سيطرت قوات حفتر، أمس الأول، على ميناءي السدرة ورأس لانوف الرئيسيين في شرق ليبيا، إثر هجوم مباغت استهدف منطقة الهلال النفطي التابعة لسلطة حكومة الوفاق، برئاسة فايز السراج، المعترف بها دوليا في طرابلس، وهو ما سيعني حرمان حكومة الوفاق من أهم مواردها المالية. وتضم منطقة الهلال النفطي عدة مدن بين بنغازي وسرت (تبعد سرت 500 كلم شرق العاصمة)، كما أنها تتوسط المسافة بين بنغازي وطرابلس، وتحوى المخزون الأكبر من النفط، إضافة إلى مرافئ "السدرة، ورأس لانوف، والبريقة"، وهي بذلك يمكن وصفها- دون مبالغة- بأنها "عصب الاقتصاد الليبي"، حيث يُعتمد على إيراداتها في تمويل أكثر من 90% من خزانة الدولة، وتُدفع منها رواتب الموظفين الحكوميين، ونفقات دعم السلع الأساسية والوقود، وكذلك عدد من الخدمات الرئيسية مثل العلاج المجاني في المستشفيات.
ويمكن اعتبار أن قوات حفتر تمثل المشروع السياسي والعسكري الأبرز داخل ليبيا، ولكنه ليس محل توافق محلي ولم يَنَل الرضا الدولي والأمريكي، وسبق أن توقعنا- في مقال سابق منذ أكثر من شهرين: (المعضلة الليبية ليست فقط داعش)- أن الصراع بين حكومة الوفاق والميليشيات المؤيدة لها، وبين برلمان طبرق، المؤيد لقوات الفريق خليفة حفتر، سيعمق من مشاكل ليبيا، وأنه لا حل إلا بحسم هذا الصراع بالتوافق أو المواجهة (غير المسلحة) بين الجانبين.
وتدل مؤشرات كثيرة على أن الواقع المحلي الليبي يقول إن مشروع حفتر السياسي والعسكري هو الأقرب ليكون بديلا لنظام القذافي الذي سقط دون أن يختفي من الواقع، مقارنة بالبدائل المصنعة خارجيا سواء في المصانع الغربية الأمريكية أو مصانع قطر والجزيرة، التي تدعم بصور مختلفة الجماعات التكفيرية والإرهابية، تحت حجة مواجهة الديكتاتورية وذيول نظام القذافي، التي تعتبر حفتر واحدا منها.
والحقيقة أن مشروع حفتر هو صناعة محلية بالكامل، فهو خليط من صورة محسنة تماما لنظام القذافي مع صورة العسكري البطل الذي يقاتل الأعداء والإرهابيين، واعتبره البعض الطبعة الليبية من تجربة السيسي في مصر، وهو الذي قال، في حديث نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية منذ عامين: "إن القاسم المشترك بين ما يجري في مصر وليبيا أن الخصم واحد، ألا وهو الإخوان، الداء والمرض الخبيث، وإن الاختلاف بين البلدين يكمن في أن النظام في ليبيا منهار تماما، حيث إن الجيش والشرطة مفككان، وهذه الجماعات تعلن جهارا نهارا أنها لا تريد بناء الجيش والشرطة، وإنما فقط تطبيق الشريعة الإسلامية".
وقد نجح حفتر في إعادة بناء الجيش الوطني الليبي، الذي يُعد أكبر قوة مسلحة في ليبيا (تقترب من نصف هذه القوى)، في حين تنقسم باقي القوى بين تنظيم داعش الإرهابي والفصائل المسلحة التي تدعمه وميليشيات "البنيان المرصوص"، التي تؤيد حكومة السراج ومعها فصائل أخرى، بما يعني أنه لا يمكن لقوات حفتر بمفردها أن تسيطر على ليبيا دون غطاء سياسي عربي ودولي.
يقينا يحتاج حفتر لحليف عربي وإقليمي وليس مجرد داعم بالسلاح، وإذا كانت كل المؤشرات تقول إن مصر مرشحة للعب هذا الدور ولكنها بكل أسف غائبة لأنها حتى هذه اللحظة لم تستطع أن تبلور مشروعا سياسيا يسمعه العالم ويأخذه بجدية، رغم أن حالة الواقع المعيش في ليبيا تقول إنه لا بديل إلا مشروع سياسي يعيد بناء الدولة الليبية أولاً، وهي فرصة جاءت لمصر مثل الكرة "المقشرة" أمام مرمى خالٍ، وليس أمامها إلا أن تدفعها لتسجل هدفا ولكنها بكل أسف أهدرت الفرصة.
(عن صحيفة المصري اليوم)