حمل وزير الخارجية الأمريكي جون
كيري إلى موسكو الخميس مقترحات لتعزيز التعاون العسكري في مجال المعلومات ضد تنظيم الدولة والقاعدة في
سوريا، رغم الشكوك التي تساور المسؤولين الأمريكيين.
ووصف مسؤولون أمريكيون الزيارة بأنها اختبار لرغبة موسكو في استخدام نفوذها لدى الحكومة السورية؛ للمساعدة في إحياء عملية السلام في سوريا، وأن الوقت المتاح لذلك آخذ في النفاد.
والتقى كيري الرئيس فلاديمير
بوتين في الكرملين مساء الخميس، وقال كلاهما قبل الاجتماع إنهما يأملان في تحقيق تقدم بشأن سوريا. ومن المقرر أن يلتقي كيري نظيره الروسي سيرجي لافروف الجمعة.
وقال بوتين إن محادثته الأخيرة مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما أقنعته بأن الجانبين مخلصان في جهودهما لإيجاد حل في سوريا.
ووفقا لأحد الصحفيين المختارين للتغطية، قال بوتين لكيري مع بدء المحادثات: "أتمنى بعد محادثات اليوم أن تكون قادرا على تقديم المشورة له بشأن ما تحقق من تقدم، والسبل المتاحة التي يمكن أن نسلكها للمضي قدما".
وقال كيري إن أوباما يرى أن المحادثة الهاتفية الأخيرة مع بوتين كانت "بناءة".
وقال كيري: "نأمل أن نتمكن من تحقيق بعض التقدم الحقيقي القابل للقياس والتطبيق، والذي يمكن أن يشكل فارقا في مسار الأحداث في سوريا".
وسوف يمثل مدى التنسيق الذي تحدده وثيقة مسربة نشرتها صحيفة واشنطن بوست في وقت سابق الخميس نقلة نوعية، بعد سنوات من الخلاف بين واشنطن وموسكو، اللتين تساندان جهات متعارضة في الصراع السوري المستمر منذ أكثر من خمس سنوات.
وتدعو الوثيقة المنشورة في واشنطن بوست إلى تبادل معلومات المخابرات؛ لتحديد أهداف القيادة، ومعسكرات التدريب، وخطوط الإمداد، ومقرات جبهة
النصرة، جناح تنظيم القاعدة في سوريا. ووفقا للوثيقة، ربما تنفذ طائرات أمريكية أو روسية ضربات جوية على تلك الأهداف.
وأضافت الوثيقة أن التنسيق الموسع بين الولايات المتحدة وروسيا يمكن أن يتم من خلال مجموعة عمل مشتركة يكون مقرها في محيط العاصمة الأردنية عمان.
وستقيم كل من الولايات المتحدة وروسيا مقرا منفصلا للعمليات ومكتبا للتنسيق، ترسل كل منهما إليه مسؤولين كبارا ورجال مخابرات وخبراء في تخطيط الضربات والاستهداف.
وأضافت الوثيقة أن الجانبين سيتخذان القرار بشأن موعد بدء الضربات الجوية المتزامنة ضد أهداف جبهة النصرة، ووقف كل الأنشطة العسكرية الجوية السورية في مناطق محددة يتم الاتفاق عليها ما عدا الأغراض غير القتالية.
ويسمح الاقتراح بأنشطة عسكرية جوية سورية ضد النصرة خارج المناطق المحددة إذا ما سيطرت النصرة على مناطق هناك.
كما يسمح أيضا لروسيا باستخدام القوة الجوية؛ دفاعا عن قوات الحكومة السورية من هجمات النصرة من منطقة محددة، إذا تم الاتفاق سلفا على ذلك مع الولايات المتحدة.
ورفض كيري التعليق عندما سئل عن ذلك التقرير في باريس قبل مغادرته متجها إلى موسكو.
وردا على سؤال عن تقرير الصحيفة، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إنه لن يعلق قبل سماع المسؤولين الروس للمقترحات من كيري نفسه. وأضاف المتحدث أن
روسيا تفضل بشكل عام التعاون مع الولايات المتحدة بشأن سوريا. ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن المتحدثة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا قولها إن موسكو ليست راضية عن وتيرة التعاون في هذا الشأن.
وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية لرويترز إن كيري سيناقش كيفية التعامل مع تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة في سوريا، وجهود الحد من العنف، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، وسبل التحرك نحو الانتقال السياسي.
وقال المسؤول: "في الوقت الراهن، لا ننفذ أو ننسق لعمليات عسكرية مع روسيا. وليس واضحا ما إذا كنا سنصل لاتفاق بهذا الشأن".
وقال مسؤول أمريكي آخر إن هناك مشكلتين كبيرتين أدتا إلى انهيار اتفاق وقف الأعمال القتالية في سوريا، وهما عدم احترام الحكومة السورية للاتفاق وأنشطة جبهة النصرة.
وأضاف أن الوقت ينفد أمام إحياء الجهود التي تقود لحل سياسي.
وقال المسؤول: "نحن هنا لنختبر ما إذا كان ذلك سيفلح لبذل محاولة مع الروس، ومعرفة ما إذا كان بمقدورنا حل المشكلتين الكبيرتين أمام وقف الأعمال القتالية وإعادة الأمر إلى مساره".
وقال مسؤول أمريكي ثالث إن التوقعات "محدودة للغاية".
لكنه أضاف: "إما أن نجد سبيلا لفعل شيء تجاه ذلك أو لا. وإذا لم نتمكن، فإن كل الأمور ستنهار. سيكون ذلك نهاية لوقف الأعمال القتالية، ولن يكون هذا جيدا لروسيا ولا للولايات المتحدة ولا العالم، والأهم ولا للشعب السوري".
ويواجه كيري معارضة قوية لجهود التقارب مع روسيا من جانب مسؤولي الدفاع والمخابرات، الذين يعتبرون أن أهداف البلدين متعارضة تماما في هذا البلد. وتساند موسكو الأسد، بينما تقول واشنطن وحلفاؤها إن عليه التنحي.
كما تأتي زيارة كيري -وهي الثانية للعاصمة الروسية هذا العام- في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية الروسية توترا، مع تبادل الجانبين طرد دبلوماسيين، وقيام قوات روسية بمناورات عدائية تجاه طائرات وسفن أمريكية، وتجاهل وقف العمليات القتالية في سوريا؛ حيث قصفت روسيا جماعات مسلحة تدعمها الولايات المتحدة هناك.
وما زالت العلاقات بين موسكو وواشنطن متوترة أيضا؛ بسبب الأزمة الأوكرانية، وبسبب ما يعدّه الكرملين أنشطة غير مبررة لحلف شمال الأطلسي بالقرب من حدود روسيا، ما أثار المخاوف من تحول الخلافات إلى مواجهات، إما بشكل عارض في سوريا، أو نتيجة خطأ في التقدير خلال المجابهات الجوية والبحرية من البلطيق إلى البحر الأسود.
وعبر قائد قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ويحارب تنظيم الدولة اللفتنانت جنرال شون ماكفرلاند عن مخاوف الجيش الأمريكي من نوايا روسيا في سوريا.
وقال للصحفيين في بغداد: "سأكون حذرا قليلا حيال إعطاء الكثير من المعلومات للروس، لكنني أثق تماما بأن مسؤولينا الحكوميين يدركون هذا الأمر، ويعرفون أنهم سيتوصلون إلى أمر ما منطقي".