تتطابق المعطيات والمعلومات الموثقة والمؤكدة على أن
تيار المستقبل يعيش
أزمة خانقة مالية وسياسية ، بل إن بعض المصادر ترى أنه "يقف على مفترق خطير"، في ظل ما يوصف بـ"الترهل" الحاصل في مفاصله، والشح المالي الذي لم يعد مجرد أزمة يتكتم عليها "المستقبليون" داخل جدران مؤسساتهم.
فقد كان يتم التعويل في تجاوز الأزمة؛ على حجم ثروة زعيم التيار سعد
الحريري، رغم ضعف السيولة، فضلا عن أن عائلته التي لن تترك إرث رفيق الحريري السياسي يضيع بفعل أزمة مالية كانت تبدو عابرة قبل أن تتضح فداحتها وخطورتها.
وتؤكد أوساط تيار المستقبل أن سعد الحريري يعمل حاليا على تأمين سيولة مالية من جهات متعددة، لا سيما من المملكة العربية
السعودية منعا، للانهيار في مؤسساته الإعلامية.
الأزمة التي بدأت منذ ما نحو تسعة أشهر في مؤسسات الحريري المختلفة، لا سيما الإعلامية، ظهرت جلية بتراجع المستوى المهني في تلفزيون المستقبل وإذاعة الشرق، وفي بالجهة المقابلة تسببت الأزمة بانعاكاسات مالية على عشرات الموظفين، خصوصا الذين تورطوا بقروض مصرفية لمنازل أو سيارات، وكثير اضطر إلى بيع ممتلكات أو الاقتراض مجددا لسد ديونه المتراكمة، ومنهم من عجز عن تدبر أمره ليقع فريسة ديونه.
وفي لقاء مع صحفي في تلفزيون المستقبل، طلب الإشارة إليه بالحرفين "م.ح"، خوفا من ردود فعل تجاهه، يقول لـ"عربي21" إن "الوضع بات مأساويا، والجميع يبحث عن فرص عمل أخرى خصوصا في الخارج، كما أن الالتزام بالقوانين الداخلية بات مخروقا مع حالة التململ والغضب التي تسود الموظفين".
وأضاف: "حديث الإدارة يرتكز على أن الأزمة تطال مختلف المؤسسات الإعلامية العاملة في
لبنان، كصحف السفير والنهار والشرق واللواء، وقنوات تلفزيونية كالجديد والمؤسسة اللبنانية للإرسال، وبالتالي على موظفي تلفزيون المسقبل وإذاعة الشرق، بحسب الإدارة، الصبر حتى تمر عاصفة الأزمة المالية وتعود الأمور الى مجراها الطبيعي".
وعن حالة الإضراب التي أعلنها الموظفون وتراجعوا عنها بعد ما تردد عن "تهديد" من رئيس مجلس إدارة المستقبل، رمزي جبيلي، قال الصحفي ذاته لـ"عربي21": "الأمر ليس دقيقا، لقد تلقينا وعودا بحلحلة الأزمة تدريجيا، والسيد جبيلي وعد بأن تنقل الصورة إلى زعيم التيار سعد الحريري، وبأن الأخير يقوم بجهود لتأمين جزء من رواتب الموظفين وبأن المؤشرات إيجابية".
وتابع متسائلا: "ماذا ينفع التهديد مع موظفين يائسين محبطين؟ نحن الذين باستطاعتنا تهديدهم بالتوقف عن العمل جماعيا، وهو حق محفوظ لنا بحسب قانون العمل"، على حد قوله.
وكان منتجو قسم الأخبار والموقع الالكتروني وقسم المعلوماتية والغرافيكس في قناة المستقبل؛ قد لوحوا بالتوقف عن العمل، قبل أن يعودوا عن قرارهم، في ظل حديث عن تهديدات تلقوها مفادها بأن "أي تصرف غير مسؤول سينعكس سلباً على الموظفين"، بحسب بعض المصادر.
وتشير نتائج الاجتماعات التي عُقدت في خلال الأيام الماضية في تلفزيون المستقبل؛ إلى عدم التوصل إلى أي نتيجة، فيما سمع الموظفون وعوداً بقرب انفراج الأزمة.
يشار إلى أن الحريري، وفور عودته إلى لبنان في 14 شباط/ فبراير الماضي بعد غياب لأربع سنوات، وعد الموظفين في المؤسسات الإعلامية التابعة لتيار المستقبل؛ بأن الأزمة التي تعاني منها تلك المؤسسات "ستمرّ".
وجاء وعد الحريري خلال زيارة لتلفزيون المستقبل في القنطاري ببيروت، حيث التقى الموظفين والعاملين في المحطة وفي جريدة المستقبل" وإذاعة الشرق والموقع الرسمي لتيار المستقبل.
وقد تلقى العاملون في التلفزيون والجريدة، منذ وصول الحريري، أجور شهرين من رواتبهم المتراكمة، أما موظفو الموقع الالكتروني فقد تلقوا رواتب عن ثلاثة أشهر.
من جهته، قال المخرج التلفزيوني "ع.ب" الذي استقال من تلفزيون المستقبل ويعمل حاليا في إحدى القنوات العربية منذ بداية الأزمة المالية، إن "مؤسسات الحريري الإعلامية لا تضم بأغلبها موظفين من أبناء الطائفة السنية، وذلك بتعليمات من سعد الحريري الذي يريد لتيار المستقبل أن يكون منفتحا على كل الطوائف"، مشيرا إلى أن "هذه الاستراتيجية أضرت بالكفاءات السنية التي لا تحظى في قنوات لبنانية أخرى بفرص مماثلة كالتي يحصل عليها الموظفون من الطوائف الأخرى"، بحسب تعبيره.
وكشف أن "هناك موظفين ينتمون الى بيئة حزب الله والتيار الوطني الحر في تلفزيون المستقبل، وهو أمر لطالما أثار حفيظة أبناء التيار".
وبحسب مصدر في تيار المستقبل، فإن سعد الحريري "يقود مساعي مع قيادة المملكة العربية السعودية، وقد وضعهم خلالها بصورة الأزمة وتأثيراتها، وهو يسعى إلى مدّه بدعم مالي، منعا من انهيار مؤسساته الإعلامية التي تفقده سمة التواصل مع جمهوره، وللحد من التراجع الحاصل اصلا في نفوذ تياره، والذي ترجم مؤخرا في الانتخابات البلدية الأخيرة"، بحسب قول المصدر لـ"عربي21".
واضاف: "السعودية لن تترك سعد الحريري، وهي حريصة على تدعيم دوره في المرحلة المقبلة"، كما قال.
واعتبر المصدر أن "بداية حلحة الأزمة ستظهر في الأسابيع المقبلة، مع احتمالية وصول التحويلات المالية إلى مؤسسات الحريري".
وأكد المصدر، نقلا عن الحريري، إصرار الأخير على تحييد "مؤسساته الإعلامية عن أي خضة، في ظل المسار التصحيحي الذي يقوده في التيار، والذي يهدف من خلاله إعادة الزخم والقوة والتلاحم له"، وفق ما نقله المصدر.