تسود في
مصر مخاوف من تكرار سيناريو أزمة مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، وما أسفر عنه من أزمة دبلوماسية عاصفة مع إيطاليا، وذلك مع دولة أوروبية أخرى هي أيرلندا التي بدأت تنحوا منحى إيطاليا في التلويح بالتصعيد الدبلوماسي مع مصر في حال استمرار
اعتقال أحد مواطنيها بمصر، منذ قرابة ثلاثة أعوام، دون أن يصدر بحقه أي حكم قضائي حتى الآن.
ويقترب مجلسي البرلمان الأيرلندي من تمرير مقترحات عقابية بحق مصر احتجاجا على اعتقال الشاب "
إبراهيم حلاوة"، بدأت باستدعاء السفيرة المصرية بأيرلندا سهى جندي، وإعلان تشكيل وفد برلماني أيرلندي لزيارة نظيره المصري، والترتيب لزيارة الطالب المحتجز، بعد أن قضت محكمة الجنايات المصرية، بتجديد حبسه للمرة الرابعة عشرة في الأسبوع الماضي، دون جريرة.
غضب أيرلندي يزداد
والأمر هكذا، قال التليفزيون الأيرلندي نقلا عن البرلمان، إن السفيرة المصرية ستمثل أمام لجنة الشؤون الخارجية التابعة للغرفة العليا للبرلمان.
وأكد البرلمان في قراره الذي أعدته مجموعة من الأحزاب أن وفدا برلمانيا سيزور مصر لمقابلة أعضاء من البرلمان المصري، ومحاولة زيارة الطالب المصري الأيرلندي في محبسه.
وجاء القرار بعد إعلان وزير الخارجية الأيرلندي تشارلي فلاناغان دعم حكومته لطلب ثان ينوي فريق الدفاع عن "حلاوة" التقدم به لتفعيل قرار رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي الخاص بترحيل الأجانب المسجونين بالسجون المصرية طبقا لقرار رئاسي.
ووصف فلاناغان تجديد حبس "حلاوة" بـ "المحبط"، مضيفا أن الحكومة الأيرلندية كانت وما زالت على تواصل مباشر بالسلطات المصرية، وبخاصة وزارة الخارجية المصرية والرئاسة بخصوصه، حيث جددت الحكومة الأيرلندية في منتصف حزيران/ يونيو الماضي طلبها لمصر بالإفراج الفوري عن "حلاوة"، وفق قوله.
مطالب للمعارضة الأيرلندية بقطع العلاقات مع مصر
ومن جهتها، طالبت البرلمانية الأيرلندية، بريد سميث، في نهاية الأسبوع الماضي بسحب السفير الأيرلندي في القاهرة احتجاجا على استمرار حبس "حلاوة"، حسبما أفادت صحيفة "آيريش تايمز".
وقالت عضوة تحالف "الناس قبل الأرباح" اليساري الأيرلندي إن الحكومة الأيرلندية عليها أن تسير على خطى إيطاليا بعدما قرر مجلس الشيوخ الإيطالي في الأسبوع الماضي وقف تصدير قطع غيار مقاتلات "إف 16" لمصر بسبب عدم تعاون سلطات التحقيق المصرية فيما يخص مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني بالقاهرة في شباط/ فبراير الماضي.
وكانت إيطاليا قد استدعت سفيرها في مصر "للتشاور" في نيسان/ أبريل الماضي، ولم تعده حتى الآن.
ووصفت سميث رد الفعل الإيطالي بـ "العاجل"، منتقدة ما رأته تخاذلا من الحكومة الأيرلندية في الدفاع عن الطالب الأيرلندي الذي قضى قرابة ثلاث سنوات في محبسه.
وقالت موجهة خطابها لفلاناغان: "إذا حدث أي شيء لإبراهيم، إذا لم يتم الإفراج عنه أو تعرض للتعذيب أو الإيذاء؛ فستكون هذه مسؤوليتك أيها الوزير ومسؤولية الحكومة لأن الإجراءات التي تم اتخاذها غير كافية".
وفي سياق متصل، كشفت صحيفة "rte" الأيرلندية أن هناك عددا آخر من الدعوات داخل البرلمان الأيرلندي من أجل قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر، على خلفية قضية الطالب الأيرلندي المعتقل في مصر منذ 2013 حتى الآن.
وقالت رئيسة حزب الخضر الأيرلندي، كاثرين مارتن، خلال مناقشة القضية داخل البرلمان، إنها تصر على الحديث عن إبراهيم حلاوة لكي تستمع القاهرة لصوت الحزب الأيرلندي.
وأضافت أنها التقت مع السفيرة المصرية في أيرلندا، إلا أنها لم تمنحها أي أمل بشأن حل قريب لقضية إبراهيم حلاوة.
ومن جهته، قال رئيس حزب "الناس قبل الربح" الأيرلندي، بويد باريت، إن أيرلندا يجب أن تتوقف على معاملة القاهرة برفق في قضية "إبراهيم حلاوة" التي لم تصل لأي حل منذ اعتقال حلاوة في 2013.
السيسي يتنصل من المسؤولية
وفي المقابل، تعامل رئيس الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، مع المطالب الأيرلندية ببرود، متنصلا من المسؤولية.
وقال إنه لا يستطيع التدخل في سير أي قضية منظورة أمام المحاكم المصرية، ردا على مطالبة رئيس وزراء أيرلندا بإطلاق سراح الشاب الأيرلندي.
وقال بيان للرئاسة المصرية إن السيسي تلقى اتصالا هاتفيا من رئيس وزراء أيرلندا، إيندا كيني، يتعلق بالمواطن الأيرلندي، المصري الأصل، إبراهيم حلاوة البالغ من العمر 20 عاما، المحبوس احتياطيا على ذمة قضية أحداث العنف بمحيط مسجد الفتح التي وقعت عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في 16 آب/ أغسطس عام 2013.
وزعم السيسي لكيني، وفق البيان، "توفير الضمانات والحقوق كافة للمواطن المحتجز، وفقا لما ينص عليه القانون المصري في هذا الشأن"، زاعما نزاهة القضاء المصري واستقلاله.
من هو "إبراهيم حلاوة"؟ وما تهمته؟
ألقي القبض على "إبراهيم حلاوة" في 16 آب/ أغسطس 2013، فيما يسمى بأحداث مسجد "الفتح"، ويواجه مع أكثر من 490 شخصا آخرين اتهامات ملفقة تشمل القتل العمد، والشروع فيه تنفيذا لأغراض تخريبية، والتجمهر والبلطجة وتخريب المنشآت العامة والخاصة، وكلها تقود إلى الحكم بالإعدام، وحبل المشنقة.
وألقت السلطات المصرية القبض على حلاوة - وكان آنذاك في سن 17 عاما - وثلاث من شقيقاته كن بصحبته، ثم أخلي سبيلهن فيما بعد في تلك الأحداث، التي لجأ فيها معتصمون سلميون بميدان رمسيس احتجاجا على الفض الدموي لاعتصام ميداني رابعة والنهضة إلى مسجد "الفتح"، حيث حاصرته قوات الجيش والشرطة التابعة لقائد الانقلاب، وألقت القنابل المسيلة للدموع بباحته، وقصفت مئذنته بالرصاص، وقبضت على كل من لاذوا به بأسلوب وحشي بذريعة حمايتهم من البلطجية.
وقد أطلقت السلطات لاحقا سراح ثلاث من أخواته كن معه في المسجد، وعدن إلى أيرلندا، بينما استمر احتجازها له.
وقالت أسرة "حلاوة" إنها كانت تقضي إجازة وقت اندلاع الاحتجاجات، وإنها لجأت إلى المسجد للهروب من العنف في الخارج، نافية أن يكون "إبراهيم" عضوا في جماعة الإخوان المسلمين، التي أعلنت الحكومة المصرية أنها إرهابية، وهي التهمة التي تنفيها الجماعة عن نفسها.
ويحاكم حلاوة، الذي يعمل والده إماما بأحد المساجد في دبلن، إلى جانب 492 متهما آخر بعد أن وجهت لهم النيابة المصرية التهم المذكورة سابقا، ويواجهون بمقتضاها الحكم بالإعدام. ولا تزال القضية منظورة أمام القضاء، ولم تصدر بشأنها أحكام بعد.
قلق أوروبي واهتمام عالمي
وكان البرلمان الأوروبي، وعدد من المنظمات الدولية، قد طالبوا غير ما مرة السلطات المصرية بإطلاق سراح حلاوة، واعتبرت الخارجية المصرية هذا المطلب "انتهاكا لاستقلال القضاء في مصر".
وعبرت الحكومة الأيرلندية عن قلقها بعد تأجيل محاكمة حلاوة في آخر جلسة للمرة الرابعة عشر إلى الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
وقالت الأسرة إنها أبلغت بأن القضاة يعتزمون إعادة فتح القضية، وتقويم الفيديو الذي يتخذ دليلا فيها.
ومثلت الحكومة الأيرلندية في الجلسة الأخيرة، وعبرت للمسؤولين في مصر عن "قلقها وإحباطها الشديد" بعد إعادة تأجيل المحاكمة.
وقال وزير الشؤون الخارجية، تشارلي فلاناغان، في بيان له، إنه يشارك أسرة حلاوة شعورها بخيبة الأمل.
وأضاف أنه التقى بوالد إبراهيم وأخته، وأكد لهما "التزامه والتزام الحكومة المستمر بتحقيق هدفين: ضمان عودة حلاوة إلى أيرلندا في أسرع وقت ممكن، وضمان رعايته خلال احتجازه".
وكشف الوزير أنه قابل وزير الخارجية المصري في القاهرة في 16 حزيران / يونيو للتعبير عن مخاوف الحكومة الأيرلندية.
ومن جانبهم، قال محامو الأسرة إنهم يعتزمون إعادة تقديم طلب للإفراج عن حلاوة تطبيقا لمرسوم رئاسي، وقد يعني هذا ترحيله إلى أيرلندا.
السلاموني: سمعة مصر الخاسر الأكبر
إلى ذلك، علق الكاتب الصحفي هاني السلاموني على القضية في مقاله بعنوان: "مصر نمر من ورق"، بصحيفة "المصري اليوم"، الأحد، بالقول إنها تعرض سمعة مصر في ملف الحقوق والحريات دوليا لمزيد من الضرر لدرجة أن مصر أصبحت دولة سيئة السمعة، ولا تراعي المعايير والاتفاقيات الدولية، وفق وصفه.