احترت في المشهد، تأملته مرة بعد مرة، فركت عينيَّ كي أتأكد أنني في علم لا في حلم، رئيس جمهورية الأمر الواقع عبد الفتاح "سيسي" يقف في قمة مجموعة العشرين بين أهم رؤساء العالم!
كيف استطاع هذا التافه أن يدخل هذه القاعة؟
هل يمكن أن يكون قد غافل الحراس ودخل ولم يشعر به أحد بسبب قصر قامته؟
كيف دخل الوفد المرافق إذن؟ كيف وجد مقعدا على الطاولة مكتوبا عليه اسم مصر؟
لم يدهشني ما حدث له من تجاهل رؤساء الوفود والحكومات والدول لوجوده، فهذا مقامه في كل مكان يذهب إليه ... إنه سفاح، وصل للسلطة بانقلاب عسكري، والعالم كله يعلم ذلك، ولكن ما أدهشني حقا هو مجرد وجوده في هذا التجمع الهام.
***
لابد أن يعرف القارئ الكريم ما هي مجموعة العشرين أولا لكي يدرك وجه دهشتي، هي باختصار تجمع اقتصادي يضم أهم وأكبر 19 دولة في العالم، والاتحاد الأوروبي هو ما يكمل العدد عشرين، وليس للمجموعة مقر ثابت، ولا موظفون، بل هي تجمع يتولى التنسيق من خلال الدول الأعضاء مباشرة.
أهم أهداف المجموعة تنمية الاقتصاد العالمي، وتفعيل مبادرات التجارة الحرة، وتوفير فرص العمل.
أنشئت مجموعة العشرين عام 1999 بناء على مبادرة من مجموعة السبع لتجمع الدول الصناعية الكبرى مع الدول الناشئة كالصين والبرازيل والمكسيك، لمناقشة الموضوعات الرئيسية التي تهم الاقتصاد العالمي.
يستضيف الأعضاء بالتناوب اجتماع القمة السنوي إلى جانب اللقاءات الأخرى خلال السنة.
يلتقي القادة سنويا، فيما يجتمع وزراء مالية المجموعة ومحافظو البنوك المركزية مرات متعددة كلسنة.
***
وجود "سيسي" في المشهد أمر غريب، إذ لا يمكن مقارنة مصر بحالتها الاقتصادية والتعليمية والعلمية الحالية بأعضاء المجموعة، فهي تضم أهم الدول المؤثرة في اقتصاد العالم، فهذه المجموعة تتحكم في ثلثي تجارة العالم، وتنتج أكثر من 90 بالمئة من الناتج العالمي الخام، ومصر لا تملك نصيبا له وزن في التجارة العالمية (كالبرازيل وتركيا مثلا)، ولا تملك أي نصيب في الثروات الخام (كالمملكة العربية السعودية مثلا).
حين يتأمل القارئ الكريم أعضاء مجموعة العشرين سيعرف الفارق الشاسع بين الدول الأعضاء، وبين مصر التي يحكمها عسكر "سيسي": الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، أستراليا، ألمانيا، فرنسا، روسيا، إندونيسيا، إيطاليا، الأرجنتين، البرازيل، المملكة العربية السعودية، الصين، المكسيك، إنجلترا، الهند، تركيا، جنوب أفريقيا، كندا، كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي.
كانت أولى قمم مجموعة العشرين عام 2008، وقبل ذلك كانت اجتماعات على مستوى وزراء المالية، وفي جميع الأحوال لم تصل علاقة الدولة المصرية في أي عهد من العهود إلى درجة العضوية الكاملة التي تتيح لرئيس الدولة الحضور بين هؤلاء الرؤساء الذين يتحكمون في ثلثي اقتصاد العالم.
في العام الماضي استضافت تركيا هذه القمة، في مدينة "أنطاليا"، ولم يحضر "سيسي" القمة، ليس لأنها في تركيا، بل لأنه لا مكان له بين هؤلاء، وهذا هو الطبيعي، فبأي منطق تحضر دولة حصل نظامها التعليمي على الترتيب رقم 139 من 140 دولة!؟
***
وجود "سيسي" في هذه المنتديات الكبرى، وهو جاهل – حاصل على الشهادة الإعدادية فقط – يمثل فضيحة كبرى لمصر.
صحيح أنه يمثل فضيحة لحكم العسكر أيضا، ويعريه أمام أنصاره المخدوعين، ولكن ذلك لا يعفينا من نصيبنا في الفضيحة شئنا أم أبينا، فنحن مصريون، وهذا رئيسنا أمام العالم، بقوة السلاح، وبالدبابة، ولكن العالم لا يهتم بهذه التفاصيل، بل يرى لقطات إهانته، ويرى غباءه المبدع، ويتم تحميل ذلك على سائر المصريين.
شاهدت الصور والفيديوهات التي أهانت كل مصري بسبب هذا التافه، ولكن ظل السؤال يلح على ذهني "كيف تمكن من دخول تلك القاعة أصلا؟!".
وبعد تمحيص وتدقيق، وبعد الاستفسار والتحري ... جاءت لي المعلومة التي تفسر وجود رئيس بهذا التفاهة وسط أهم قادة العالم ... لقد دعته الصين كضيف شرف!
ولكن هناك سؤال آخر ... ما أهمية "سيسي" لكي يُدْعَى كضيف شرف لهذه القمة؟
وكانت الإجابة المؤسفة أنها دعوة مدفوعة الأجر!
بقي سؤالان: من الذي دفع؟ وكم دفع؟
تبين أن من دفع هو الدولة التي نعرفها جميعا، دولة المؤامرات، دولة السحت والإفك، ولا داعي لذكر الأسماء...!
كم دفعوا لكي يدخل هذا التافه تلك القاعة؟
هناك أرقام مختلفة ... ولكن في جميع الأحوال تجمع المصادر على أن المبلغ يقدر بملايين الدولارات.
***
في نهاية الأمر ... لم تستفد مصر من وجود رئيسها الأهطل بين قادة العالم، بل تضررت صورة الدولة المصرية بشكل بشع، وسيلزمنا سنوات وسنوات لكي نرمم صورة مصر ورئيس مصر وحكومة مصر، سنحتاج لعمل مضن لإعادة الاعتبار لرجل الدولة المصري بعد أن حوله العساكر إلى مسخرة من مساخر السياسة الدولية.
لقد ذهبوا به لتلك القمة لكي يتحدث إعلام العالم عن وجوده تحت عنوان ("سيسي" يلتقي قادة العالم على هامش قمة العشرين)، ولكن ما حدث أن العنوان الأبرز في القمة كلها كان (فضائح ونوادر الرئيس المصري في قمة العشرين) !
***
كلمة أخيرة: إذا كانت هذه الإهانات موجهة لكل المصريين فقد آن الأوان إذن لتوحدنا أمام حكم العسكر، ولا شيء يمكن أن يوحدنا إلا أهداف ثورة يناير الجامعة، عيش ... حرية ... عدالة اجتماعية ... كرامة إنسانية ... ولا مجال لخلافات فكرية مزعومة، أو لمطامع سياسية قصيرة النظر.
يا معشر المصريين ... أنقذوا بلادكم من حكم العسكر قبل فوات الأوان !