قضايا وآراء

رابعة.. محاولة للفهم (2)

1300x600
في الذكرى الثالثة لمذبحة رابعة وما تلاها وفجأة وبدون مقدمات طفا على سطح الأحداث والذكرى مشهد ثلاثة نفر ممن يسميهم البعض برجال الدين أو علماء السلف كما يحلو للبعض الآخر أن يلقبهم.

ثلاثة أحدهم وأبرزهم نجم إعلامي اشتهر بدعائه وبكائه وكثرة أسفاره حاجا ومعتمرا مع صحبة من نجوم المجتمع ليشرح لهم وليبين لهم شؤون دينهم كما تقول التغطيات الإعلامية لتلك الرحلات التي تفوق كلفتها الملايين من الجنيهات. 

بعد غياب طال لسنوات ورغم ما تمر به مصر من انهيار على كافة المستويات، إذا بالثلاثة الذين لم يطلقوا تصريحا وحيدا عن التطبيع السيساوي مع الصهاينة ولو من باب ذر الرماد في عيون العباد، ولم يخرجوا على الناس بفتوى عن بيع أوقاف المسلمين على يد الجنرال، ولم ينصحوا وزير الأوقاف سرا أو جهرا بخطورة تأميم الخطاب الديني في المساجد لصالح خطباء أمن الدولة.
 
رغم أن الوضع الديني والإنساني والسياسي يستدعي خروج هؤلاء ليقولوا للحاكم الظالم والمستبد قبل أن يكون منقلبا على رئيسه كفى، إلا أننا فوجئنا بهم ينبشون مقابر الشهداء الذين ماتوا ظلما وقهرا وحرقا ورميا بالرصاص أو تحت عجلات جرافات الجيش المصري في رابعة ليعلنوا أنهم ماتوا فطيس وأنهم ماتوا نتيجة غبائهم وثقتهم فيمن دعاهم للاعتصام في رابعة وليس للجنرال في قتلهم يد وليس عليه في دمهم ذنب. 

بعد ثلاث سنوات خرج الثلاثة نفر من مرقدهم لا ليعلنوا تمسكهم بالدين والملة التي تدين القتل والسحل والنفي والإعدام بغير محاكمة، بل خرجوا ليعلنوا أنهم مع الجنرال فيما ذهب إليه من رأي وما انغمست يمينه فيه من دم، وأنه وإن كان له من الأمر شيء فهو الدية المسلمة إلى أهالي الشهداء ولا يلزم الجنرال أن يدفعها من جيبه بل يمكن أن يقوم الثلاثة نفر بالبحث عن ممولين من دول الخليج الصديقة والشقيقة.
 
خرجوا بعد رقاد فقدوا فيه ضمائرهم ومشاعرهم وجزءا من دينهم ليعلنوا أن القتيل أخطأ وأن القاتل أحسن، وأن الشهود كاذبون، وأن ما رآه العالم من قتل في وضح النهار إنما كان فيلما هنديا تم تصوير في استديوهات الإخوان العميلة وقام بإنتاجه منتج قطري وقام بتسويقه عبر العالم العم سام والأخ الكبير الطيب أردوغان.
 
لم أحزن من صمت هؤلاء عند وقوع المذبحة قبل سنوات وإن حمل قلبي عليهم لصمتهم لأن الصمت في هذه اللحظات خصوصا ممن يدعون العلم والفقه جريمة وخيانة بلغة السياسة، ولكنني اليوم وأنا أرى من يطلقون لحاهم حتى تصل إلى منتصف سراويلهم وهم يخونون دماء الشهداء ويكذبون الأحياء، ويزعمون أن روايتهم رغم تكذيبها ممن حضروا الوقائع كلها هي الصحيحة دون غيرها، اليوم أشعر بالقهر والقرف على ما وصل إليه هؤلاء من مستوى.

أعرف أن العالم يخطئ وأفهم أن اجتهاده يصب لصالح الأمة وإن أخطأ لأن غيره يتعلم من خطئه ولكن ما لا أعلمه ولا أفهمه هو أن تدعي أنك عالم ثم تدعي العصمة وتكذب شهودا لا يزالون على قيد الحياة، يا لها من وقاحة. 

بدا لي في الذكرى الثالثة ومن خلال قراءتي وتحليلي لهذه الواقعة أن الجنرال ليس وحده الذي بدت سوءته، بل إن بعض المعممين والملتحين المستترين خلف جلابيب بيضاء وأغطية رأس أكثر بياضا يسترون بها قلوبا قاسية وعقولا متحجرة ونفوسا لا تقدر على الجهر بالحق والدفاع عنه باتوا أكثر عريا وانكشافا من جنرالهم الذي علمهم الإفك.

في الذكرى الثالثة ومن هذه الواقعة بدا لي أن الجنرال "مزنوق" ولا يزال يبحث عمن ينقذ عنقه من القصاص القادم لا محالة فجاء بهؤلاء واستدعاهم كما فعل فرعون حين استدعى سحرته لكي يسيطروا على قلوب العوام ببعض الكلمات أو الحركات أو بسكب بعض العبرات والقسم بأغلظ الأيمان أنهم ما فرطوا في "مرسي" وما ألقوه في غيابات الجب بفتاويهم ولكنهم اجتهدوا في الدين فأحالوا بفتواهم الشهداء إلى مجرمين. 

في الذكرى الثالثة لرابعة استيقظت بعض الضمائر وهي مشكورة ومأجورة إن أخلصت لله وقامت بواجب الشهادة على الوجه الأمثل وهنا أدعو محمد البرادعي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس جمهورية الانقلاب تحديدا ليقف أمام أي محكمة أوربية يختارها بنفسه ليقدم شهادته للعالم بأنه شاهد خطة القتل والإبادة وكان يعرفها من مصدرها ويعرف من وراءها مستبرئا لذمته ولدينه ولتاريخه قبل فوات الأوان. 

لو فعلها فربما يذكره التاريخ كرجل قرر أن يلقى الله وقد غسل يديه من جرائم القتل التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا.