نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا للكاتب عمرو خليفة، يقول فيه إن الإعلام الدولي نشر الأسبوع الماضي تقارير تفيد بأن الجيش
المصري قتل، مجددا، زعيم تنظيم ولاية
سيناء "التابع لتنظيم الدولة"، مشيرا إلى أن إحدى الصحف في القاهرة علقت بشيء من السخرية قائلة إنه يبدو أن زعيم التنظيم قتل مرات عديدة.
ويقول الكاتب إنه "مع الكوميديا التراجيدية في شمال سيناء، أصبح هذا يتكرر؛ مباراة بين الواقع والواقع الجديد، الذي تحاول الدولة العميقة نقله للقاهرة والعواصم العربية والحلفاء الغربيين، هذه الثنائية ضرورية لاستمرار ما يسوقه الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي للشعب وللخارج، وهي صورة أنه يقوم بدور حامي الحمى".
ويضيف خليفة أن "الإشكالية أن التسويق تضمن الخيال العلمي، ومحاولات ممنهجة لأي تغطية جادة ومهنية لما يحصل فعلا على الأرض، فبعد عام من الضربة القوية للسياحة المصرية، عندما أسقطت الطائرة الروسية، وعلى متنها 224 شخصا، بفعل قنبلة إرهابية، كما أعلن تنظيم الدولة، فإن الادعاءات المصرية حول (السيطرة) على شمال سيناء تبدو جوفاء".
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه بالرغم من أفضل الجهود التي تبذلها الحكومة للهيمنة على المعلومات، حول ما يحصل في شمال سيناء، وبالذات في بؤر التطرف في منطقتي الشيخ زويد والعريش، فإنه تبقى هناك مصادر محلية وأجنبية للمعلومات، و"هي ذات أهمية كبيرة إن كنت تريد فهم الجرح الشمالي الذي أصبحت فيه سيناء".
الضحايا المنسيون
ويقول الموقع: "تخيل للحظة أنك جد فخور بحمل حفيدك الوليد البالغ من العمر تسعة أشهر، وبينما تبتسمان لبعضكما، ينهمر الرصاص كالمطر فيخترق جسديكما، لا تشعر بالألم عندما يخترق الرصاص صدرك، وتنهار أعصابك مباشرة عندما تدرك أن إحدى تلك الرصاصات هشمت جمجمة الرضيع".
ويشير الكاتب إلى أن "هذا ما حصل بالضبط للرضيع محمد رشاد هذا الأسبوع، وبحسب التقارير الإعلامية كان إطلاق الرصاص من أفراد الجيش المصري، ولم يكن الإطلاق العشوائي للنار من نقاط تفتيش الجيش حادثا يحصل مرة واحدة، فبينما أكتب هذا التقرير أطلقت النار من نقطة تفتيش بالقرب من الشيخ زويد، وجرح الطفل البالغ من العمر عشر سنوات ياسر إبراهيم الرميلي".
ويلفت التقرير إلى أن موقع "سيناء24" ومواقع إخبارية محلية تقدم هذه الرواية البديلة التي تختزل المعاناة اليومية للسكان المدنيين، مشيرا إلى أن هذين الحادثين يتضمنان الكثير حول قوات الأمن التي تمتهن إنسانية السكان المحليين.
رواية كاذبة
وينوه الموقع إلى أن أساس القضية هو أن هناك تمردا في شمال سيناء، وطبيعة التمرد عبر التاريخ هو أنه ينطوي على احتجاج يميل نحو رفع ظلم واقع، لافتا إلى أنه في الوقت الذي تجد فيه مقاتلين منظمين استطاعوا إقناع السكان المحليين بأنهم يحاربون لحمايتهم، فإن الجيش النظامي يكون قد خسر المعركة قبل أن يبدأ.
ويقول خليفة إن "الجيش يستمر في دعم قضية المتطرفين، وبطرق عديدة، فإن قتلتني وقتلت أطفالي، ودمرت بيتي، وحولتني إلى نازح، وأبديت عدم الثقة بي، فقد جعلت مني بدل الحليف عدوا".
ويضيف الكاتب أن "الحكومة المصرية ثملة بروايتها الكاذبة، وتصم آذانها عن دروس التاريخ القاسية في حرب العصابات، وعن تحذيرات المحللين من خسارة السكان المحليين، فعندما تكون سيناء هي الهدف تجد القاهرة عصاها بسهولة، لكن لسبب أو لآخر لا تجد الجزرة أبدا".
ويتابع خليفة قائلا إنه "في بيئة مثل سيناء، حيث تأتي القبيلة أولا، فإنك عندما تقوم بسفك الدم لا تكون خسرت عائلتك المقربة فقط، بل إنك تكون قد حصلت على عدو لدود هو قبيلة الضحية، وتتضاعف خسائر النظام هنا؛ لأن الجيش والأمن والمخابرات مستمرون على الوتيرة المتغطرسة ذاتها، بدلا من الحوار والتعاون".
التنين والحية
ويبين التقرير أن السيسي تحدث غاضبا بعد هجوم كبير في أواخر عام 2014، تسبب بمقتل 30 شخصا، عن "معركة وجودية .. وهناك ثمن سيتم دفعه"، مستدركا بأن "الثمن دفعه المدنيون المحاصرون، ليس بين حية ونمس، بل بين تنين يحرق الأرض وحية تختبئ بين الشعب، وتقتل من يتجرأ بإبلاغ الأمن".
ويجد الموقع أنه "بعد حوالي ثلاث سنوات من الحرب مع هذا التمرد، فإنه لا بد أن تكون الحكومة قد حققت تقدما.. أليس كذلك؟ نعم هذه هي رواية الحكومة التي يضخمها الإعلام المصري، الذي في معظمه تسيطر عليه الحكومة، لكن الإحصاءات والفيديو يظهران صورة أخرى".
ويذكر الكاتب أن تنظيم "ولاية سيناء" نشر قبل أيام شريطا، حطم فيه الأسطورة التي تقول إن تنظيم الدولة في تراجع في سيناء، حيث أظهر الشريط المنتج بمهارة مقاتلي تنظيم الدولة تنقلهم سيارات نصف شاحنات في شمال سيناء، ويتجولون بكل سهولة.
ويقول خليفة إن "المؤلم أن الفيديو كسابقيه، يظهر مقاتلي التنظيم الملثمين، ومعهم وفرة من الأسلحة، التي يتعاملون معها بكل ارتياح وسهولة، وعلى عكس رواية الجيش المصري يظهر الشريط الأمن المصري يهرب، فبعد 10 دقائق من الفيديو، الذي يبلغ طوله 35 دقيقة، نرى عسكريين يركضون بينما يحملون جثمانا من سيارة مصفحة إلى أخرى، عندما تمت مهاجمتهم من مدفع رشاش وبالقذائف".
وبحسب التقرير، فإنه في منتصف الشريط تقريبا يتحول الفيديو إلى فيلم رعب، فبعد مواجهة مع الجيش، يتمكن المتطرفون من الاستيلاء على دبابة، ويهربون بكل ما تحمله من أسلحة.
ويورد الموقع ما كتبه أحد مراقبي سيناء على مواقع التواصل، بعد نشر الفيديو، قائلا: "أردت أن أبكي عندما رأيت
الإرهابيين يعتلون الدبابة المصرية".
ويعلق الكاتب قائلا: "فإن وضعنا هذه الصورة مع صورة الجنود المصريين يعدمون ويقنصون، يبدأ الشخص بإدراك الضرر الحقيقي الذي تسبب به إصرار الجيش على أن سيناء (تحت السيطرة)، فلأكثر من 30 شهرا ادعى الجيش والشرطة تحقيق انتصارات، حيث تم قتل حوالي 40 إرهابيا، واعتقل ضعف هذا العدد، وكيف يمكن لأحد أن يصدق هذه الأرقام؟ فلو قام أي شخص، مهما كان مستوى تعليمه، بالعد لقام بعد آلاف المتطرفين على مدى تلك الفترة".
ويفيد التقرير بأن معظم التقديرات تقدر عدد المتطرفين الذين قتلوا من "ولاية سيناء" أقل بقليل من ألفين، و"لا شك أن الفرق يبدد أي مصداقية لقوات الأمن المصرية".
شعب لا يستطيع التعامل مع الحقيقة
ويرى الموقع أن "إحدى عادات السيسي السيئة، التي بقيت معه، هي عدم احترامه لشعب يعده غير قادر على التعامل مع الحقيقة، وبهذا الفعل، فإن القاهرة تتسبب في استياء أكبر عندما يصحو الشعب المصري على واقع أن الدولة لا تستطيع توفير الأمن، ولا البراغماتية السياسية، ولا الاستقرار الاقتصادي".
ويقول خليفة: "سيقول البعض وماذا الآن؟ أين نذهب من هنا؟ لكن المشكلة أن التحليل الاستنتاجي والمنطقي ليسا صديقين لمن يعيش واقعا بديلا، ولا يمكن أن تبدأ بفهم عوامل المشكلة إن كنت تصر على الادعاء شهريا بأن المشكلة تم حلها".
ويضيف الكاتب: "هذا ما هو مؤكد، ما دام الغرب مستعدا لأن يصدق ما يسوقه له السيسي، بالرغم من الأدلة الكثيرة المناقضة، بأنه قادر على حماية حدود إسرائيل، فلن يتغير شيء في مأساة سيناء المنسية".
ويبين التقرير أنه "على الصعيد المحلي، تبقى مصر أوتقراطية مع برلمان مطيع، لا يجسد المساءلة التي ينص عليها الدستور، ولذلك فإن البرلمان عمليا غير موجود، وأي حديث عن إجراءات لبناء الثقة بين سكان سيناء وقوات الأمن أمر عديم الجدوى، ما دام الطرفان يعملان داخل دوائر مغلقة من عدم الثقة".
ويجد الموقع أنه "ليست هناك محفزات للحكومة لحل المشكلة؛ لأنه بالرغم من استمرار نزيف الخسائر بشكل يومي بسبب التمرد، فإن الحكومة تقدر أن هذه الخسائر مقبولة؛ لأن الجنود الذين يقتلون هم من ذوي الرتب المتدنية".
ويستدرك خليفة بأنه حتى مع الارتفاع في الهجمات، فإن استراتيجية الحكومة لم تتغير، فبحسب تقرير صادر عن معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، فإن الهجمات ارتفعت بنسبة 100% منذ الربع الأخير لعام 2015 إلى الربع الثاني من عام 2016.
ويذهب التقرير إلى أنه "لا يمكن توقع أين يمكن أن تحصل الانفجارات، وإن استمر تشجيع عدم الاستقرار، خاصة في شمال سيناء، فإن الجرح الشمالي سيتحول إلى جرح وطني".
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالقول إنه "مات خلال الساعة الماضية شخصان في زخة من رصاص الجيش، فالحياة رخيصة في هذه البلد، ولا تجد النصيحة آذانا صاغية".