شكل نحو خمسين دبلوماسيا أمريكيا مجموعة "منشقين" تطالب الولايات المتحدة، بأن توجه ضربات عسكرية إلى النظام السوري، في انتقادات سياسية قاسية للسياسة التي يتبعها الرئيس باراك
أوباما لمحاولة وقف هذا النزاع.
واعترفت وزارة الخارجية الأمريكية مساء الخميس بوجود "برقية (دبلوماسية) منشقة، أعدتها مجموعة من موظفي الوزارة تتعلق بالوضع في
سوريا".
ووقع المذكرة 51 مسؤولا من وزارة الخارجية الأمريكية، من المستوى المتوسط إلى المرتفع، شاركوا في تقديم النصح بشأن السياسة تجاه سوريا، بحسب ما أشارت إليه صحيفة "وول ستريت جورنال".
وقالت الصحيفة نقلا عن نسخ من المذكرة اطلعت عليها، إن المذكرة تدعو إلى تنفيذ "ضربات عسكرية موجهة" ضد الحكومة السورية في ضوء الانهيار شبه التام لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه في وقت سابق هذا العام.
ورفض الناطق باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي كشف المضمون الدقيق لهذه المذكرة الدبلوماسية، لكنّ صحيفتي "وول ستريت جورنال" و"نيويورك تايمز" أكدتا أن المذكرة تطلب صراحة شن ضربات عسكرية أمريكية ضد نظام الرئيس السوري بشار
الأسد.
واكتفى كيربي بالقول: "نحن ما زلنا ندرس هذه المذكرة التي صدرت قبل وقت قصير جدا".
وقالت الصحيفتان اللتان أكدتا أنهما اطلعتا على مسودة للنص، إن البرقية هي مذكرة قصيرة وقعها نحو خمسين دبلوماسيا وموظفا في وزارة الخارجية.
وأوضحت "نيويورك تايمز" أن البرقية تدعو إلى "الاستخدام المدروس لأسلحة بعيدة المدى وأسلحة جوية"، أي صواريخ كروز وطائرات بلا طيار وربما غارات أمريكية مباشرة.
"منطق أخلاقي للتحرك"
وأضافت صحيفة "نيويورك تايمز" أن موقعي المذكرة يعتبرون أن "المنطق الأخلاقي للتحرك من أجل وقف المجازر في سوريا بعد خمس سنوات من حرب رهيبة، واضح وغير قابل للجدل".
وتابعت بأن المسؤولين الأمريكيين ينتقدون في مذكرتهم "الوضع القائم في سوريا، الذي ما زال يؤدي إلى أوضاع كارثية أكثر فأكثر في المجال الإنساني وعلى الصعيد الدبلوماسي والإرهاب".
وأثارت استراتيجية أوباما حيال النزاع السوري جدلا كبيرا في السياسة الخارجية لولايتيه الرئاسيتين.
وأوباما الذي انتخب في 2008 ومنح جائزة نوبل للسلام في العام التالي، من القادة الديموقراطيين، من المشككين في النزعة التدخلية العسكرية، وحاول إخراج الولايات المتحدة من حربين بدأتا في عهد سلفه جورج بوش الابن في العراق وأفغانستان.
وأعلن أوباما في صيف 2013 في اللحظة الأخيرة تخليه عن قصف بنى تحتية للنظام السوري، على الرغم من اتهامات للجيش السوري باستخدام أسلحة كيميائية ضد مدنيين في آب/ أغسطس من تلك السنة.
وفي الأشهر التي سبقت ذلك، وعد أوباما بالتحرك إذا تجاوزت دمشق هذا "الخط الأحمر"، ولم تتقبل فرنسا والسعودية بشكل كامل تخلي الرئيس الأمريكي عن التحرك في اللحظة الأخيرة.
ومنذ ذلك الحين ترفض الإدارة الأمريكية كل تدخل عسكري واسع في سوريا حيث أسفر النزاع عن سقوط 280 ألف قتيل على يد النظام السوري.
ولم يواجه هذا الخط بعدم التدخل الذي يدافع عنه البيت الأبيض أي انتقادات علنية من قبل، إلا أن وزير الخارجية جون كيري ألمح في الأشهر الأخيرة إلى أنه أراد بذل جهد أكبر، كما تحدث عن "خطة باء" موضوعة إذا توقفت عملية التسوية السياسية بالكامل في سوريا.
عملية سلام تراوح مكانها
وفي الواقع، ترعى روسيا والولايات المتحدة عملية دبلوماسية وسياسية لتسوية الأزمة في سوريا - محاولات لوقف إطلاق النار وحل سياسي ونقل مساعدات إنسانية - لكنها تحتضر.
من جهة أخرى، تقود واشنطن تحالفا عسكريا دوليا شن 13 ألف عملية قصف جوي منذ صيف 2014 على تنظيم الدولة في سوريا والعراق، كما نشرت واشنطن عشرات من أفراد القوات الخاصة الأمريكية على الأرض في سوريا؛ حيث رفض أوباما باستمرار نشر عشرات الآلاف من الجنود.
وانتقد المحلل هارون ديفيد ميلييه، الذي كان مستشارا لستة وزراء خارجية على التوالي، في تغريدة على تويتر "حث دبلوماسيين أمريكيين اوباما على ضرب الأسد، بأي هدف؟"، معتبرا أنه من "الجيد" أن وزارة الخارجية لا تقود السياسة الأمريكية.
من جهته، حذر المحلل ستيف سيديمان من أن "الضربات الجوية ليست سحرية تزيد من خطر نزاع بين الولايات المتحدة وروسيا"، ملمحا إلى دعم موسكو لنظام دمشق.
وبرر الناطق باسم الخارجية الأمريكية إرسال هذه المذكرة بالقول، إن "هذه القناة الاحتجاجية" تشكل "عاملا مهما يحترمه وزير الخارجية ووزارة الخارجية، ويسمح لموظفي الوزارة بالتعبير عن آرائهم لرؤسائهم بصراحة وسرية".