يستمر الجدل حول إمكانية حدوث تبدلات نوعية في الخارطة السياسية للسنة في
لبنان، في ظل تقهقر
تيار المستقبل، بحسب مراقبين.
وبعد 25 عاما من بروز تيار المستقبل بزعامة رئيس الحكومة الأسبق الراحل رفيق
الحريري، واستقطابه لما يزيد على 80 بالمئة من أصوات طائفته في الانتخابات النيابية والبلدية لعدة مرات، فقد بدا التراجع واضحا في شعبية التيار، كما يقول مراقبون، وعزز هذا التراجع غياب سعد الحريري، رئيس الحكومة الأسبق الوريث الشرعي للحريري الأب، عن البلاد لأربع سنوات لأسباب أمنية، بحسب ما أعلن، قبل أن يعود مؤخرا في محاولة لاستعادة زمام الأمور.
ويضيف المراقبون أن بداية تدهور تيار المستقبل؛ كانت بخروج النائب خالد الضاهر من التكتل النيابي لـ"المستقبل"، بعد تبنيه مواقف تصعيدية في أكثر من مجال، ولا سيما ضد
حزب الله، وصولا إلى انفصال الوزير السابق أشرف ريفي عن تحالفه مع "المستقبل" مع تعهده بالتزام نهج الحريري الأب، بسبب عجز التيار عن مواجهة ما وصفه بـ"انتهاكات" حزب الله.
وبدا الأمر قاسيا على تيار المستقبل، مع خسارته الانتخابات البلدية في طرابلس أمام الريفي نفسه، وتراجعه في مواقع أخرى، ما يدلل -بحسب المراقبين- على عدم رضا البيئة السنية عن خيارات المستقبل السياسية.
المبادئ "الحريرية" حاضرة
وفي تصريحت خاصة لـ"
عربي21" قال النائب في تيار المستقبل، محمد قباني، إن "المواقف السلبية الصادرة من أطراف عدة تجاه تيار المستقبل، والإيحاءات والاتهامات بالابتعاد عن نهج الرئيس الراحل رفيق الحريري؛ ليست في محلها".
وأكد قباني أن "مبادئ وثوابت (الحريرية السياسية) ما زالت حاضرة وبقوة لدى قيادة التيار، بدءا من مشروع الدولة، والالتزام بالسيادة الوطنية، والإنماء والإعمار على المستوى الداخلي، والاعتدال في النهج الوطني والقناعات الدينية، أو ما يمكن تسميته الاعتدال الإسلامي".
وعن الاتهامات التي توجه إلى قيادة التيار بأنها تخلت عن مطالب جمهورها؛ قال إن "لكل مرحلة ظروفها ومعطياتها، فالحكم على أي عمل سياسي، أو قرار؛ يجب أن يرتبط بالظروف المحيطة"، مستدركا بأن هناك "حالة تململ في الشارع السني؛ ترجمت مؤخرا في الانتخابات البلدية بطرابلس، ما يدلل على أن جمهور المستقبل قد أُرهق من بعض الممارسات في الداخل اللبناني، التي تتعلق حصرا بالأمور الخدماتية" على حد قوله.
تصعيد الضاهر
وعن تصعيد النائب خالد الضاهر ضد تيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري؛ قال قباني إنه "لا بد من الإشارة الى أن ابتعاد الضاهر عن تيار المستقبل كان منذ فترة، في ظل المواقف المتصلبة التي اتخذها في بعض القضايا، والتي كانت تأخذ منحى تصعيديا دينيا لا يسير به تيار المستقبل، ما أحدث هذا الاختراق ثم الانسحاب".
وكان الضاهر قد شن هجوما عنيفا السبت الماضي، على تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري، داعيا إياه إلى الإستقالة، ومتوجها له بالقول: "كل معاركك خاسرة، على كل المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.. تركت ساحتنا لقمة سائغة لمن يعبث بها، ولم تتحمل المسؤولية كما يجب، والآن تعترف بالأخطاء".
وعن المواقف المستجدة للضاهر؛ قال قباني: "حافظ الضاهر في الفترة السابقة على قناة التواصل مع قيادة تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري، لكن زيارة رئيس تيار المستقبل إلى عكار معقل الضاهر أثار حفيظة الأخير، ودفعه إلى التصعيد الكلامي ضد الحريري وسياسة تيار المستقبل".
وعن اتهامات الضاهر وتشكيكاته بزعامة الحريري؛ قال قباني: "الضاهر تجاوز كل الخطوط الحمراء التي كان قد وضعها سابقا، فلا أحد باستطاعته التشكيك بزعامة سعد الحريري السياسية، وهو إن ابتعد لأربع سنوات عن لبنان، ما أحدث العديد من الثغرات؛ فإن عودته بدأت تثمر لجهة إعادة ما انقطع في تيار المستقبل وقيادته، إلى تحقيق أهدافه وطموحات جمهوره على المستويات كافة، ولا سيما الوطني منها".
تحولات جوهرية
من جهته؛ قال الكاتب والمحلل السياسي صلاح سلام، إن "من السابق لأوانه الحديث عن وجود متغير في القيادة السنية بلبنان؛ لأن الانتخابات البلدية لا تقدم حكما قاطعا، وإن برهنت على وجود هوة بين القيادة والقاعدة الشعبية".
وكانت الانتخابات البلدية التي جرت الشهر الماضي، أسفرت عن سقوط اللائحة المدعومة من تيار المستقبل في الشمال، لصالح أشرف الريفي، الوزير المستقيل من الحكومة احتجاجا على عدم اتخاذ مواقف صارمة تجاه سياسات حزب الله.
ورأى سلام في حديثه لـ"
عربي21" أن "المشكلة الحقيقية تكمن في أن فترة غياب الحريري عن لبنان لأربع سنوات؛ تركت آثارا كبيرا لم تستطع قيادة التيار ملأها في غيابه، فضلا عن تناقص الخدمات الاجتماعية والطبية التي كان يقدمها تيار المستقبل لجمهوره وبيئته"، مشيرا إلى أن "الانتخابات النيابية المقبلة ستكون الفيصل، وستحدد مسارات الزعامة السنية للفترة المقبلة".
وحول الحديث عن حدوث تحولات جوهرية في تيار المستقبل؛ قال سلام إن "غياب قيادة التيار عن الساحة في الفترة السابقة؛ أفسح المجال أمام شخصيات ونواب وحالات سياسية، للحراك خارج السرب، والمناورة، ما جعل التحدي كبيرا أمام سعد الحريري وقيادة التيار؛ لإعادة الإمساك بزمام المبادرة، وتحقيق التوازن الشعبي والسياسي".
وأضاف أن "الانفتاح الذي يقوده سعد الحريري نحو خصوم تقليديين وتاريخيين للحريرية السياسية؛ ترك أيضا آثارا سلبية في بيئة تيار المستقبل، فالتغيرات والتبدلات السريعة والمفاجئة في المواقف السياسية؛ صدمت قواعد التيار التي لم تستطع تقبلها، حتى إنها لم تقف على خلفياتها، في ظل عجز قيادة التيار الوسطى عن إيضاح الأسباب والمسببات، التي دفعت لتبني تلك الخيارات السياسية الصعبة".
وعن موقف السعودية من الحالة المستجدة على مستوى الزعامة السنية؛ قال سلام إن "المملكة تحافظ على علاقة متوزانة مع جميع الأقطاب السنية في لبنان، وهي تدفع دائما إلى وحدة الشمل، ولا سيما على مستوى الطائفة السنية، وتشجع الحريري على الانفتاح دوما نحو القيادات السنية الأخرى، وهو ما بدا جليا من خلال لقاءات الأخير مع قيادات سنية، كعبدالرحيم مراد، والرئيس الأسبق للحكومة نجيب ميقاتي".
وختم: "كل الجهود لا يمكن أن تدعم حضور تيار المستقبل، إلا من خلال إعادة معالجة الثغرات الفادحة الواقعة بينه وبين جمهوره".