مقدماتها تبشر بها، أسبابها موجودة، سقطت الأقنعة تباعا، فانكشف قبح الوجوه وتأكدت حقارة العمالة، الغضب كلهيب مشتعل يكسوه الرماد.. فمتى هي؟
العامة يتداولون فكرتها بصمت العيون، لعلها قيود الخوف المكنون.. المخلصون السباقون يتحدثون عنها بصوت خفيض، ويتساءلون في همس رتيب.. متى تأتي؟ متى الثورة؟
قلت: الثورة ليس لها ميعاد أو جدول أعمال.. الثورة قد تشعلها فكرة من ذلك الرجل البسيط الذي لا يملك العلم، ولكنه يملك وعي المعاناة وتراكم صبر السنون على وجهه المعقود.
هي فكرة يسردها (الرجل البسيط) وهو يجلس يروض الوقت مع شاب حالم لا يملك قوت يومه، ولكنه يملك قلبا نقيا يناجي به ربه حين تحاصره الأزمات الطاحنة، فيترجمها إلى كلمات مخلصة من هاتفه المحمول ذي الشاشة المكسورة، فيتناقلها الملايين.
قلت: جموع الثورة تأتي من ذلك المجهول الأصيل الذي ما زال البعض منه ينبض إخلاصا في جنبات هذا الوطن، حشودها ليست وجوها منظورة أو أسماء مرموقة أنهم ملح الأرض الخفي.
حشودها تأتي كالطوفان في الوقت الموعود من تلك الأماكن الخلفية المنسية، التي لا تصل لها أضواء الشهرة المصنوعة ولا المساحيق الملونة.
قلت: الثورة أراها بالبصيرة.. نعم رذاذ عطرها يكاد يلامس الأنوف وطيفها يداعبنا، وهو يعلم حنيننا لها وشوقنا لصوت ضجيج الأمل الذي يملأ الأسماع ويسكن في الصدور.
برغم كل هذا لا يملك أحد الإجابة عن تحديد الوقت الموعود، فلنتذكر كيف جاءت في جمعة الغضب جموع الثورة كالموجات الهادرة من المجهول.. فهي تأتينا منه وتعود إليه.
سأترقب في صمت الواثق وصبر الموقن.. تلك الثورة التي تأتينا دائما من ذلك المجهول.