وصف الباحث ويليام ماكنتس، الذي تحدث إليه مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" سكوت شين، السعوديين بأنهم "مشعلو حرائق وعمال إطفائية"، وفي الوقت ذاته فإنهم ينشرون أيديولوجية سامة من جهة، وهم "حلفاؤنا في محاربة
الإرهاب".
ويقول الكاتب إن الاتهامات الموجهة للسعودية بأنها راعية للوهابية، التي انتشرت في أنحاء العالم، وكونها ضحية أو كبش فداء، يلقي عليها السياسيون الأمريكيون والإعلام مسؤولية الأعمال الإرهابية، متناسين عوامل أخرى، ومنها التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط من حرب أفغانستان عام 1980 إلى غزو العراق في عام 2003.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن مرشحي الرئاسة الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون يختلفان في المواضيع كلها باستثناء
السعودية، حيث شجبت المرشحة الديمقراطية ووزيرة الخارجية السابقة كلينتون الدعم السعودي للمدارس والمساجد الراديكالية حول العالم، التي وضعت الكثير من الشباب على طريق التطرف، أما المرشح الجمهوري ترامب فقد وصف السعودية بأنها "الممول العالمي الأكبر للإرهاب"، لافتا إلى أن أول مبعوثة أمريكية خاصة للمجتمعات الإسلامية فرح بانديث، التي زارت 80 دولة، تحدثت عن التأثير السعودي، الذي يقوم بتدمير التقاليد الإسلامية المتسامحة، قائلة: "لو لم يتوقف السعوديون عما يفعلونه الآن، فستكون هناك تداعيات دبلوماسية واقتصادية وثقافية".
وتلفت الصحيفة إلى أن مهاجمة السعودية أصبحت ديدن المعلقين الأمريكيين، فلا يكاد يمر أسبوع دون تحميل السعودية مسؤولية العنف الجهادي، مشيرة إلى أن بيل ماهر وصف التعاليم السعودية بأنها "من العصور الوسطى"، وذلك على قناة "أتش بي أو"، بالإضافة إلى أن المعلق فريد زكريا كتب في "واشنطن بوست" قائلا إن "السعودية خلقت وحشا في العالم الإسلامي".
ويعلق شين قائلا إن "هذه الهجمات وغيرها رسخت صورة عن السعودية بصفتها مصدرا لتفسير متشدد، وسلطوي، وأصولي، يعرف بالوهابية، غذّى التطرف، وساهم في الإرهاب".
ويتساءل الكاتب عما إذا كان الخطر الذي يواجهه العالم هو نتاج للتمويل الذي أنفقته السعودية من موارد النفط على نشر
الوهابية، أم أن المملكة هي مجرد كبش فداء، خاصة أنها فضلت التعامل مع الديكتاتوريين المدعومين من الغرب، بدلا من التعاون مع الإسلاميين.
ويوضح شين قائلا إن "السعوديين يرغبون بعلاقات جيدة مع الغرب، ويتعاملون مع العنف الجهادي بصفته تهديدا خطيرا عليهم، في وقت يقوم به
تنظيم الدولة بهجمات ضد المملكة، حيث نفذ 25 عملية خلال الأشهر الثمانية الماضية، ويضاف إلى هذا التنافس السعودي
الإيراني، ذلك أن الدولة السعودية تستند في شرعيتها إلى دعم العلماء الذي يقدمون تفسيرا محافظا، وعادة ما تتصارع هذه الأهداف بطريقة مثيرة للغرابة".
وتنقل الصحيفة عن الخبير النرويجي في مجال مكافحة الإرهاب توماس هيغهامر، الذي استفادت الولايات المتحدة من خبراته، قوله إن الأثر الذي تركته الدعوة السعودية كان إبطاء تطور الإسلام، بالإضافة إلى أنها منعت تعايشه الطبيعي مع العالم المتنوع والمعولم، وأضاف أن التفسير الحرفي للدين منع من تحوله إلى الإصلاح الإسلامي.
ويذكر الكاتب أن "الدور السعودي واضح في كل مكان في العالم: من مسجد غوتنبرغ في السويد إلى مسجد الملك فيصل في تشاد، ومن مسجد الملك فيصل في لوس أنجلوس إلى المسجد المركزي في سيؤول في كوريا الجنوبية، وبلغ حجم الإنفاق على الجهود الدعوية في نصف قرن عشرات المليارات من الدولارات، واستفادت منه عشرات الدول، فيما نقلت العمالة المسلمة الأجنبية التأثيرات الوهابية إلى بلادها".
ويرى شين أن "دور الوهابية وتأثيرها يختلفان من بلد إلى آخر، ففي أجزاء من أفريقيا وجنوب شرق آسيا غيرت التعاليم الوهابية التقاليد الدينية بطريقة دفعت المرأة للبس الحجاب، والرجال لإطلاق اللحى، وفي داخل المجتمعات المسلمة الأوروبية، فإن الأثر السعودي بدا من خلال نزعات التشدد، وفي دول تعاني من انقسامات، مثل نيجيريا وباكستان، ساهم الدعم المالي السعودي للمؤسسات الدينية بزيادة الخلافات".
وينوه التقرير إلى تبني تنظيم الدولة تعاليم الوهابية في مدارسه في المناطق التي يسيطر عليها في العراق وسوريا، حيث تشير دراسة أعدها الزميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى جاكوب أوليدور، إلى أن من بين12 كتابا أعاد التنظيم نشرها، هناك سبعة كتب هي من تأليف الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وأشار إلى ما قاله عادل الكلباني، وهو أحد الشيوخ السعوديين في مقابلة تلفزيونية في كانون الثاني/ يناير، الذي تحدث بنوع من الأسى قائلا إن "تنظيم الدولة أخذ أفكاره مما ورد في كتبنا ومبادئنا".
وتتحدث الصحيفة عن علاقة الولايات المتحدة مع السعودية قائلة إن "معظم المسؤولين الأمريكيين الذين تعاملوا مع السعوديين كونوا رؤية سلبية حول الدور السعودي، إلا أن اعتماد الولايات المتحدة على السعودية في مكافحة الإرهاب يتقدم على التأثير الراديكالي لها، خاصة أن السعوديين قدموا عام 2010 معلومات أحبطت عمليات تفجير طائرات، وبحسب ماكانتس، فإن الدعم السعودي لمؤسسات البحث والجامعات الأمريكية منع من إطلاق النقد للسعودية".
ويورد الكاتب أنه في المقابل، يرفض خبراء في النزعات الراديكالية في عدة دول فكرة تحميل السعودية المسؤولية الكاملة عن الموجة الحالية للتطرف والعنف الجهادي، ويشيرون إلى عدة عوامل أدت دورا في صعود العنف الجهادي والتطرف، بما فيها الاضطهاد الذي مارسته الأنظمة العلمانية في الشرق الأوسط، والظلم المحلي، والانقسامات، واختطاف المتطرفين لشبكة الإنترنت، واستخدامها للدعاية، والتدخل الأمريكي في دول العالم الإسلامي، من الحرب المضادة للاتحاد السوفييتي في أفغانستان إلى غزو العراق.
ويفيد التقرير بأن منظري الأصولية الإسلامية، وهما سيد قطب وأبو الأعلى المودودي، أنتجا أفكارهما دون تأثير من السعودية، مشيرا إلى أنه في الوقت ذاته فإن تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة يمقتان حكام السعودية الذين يعدونهم منافقين.
وتنقل الصحيفة عن السفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد، قوله: "يحب الأمريكيون تحميل المسؤولية لشخص، أو لحزب سياسي أو بلد، لكن الأمر أعقد من هذا، وسأكون حذرا في اتهام السعودية".
ويقدم شين صورة عن جهود الدولة السعودية في مكافحة الإرهاب بعد الهجمات التي تعرضت لها في عام 2003، وما بعد ذلك، حيث قامت بمنع جمع التبرعات، ومنع الوعاظ والأئمة المتشددين من الوعظ في المساجد، وعزلت 3500 إمام في الفترة ما بين 2004 إلى 2012؛ بسبب رفضهم شجب المتطرفين، بالإضافة إلى أنه تمت إعادة تدريب 20 ألف إمام.
ويورد التقرير نقلا عن باحث أمريكي لديه خبرة طويلة في السعودية، ورفض الكشف عن اسمه، اعتقاده بأن الخطاب السياسي الأمريكي عادة ما يبالغ في الحديث عن التأثير السعودي.
وتتحدث الصحيفة عن التحالف السعودي– الوهابي، الذي يمنح الحكم الشرعية، واكتشاف النفط في عام 1938، الذي أعطى ثروة للمؤسسة الدينية تستطيع من خلالها تصدير رؤيتها الإسلامية، لافتة إلى الدور الذي أداه الملك في نشر الدعوة الوهابية، مستدركة بأنه رغم نزعته الحداثية، إلا أنه لم يستطع إعادة تشكيل الرؤية التي أصبحت وجه الكرم السعودي في العالم.
وبحسب الكاتب، فإنه على مدار أربعة عقود بنت السعودية 1359 مسجدا، و201 مركز إسلامي، و202 كلية، بالإضافة إلى ألفي مسجد في دول ليست غالبيتها مسلمة، مشيرا إلى أن المال السعودي ساهم بتمويل 16 مسجدا في أمريكا، وأربعة مساجد في كندا، وأخرى في لندن ومدريد وبروكسل وجنيف.
وفي السياق ذاته يتحدث شين عن الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، التي جعلت السعودية تنفق على جهود نشر الدعوة الوهابية لمواجهة التحدي الإيراني الجديد، وفي العام ذاته احتل متطرفون إسلاميون الحرم المكي، وغزا الاتحاد السوفييتي أفغانستان، حيث عملت السعودية ولعقد من الزمان على دعم المجاهدين، منوها إلى أن هجمات أيلول/ سبتمبر 2001 غيرت طبيعة العلاقة مع السعودية، لكنها تعاملت بطريقة حذرة مع السعودية؛ لتدفعها للإصلاح الذي ظل بطيئا، خاصة أن السعوديين كانوا يعون اعتماد الأمريكيين عليهم في الدعم الاستخباراتي.
ويشير التقرير إلى "أنه بعد 12 عاما من الضغط الأمريكي الهادئ على السعوديين، نشرت دراسة أمريكية حول محتويات المقررات المدرسية السعودية، ووجدت أن تقدما ما قد حدث، إلا أن مواد (غير مناسبة) لا تزال تدرس في الصفوف المدرسية، خاصة المتعلقة بالجهاد، كما أن بعض الكتب، التي طبعتها ووزعتها الحكومة، تنشر أفكارا معادية للعلم والمرأة، ووزعت هذه الكتب على دول أخرى لتدرس في الكليات المدعومة من السعودية، ويعد التأثير عبر المقررات الدراسية جزءا من التأثير، خاصة أن الدعاة الذين تدربوا في الجامعات السعودية حملوا أفكار الوهابية معهم".
وتجد الصحيفة أن "الحديث عن التأثير السعودي لا يعطي صورة عن تورط سعودي، فالهجمات الإرهابية الأخيرة في بروكسل وباريس لم تشر إلى رابط بين المهاجمين والسعودية، رغم التقارير الصحافية الكثيرة التي تبنت هذه الفكرة، ولا حتى لأي ارتباط بين الإرث السعودي في بلجيكا والمهاجمين، الذين كان معظمهم مجرمين سابقين، وخريجي سجون، ولا يعرفون عن الإسلام الكثير، ولو كانت هناك رابطة سعودية فهي غير مباشرة، والأمر ذاته يقال عن أندونيسيا، التي أسهم الدعم السعودي بتعزيز نزعة المحافظة لدى سكانها".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن مديرة المعهد لتحليل السياسات في جاكرتا سيدني جونز، تقول إنها درست منذ عام 2002، حوالي حالات ألف شخص اعتقلوا بتورطهم بقضايا إرهاب، ولم تجد إلا عددا قليلا، أربعة أو خمسة، لهم علاقة بالوهابية، وتضيف: "في الحقيقة فإن هناك فجوة بين الجهاديين الأندونيسيين والسلفيين هناك".