أصدرت الحكومة
المصرية، برئاسة شريف إسماعيل، مساء الأربعاء، بيانا مقتضبا تحظر فيه وضع أي
تماثيل أو لوحات جدارية في أي ميادين بالقاهرة، والمحافظات.
وقال البيان إن القرار يحظر ترميم أو وضع تماثيل أو لوحات جدارية أو أي منحوتات بالميادين العامة بمحافظات الجمهورية، إلا بعد الرجوع إلى وزارتي الثقافة والآثار، كل في ما يخصه.
ولم يوضح البيان أي تفاصيل حول أسباب صدور القرار، أو الإشارة إلى القوانين المطلوب تفعيلها في ما يخص تنظيم الفراغات العامة، سواء الحدائق أم الميادين، وتجميلها، بناء عليه.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مسؤول في مجلس الوزراء تصريحه بأن القرار يستهدف منع تكرار فوضى "وضع تماثيل سيئة في ميادين البلاد لا تتماشى مع التاريخ المصري العريق"، وفق وصفه.
لكن مراقبين ربطوا بين صدوره وتكرار ظاهرة رفع تماثيل مشوهة في عدد من مدن البلاد، فضلا عن تزايد الانتقادات الشعبية، في الآونة الأخيرة، لأعمال ترميم تماثيل موضوعة بميادين مختلفة، قالوا إنها افتقرت للذوق، ومراعاة الآداب العامة، والحس الفني والجمالي.
وجاء في مقدمة تلك التماثيل تمثال "
أم الشهيد" بمدينة البلينا بمحافظة سوهاج بصعيد مصر، الذي أرادت به المحافظة تكريم قتلى الجيش المصري، لكنها جسدت "أم الشهيد" في صورة سيدة ريفية نحيفة، يقف خلفها، ويحيط بخصرها؛ جندي، يرتدي خوذة، ويلفها بذراعيه، وهي ممدودة الذراعين.
وتحدثت تقارير إعلامية محلية أيضا عن سوء ترميم تمثال "أم كلثوم" بحي الزمالك، فضلا عن تماثيل أخرى وصفها نشطاء بـ"القبيحة"، وتزامن قبحها مع حدوث انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013.
غضب المحافظ.. وقرار بالتعديل
ومن المقرر أن ينتهي القائم بتصميم تمثال "أم الشهيد"، المثير للجدل، وجيه يني، من التعديلات الجديدة فيه، في غضون أسبوع، بناء على قرار المحافظ، أيمن عبد المنعم.
وكان المحافظ انتقد التصميم ضمنا بقوله: "أحيانا تتصادم رؤية فنان مع ثقافة المجتمع، وإذا كان هدفنا معاملة المواطنين باحترام، فلا ينبغي أن نفعل أي شيء يسيء لمشاعرهم"، وأضاف: "نحن جميعا نحترم جيشنا ووطننا".
وأضاف، في مداخلة هاتفية، مع برنامج "انفراد"، عبر فضائية "العاصمة": "مش كل واحد يشتغل من نفسه، لازم كلنا نشتغل مع بعض".
وتابع: "مع احترامي للفنان اللي عامل التمثال، عنده لمسات فنية، ولكن رؤية الفنان ساعات تصطدم مع ثقافة المجتمع".
قصة التمثال الذي أثار الجدل
ويظهر تمثال "أم الشهيد" جنديا مصريا يحتضن سيدة من الخلف، ويضع يديه على خصرها، ويظهر رأسه وكتفيه ويديه فقط، بينما ترفع هي ذراعيها إلى الأمام، في حين ينظر هو إلى كتفها، وقد طوقها بذراعيه، كما يرتكز التمثالان إلى نافورة.
واعتبر الأهالي أن التمثال يدعو إلى "التحرش". ورأى نشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي أنه يظهر الجندي بصورة غير لائقة مع امرأة ترمز للدولة المصرية، مشددين على أن التمثال بذلك يحمل إيحاءات جنسيه مرفوضة، ويصور القوات المسلحة المصرية في صورة من يقوم بإغواء مصر، ممثلة في صورة الفلاحة.
ورأوا أن التمثال يعبر سياسيا عن "علاقة غير مرغوبة بين الجيش ومصر"، مؤكدين أنه لا يليق وضعه بميدان يواجه مدرسه ثانوية للبنات.
وجهة نظر مصمم التمثال
في المقابل، دافع وجيه يني، عن تصميمه للتمثال، على هذه الشاكلة، قائلا، في ما نقلته عنه وكالة أسوشيتد برس، إنه أراد من عمله إظهار جندي "يحمي مصر من أعدائها، ولا يمثل أي إهانة لمواطنيه".
وأكد أنه ما زال مقتنعا بفكرة التمثال الأصلية، مشددا على أن الجندي يمثل "روح الشهيد"، الذي يحمي مصر، قائلا: "إن عملية تعديل في التمثال، عبر إزالة الجندي، ووضع فرع زيتون في يدي المرأة، قد بدأت وستنتهي خلال أقل من أسبوع"، كما أنه سيشكل هلالا فوق رأس المرأة من خلال الحمام الأبيض الذي يرمز للسلام.
اهتمام عالمي بردود الأفعال
اهتمت وسائل الإعلام العالمية بقصة التمثال، وتداعياتها، وردود الأفعال المحلية حولها، خلال الأسبوع المنصرم.
واعتبرت وكالة "أسوشييتد برس"، أن "التمثال تسبب في إحراج المصريين، وشعورهم بالخزي، مشيرة إلى أنه قوبل بكثير من الانتقادات من قبل أهالي المحافظة، ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن يأمر محافظ سوهاج، أيمن عبد المنعم، بإجراء تغييرات عليه".
وبدورها، اعتبرت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن الجدل الذي أثير حول التمثال في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي؛ يعكس الصعوبات التي يواجهها الفنانون والمفكرون في بلد يهيمن عليه الطابع المتشدد على مدار الـ40 إلى الـ50 عاما الماضية، على حد زعمها.
وسلط تقرير لقناة "بي بي سي" البريطانية الضوء على قيام محافظة سوهاج بتعديل التمثال، بسبب موجة الغضب والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبار المقيمين بالمدينة أنه غير مناسب من الناحية الأخلاقية.
ويذكر أن تكلفة بناء التمثال تتراوح بين 200 و250 ألف جنيه (20- 25 ألف دولار)، وأن ارتفاعه يصل إلى 8.5 متر.
وكان رئيس مركز ومدينة البلينا، عدلي أبو عقيل، صرح بأنه تم الشروع في بناء التمثال منذ ستة أشهر قبل توليه المنصب، وأنه تم اعتماد المبالغ اللازمة لذلك، وأن من يقوم بتنفيذه فنان عالمي، وأنه سيكون علامة فارقة، ويرمز إلى أنه عند موت الشهيد فإن والدته تقوم بحمله على ظهرها فخرا باستشهاده، على حد وصفه.