لم يكن أشد المتشائمين في مصر أو خارجها يتصور أن شباب "مصر" ونخبة مثقفيها هم من غُرّر بهم ليكونوا المعول الذي هدم أول تجربة ديمقراطية حقيقية. ولم يكن يتصور الشباب أنفسهم أن ما أخرجهم يوم 30/ 6 لم يكن إلا أمرا مدبرا بليل قامت به قوى الثورة المضادة في الداخل والخارج، وأن خارطة الطريق المعلن عنها في 3/ 7 لم تكن مسارا مرسوما لتحقيق الديمقراطية أو تمكينا للشعب من ممارسة السلطة أو سكة للسلامة بقدر ما كانت سكة للخسران والندامة وخريطة لإعادة المؤسسة العسكرية والنظام السابق إلى الحكم ولكن من دون مبارك وولديه.
لم يكن المشاركون في 30/ 6 يعلمون أن كل شيء كان محسوبا بدقة من قبل المؤسسة العسكرية وأن جل الأخطاء التي وقعت في تلك الفترة كانت من تدبيرها، وأنهم -أي الشباب- حين عبروا عن إرادتهم كانوا يعبرون عن إرادة المؤسسة العسكرية التي كانت تخطط في الغرف المغلقة مع قلة قليلة من النخب والانتهازيين والأذرع الإعلامية لهذا اليوم لتضع الحصان أمام العربة، وأن التفويض والأمر الذي منحوه لوزير الدفاع السيسي كان لوأد التجربة الديمقراطية الوليدة لا لمنحها قبلة الحياة، وأنه كان لاغتيال ثورة يناير 2011 وأجيالها لا لاستمرارها.
فقد تم في سنوات ثلاث قتل 7000 مصري بمعدل قتل يومي بلغ نحو 7 أشخاص بينما بلغ عدد المعتقلين بالتبادل 180 ألف معتقل وبلغ عدد السجناء الدائمين 60 ألفا، هذا عدا حالات الاختفاء القسري وأحكام الإعدام بالجملة وهو ما لم يفعله نظام بينوشيه الذي استلهمت المؤسسة العسكرية تجربته في انقلابها، فخلال سبعة عشر عاما من حكم بينوشيه في تشيلي لم يُقتل سوى 3 آلاف ولم يُسجن سوى 40 ألفا. كما بنى الانقلابيون تسعة عشر سجنا جديدا ليصل عددها إلى اثنين وخمسين سجنا.
وتم قتل 245 طالبا وتصفية 175 معارضا (انظر مقالة الأستاذ جابر الحرمي "مصر السجن الكبير" الشرق 21/ 6/ 2016). كما تخلص انقلاب 3/ 7 من كل من شارك في ثورة 25 يناير وفي 30/ 6 على مراحل ليعود الحكم الفردي الشمولي مرة أخرى من خلال مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية ولاؤها للرئيس لا للشعب، ومن خلال آلة إعلامية جهنمية تمجد الرئيس ومن والاه آناء الليل وأطراف النهار وتلعن معارضيه وتتهمهم بالتآمر والخيانة وهو ما أدى إلى اختفاء دور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني واتهام كل من قال "لا" بالمروق والإفساد وضرب استقرار البلاد الذي باسمه وتحت عنوانه بررت كل أعمال القتل والاعتقال والاختفاء القسري.
بعد ثلاث سنوات من الانقلاب على الديمقراطية لم يتحقق شيء من الوعود التي قطعها سدنة الانقلاب ومنظروه سواء من داخل الدولة العميقة أو من خارجها، فلا الحرية انتصرت ولا الأمن تحقق ولا الاقتصاد نما وازدهر ولا البطالة قلت، وإنما كان التراجع في جميع المؤشرات ويبدو أن لعنة الدماء التي سالت ظلما والأرواح التي أزهقت ليبقى العلو والفساد مهيمنا طالت كل أعمال الانقلابيين من الألف إلى الياء، ومن قطرة الماء إلى كسرة الخبز، لأن الظلم مرتعه وخيم ولأن الله تعالى "لا يصلح عمل المفسدين".
(عن صحيفة الشرق القطرية)