تعتبر هيلاري كلينتون، سياسية ليبرالية مخضرمة، ولكن بمعتقدات أساسية قليلة، إذ يبدو أن مواقفها من موضوعات، كاتفاقيات التجارة الحرة، وخط أنابيب كيستون، والحرب على العراق، ونظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، تتوقف على ما يظهره 51 % من الرأي العام.
يعتقد السياسيون من أمثال هيلاري، أن الحقيقية أمر نسبي، إذ يُعتبر السياسيون كَذَبَة في حال لم يتمكنوا من إقناع العامة بأنهم على حق، والعكس صحيح. وحينما لن تعود الغالبية العظمى من الأمريكيين تصدق أقاويل كلينتون بشأن رسائل بريديها الإلكتروني الخاصة، لدرجة عدم رغبتهم في التصويت لها، ستعمد كلينتون حينها لتغيير روايتها، لتوجد رواية وحقائق جديدة تغير نظرتهم.
يعتبر دونالد ترامب سياسيا هاويا، بيد أنه سياسي مع ذلك. ويعتبر محافظا من الناحية الظاهرية، ولكنه فوق ذلك، يعمد لتغيير مواقفه بشأن كثير من المسائل، بدءا بالإجهاض، ووصولا إلى الحرب على العراق،
وذلك بالاستناد إلى شعوره حول ما أصبح عليه موقف الأغلبية. وعلى نحو مشابه لكلينتون، فإن تصور ترامب عن الحقيقية، يُحدد بالأمور المجدية، بحسب المطلوب، بينما يكمن الزيف بأي رواية أثبت عدم جدوى استخدامها.
يعمد السياسيون لإلقاء التحية بكل سرور، وإرضاء الجمهور، وتقبيل الأطفال، في مساعٍ ليصبحوا أبواقا لآراء الأغلبية، إلا أن أصحاب الأيديولوجيات مختلفون، فهم يحاضرون في كثير من الأحيان عن أن أحلامهم السياسية الحماسية، لا يشاركهم فيها الجمهور الأقل اطلاعا، على نحو مفترض.
وبهدف الوصول إلى السلطة، يمكن أن يصبح الأيديولوجيون حيوانات سياسية، مؤقتا، بمعنى الاهتمام، بشكل كبير، بالقضايا الاجتماعية والسياسية. لقد ترشح باراك أوباما عام 2008، بناء على اتخاذ مواقف شعبية، كخفض الدين القومي، ومعارضة زواج المثليين، والعفو، والهجرة، ليغير آراءه بعد نجاح عملية إعادة انتخابه، حيث لا يحتاج للانقياد إلى آراء الأغلبية.
ولكن من ناحية أخرى، يبدو أن أوباما الأيديولوجي، يعتقد بأن الحكومة الكبيرة المعاد ترتيبها، دائما ما تكون ضرورية لتحقيق المساواة، بغض النظر عما إذا كانت مفيدة أم لا في الواقع. ويعارض تقليل مكتسبات أرباح رأس المال من معدلات الضرائب، على الرغم من أن تلك التخفيضات، تجلب مزيدا من العائدات.
في الخارج، يبدأ أوباما بالقول إنه لا يمكن الإشادة بأمريكا لحفظ العالم في الحرب العالمية الثانية، والفوز بالحرب الباردة، والدخول في العولمة. وعوضا عن ذلك، فإن ظلمها المتأصل للشعوب القديمة، ومعارضة النظم الثورية، وما يفترض بأنه بلطجة، ينحيها من كونها دولة أخلاقية وقوية تقود العالم. ونتيجة لكل ذلك، غالبا ما يجب إيجاد الحقائق لتطابق الأيدولوجيات الموجودة.
لقد عمد متشدد في أورلاندو لقتل الأبرياء في نادٍ ليلي، بينما حرص على الاتصال لخدمة الطوارئ، ليؤكد للعالم أن فورته الغادرة، كانت لخدمة تنظيم «داعش»، حتى إنه في خضم هجومه، دعا محطة التلفاز المحلية الإخبارية للتفاخر بالعملية التي نفذها.
لكن هل من المؤكد أن ليس للسلاح أي علاقة بالثلاثة آلاف شخص الذين قتلوا في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبتفجير ماراثون بوسطن، أو بالأعمال الإرهابية الأخيرة في أوكلاهوما، وفي جامعة كاليفورنيا، التي قام بها مهاجمون بالأسلحة البيضاء.
ولا يمكن أن يسهم فرض المزيد من القيود المشددة على أسلحة الشبه أوتوماتيكية في وقف إطلاق النار في أوروبا، مقارنة بوقف إطلاق النار داخل مدينة شيكاغو. وبغض النظر عن ذلك، من المفترض أن يتم نسب إطلاق النار في أورلاندو لتوافر السلاح بدلا من الإرهاب.
بالنسبة إلى ما يتعلق بالقول والفعل، فإن إيران وتركيا وكوبا مجتمعات مضطربة، كثيرا ما أعربت عن عدائها للأمركة. إلا أن أوباما الذي سبق له تحذير كل من الدول الثلاث السابقة، فإن تلك الأنظمة تلائم كل أفكاره الاستنتاجية في أن تصرفات أمريكا في الماضي، أكسبها كراهية مفهومة من البلدان ذات المظالم المشروعة.
ويوافق تحليل متعلق بحزبين، أن سحب كل الجيوش من العراق في شهر ديسمبر من عام 2011، أطاح بالانتصار الذي أحرزته إعادة نشر القوات الأمريكية عام 2007، وعمل على تآكل الأسس الديمقراطية الوليدة للعراق، فضلا عن المساعدة على ولادة تنظيم «داعش».
ولكن بالنسبة إلى شخص أيديولوجي، كباراك أوباما، فإن الانسحاب يعكس حقيقة كونية، تتمثل في أنه يتعين على أمريكا الخروج، ومغادرة الشرق الأوسط، وتركه لأصحابه الشرعيين، وحتى لو تم إجبار الرئيس الأمريكي على إرسال جيوش مكونة من نحو خمسة آلاف جندي للعراق.
يعتبر السياسيون، بشكل عام، أشخاصا انتهازيين، وبجدارة، ولكن معظمهم، على الأقل، يتسمون بالليونة والتناغم مع الرأي العام.
البيان الإماراتية