تمكن
الثوار السوريون، السبت، من كسر طوق الحصار عن مدينة
حلب، والوصول إلى المناطق المحررة بعد شهر من حصار النظام السوري لها، إثر معارك وصفت بالطاحنة، والأشد شراسة وتنظيما منذ بدء
الثورة السورية عام 2011.
وسيطر الثوار بقيادة "
جيش الفتح" على مساحة تقدر بـ50 كيلومترا، بحسب ناشطين. ولا تكمن أهمية هذه الأراضي في مساحتها، وإنما لكونها "مناطق وقلاعا عسكرية محصنة؛ أذاقت المدنيين الويلات، وتشكل خط الدفاع الأول عن حلب المحتلة، والعقبة في طريق فك الحصار"، كما يقول الناشط الإعلامي أبو وليد الحلبي.
وبعد معارك أخذت أحيانا طابع الكر والفر، وفق ناشطين، فقد أحكم الثوار قبضتهم على مشروع 1070، وتلة مؤتة، وتلة أحد، والمحروقات، والجمعيات، وقرية المشرفة، وغيرها، غير أن التقدم الأبرز كان في الكليات الحربية (التسليح، والمدفعية، والفنية الجوية) وحي الراموسة المقابل لحي تل الزرازير الذي يسيطر عليه الثوار.
وقال الناشط الإعلامي أبو علي الحلبي لـ"
عربي21" إن "السيطرة على مساحات من الراموسة؛ مكنت ثوار الداخل من الالتقاء بثوار الخارج، بعد أن شاركهم ثوار الداخل في شن هجوم مماثل على حي الراموسة".
فوارق عقدية
وأرجع مراقبون ومحللون عسكريون أسباب تمكن الثوار من كسر الحصار؛ إلى "الفوارق العقدية بين الطرفين المتصارعين"، وقال أبو وليد الحلبي إن "أهم ما ميّز الثوار؛ هو المفخخات والانغماسيون والاقتحاميون المدربون تدريبا عاليا، مع استعدادهم للتضحية، خلافا للطرف الآخر المؤلف من المجبَرين على القتال، الذين التقطوا من الشوارع، والمرتزقة على اختلاف أصنافهم".
وبرز واضحا -وفق مقاتلين في الميدان- تخبط
قوات النظام، وأوضح المقاتل أبو اليمان أحمد من أورم الكبرى، أن الثوار أيقنوا بالنصر منذ اللحظات الأولى، مضيفا لـ"
عربي21": "لقد سمعنا صيحاتهم واستغاثاتهم على القبضات منذ البداية، حتى إن سلاح الطيران كان مرتبكا أيضا، ولم يعد يعرف أين يقصف؛ نتيجة التقدم السريع للإخوة المجاهدين".
ارتباك ملحوظ
ولاحظ الحلبيون ارتباك النظام جليا، ويقول الناشط الإعلامي أبو أحمد من حلب النظام: "سحب النظام معظم شبيحته إلى جبهات القتال لتغطية الجبهات الواسعة، وبدا لافتا تقلص عدد الشبيحة على الحواجز، وفي الشوارع".
وانسحب الارتباك على وسائل الإعلام التي لم تجد مبررا تقنع به أنصارها بهذا "الانهيار السريع"، فلجأت إلى "الإنكار والتضليل، وتقديم الهزيمة على جرعات" بحسب أبي علي الحلبي، الذي أضاف: "بينما أحكم المجاهدون السيطرة على أجزاء واسعة من الراموسة، ووثقوا ذلك بفيديوهات من قلب الحدث؛ أنكرت وسائل الإعلام الرسمية والموالية لها الأنباء جملة وتفصيلا، وصورت طرف الكلية الفنية الجوية بالقرب من دوار الراموسة بكاميرا زوم عال؛ لتقنع المشاهد بتضليلها".
ويعلل ناشطون هذا "التضليل" بخشية النظام من انهيار تام للقوى المؤيدة له في حلب، وفي مقدمتهم الشبيحة، وصرّح النقيب أبو عبدالله من الجيش الحر، لـ"
عربي21"؛ بأنه "ليس بإمكان النظام سوى الكذب؛ لأن الاعتراف بالهزيمة المدوية سيمنع بقية شبيحته من اللحاق بالجبهات، إذ إنه ليس عندهم استعداد للتضحية".
حلب النظام
ويراقب الحلبيون في مناطق النظام سير المعارك بقلق وخوف شديدين، وعبّر عن ذلك المدرّس أبو ياسر بقوله لـ"
عربي21": "نخشى أن لا يسمح لنا النظام بالخروج؛ كي يستخدمنا دروعا بشرية، ونخشى تكرار سيناريو دير الزور".
وانعكست التطورات سريعا على الوضع المعاشي للمواطنين؛ نتيجة إغلاق طريق الراموسة، وحول ذلك قال الناشط أبو أحمد لـ"
عربي21": "انعدمت الخضار في الأسواق، وشهدت الأفران ومحطات المحروقات ازدحاما شديدا منذ الساعات الأولى".
وأضاف: "لم تشهد بقية السلع بعد أي ارتفاع ملحوظ في الأسعار، فهي تتوفر حاليا بكثرة، وبالسعر القديم، ويتوقع أن لا يستمر ذلك طويلا إذا حافظ الثوار على تقدمهم".
خطوط الاشتباك
وتعاني الأحياء القريبة من خطوط الاشتباك؛ وضعا أمنيا صعبا، فقد شهدت أحياء الحمدانية، و3000 شقة، وصلاح الدين؛ نزوحا، وتعرضت كثير من المنازل -باعتراف إعلام النظام- لعمليات سلب ونهب، بحسب ناشطين.
ويمنّي النظام أنصاره باستعادة جميع النقاط التي خسرها، مسخرا الإعلام لرفع معنويات جنوده وشبيحته. وقال الناشط أبو الوليد: "أعلن إعلامي النظام بحلب شادي حلوة، عبر صفحته البديلة على فيسبوك، عن وصول العقيد سهيل الحسن المعروف بـ(النمر)، لرفع معنويات مقاتليه، وتحدث عن انتصارات موهومة، وهروب مزعوم لعناصر جيش الفتح".
وتوقع عسكريون مواصلة "جيش الفتح" تقدمه إذا حافظ على هذا الزخم الهجومي. وقال النقيب أبو عبدالله: "هذا ما يفعله جيش الفتح الذي يتوسع شرقا، ويستعد لدخول المدن عبر إعلان بعض الأحياء مناطق عسكرية".