تمر مدينة دمشق وريفها بمرحلة من أخطر المراحل عبر تاريخها القديم والحديث، يتمثّل هذا الخطر بعمل متسارع ومتواصل من أجل تغيير ديموغرافيتها وهويتها، يتم ذلك من خلال العديد من الوسائل والأساليب التي تمارسها إيران بالتعاون الوثيق مع نظام بشار الأسد. يمكننا بمتابعة بسيطة لمجريات الأحداث ومراقبة لتغيّر الخارطة الديموغرافية لدمشق خلال السنوات الثلاثين الماضية أن نقرأ حقيقة ما يحدث ونُحصي أهم الوسائل المتّبعة في تغيير هذه الديموغرافية.
بدأ النظام منذ ما يزيد على الثلاثين سنة بإنشاء تجمعات على أساس طائفي مثل عش الورور- مزة 86 – السومرية ...، وكذلك في توطين قسم آخر في محيط دمشق وريفها كما جرى في المعضّمية والسّيدة زينب وغيرها.
ترافق عمل النظام هذا مع السّماح لإيران بشراء الأراضي والعقارات في قلب دمشق ومحيطها، كما هو الحال في حيّ العمارة والشّاغور والصّالحيّة والأحياء المحيطة بالجامع الأموي...
لكنّ المرحلة الأخطر والأشرس من أجل إنجاز مشروع تغيير ديموغرافية دمشق لصالح إيران مع النظام بدأت بعد قيام الثّورة السّوريّة عام 2011، فقد بدأت إيران بجلب مرتزقة على أساس طائفي للقتال إلى جانب نظام بشار الأسد، وأخذت تتعالى نداءات أن
سوريا هي المحافظة رقم 35 من محافظات إيران، وتسارع العمل عبر ثلاثة خطوط:
أولا: قتل وتهجير أكبر عدد ممكن من المسلمين السنّة في دمشق وريفها.
ثانيا: شراء أكبر عدد ممكن من العقارات مباشرة أو عبر سماسرة، وغير ذلك من الوسائل التي فيها الكثير من طرق الضغط والإجبار كما حصل في ما يعرف بحريق العصرونية المفتعل، فلقد كان الإيرانيون يختطفون أحد أقارب أصحاب المحال التي يرفض أصحابها بيعها، ثم يبدؤون بمساومته على قريبه المختطف حتى يضطر أن يبيع، لكنّ قسماً من تجار العصرونية تكاثفوا وصمدوا في وجه هذه الهجمة، فقام النّظام بإغلاق هذه المنطقة ليلاً، ثم أنشب الحريق الخامسة فجراً وبقي حتى التهم هذه المحال وغيّر المعالم، ولم تصل سيارات الإطفاء إلا في السّاعة الثّامنة صباحاً، في حين أن الإطفائيّة لا تبعد عن العصرونية سوى مئات الأمتار، لكن تمّ فعل ذلك من أجل المضي في مشروع تغيير هويّة دمشق القديمة وخصوصاً في هذه المناطق ذات البعد التاريخيّ.
ثالثا: جلب مستوطنين على أساس طائفيّ من العديد من الدّول، وبهذا يظهر أن ما تقوم به إيران في سوريا ليس مجرّد احتلال، بل هو احتلال استيطانيّ.
ترافق هذا العمل في قلب دمشق عاصمة الشام مع عمل في محيط دمشق أو ما يُعرف بالرّيف الدمشقيّ. فحصار الزّبداني أعقبه تهجير لسكّانها، وكذلك كان حصار مضايا مأساة من مآسي العصر، ثم قضيّة تهجير سكان داريا، وكذلك بدأ العمل من أجل تهجير سكّان المعضميّة، وبهذا يتّضح أن إيران والنّظام يقومان بعمل حزام شيعيّ حول دمشق يرتبط جغرافياً بحزب الله.
لا يقتصر هذا العمل على المدن التي تم ذكرها وهي كلّها واقعةٌ في الرّيف الغربيّ والجنوبيّ لدمشق، فما بقي من الرّيف الجنوبي والشرقيّ مهدّد أيضاً بالسيناريو السّابق (الغوطة الشّرقيّة).
يذكّرنا ما يجري لدمشق اليوم وما تخطّط له إيران بما جرى لبغداد في تاريخها القديم والحديث من تغيير لديموغرافيتها وإحاطتها بحزام شيعيّ، وهذا أيضاً يجعل الخطر محدقاً بكلّ الدّول الإقليميّة، فأطماع إيران ومخططاتها لا تقتصر على دمشق وريفها أو حمص واللاذقيّة، بل خطر يهدّد كل سوريا والدّول العربيّة.
فهل تتدارك هذه الدّول سوريا وتتدارك نفسها قبل فوات الأوان؟!