم المتحدة وممثلها في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، قوله: "في الحقيقة، لا أحد يعرف ما يجري على الأرض، وما يمكننا أن نقدمه أو التكهن به، هو أن الإرهابيين، الذين يسيطرون على المناطق، يتحكمون بكل شيء يمر منها، بما في ذلك التهريب، سواء كانت أسلحة أو مخدرات".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه في التحقيق في مسألة سفينة آدم، فإن كريمبور يرى أنها بدأت رحلتها من قبرص، حيث نقلت شحنة أثاث إلى بنغازي، ومنها إلى المغرب، وحملت شحنة من الحشيش، لافتة إلى اعتقاد المحققين أن تهريب الحشيش ربما كان مرتبطا بالسلاح، فالأثاث هو شحنة سلاح، والحشيش كان وسيلة للدفع، خاصة أن الليبيين لا يستخدمونه.