بعد أكثر من خمسين يوما على انطلاق مشاورات
الكويت، لم يعد بالإمكان الحديث عن حل سياسي، يعيد الأطراف
اليمنية إلى مسار التسوية الذي كانوا قد مضوا فيه قبل انقلاب 21 أيلول/ سبتمبر 2014.
ولم يعد المجتمع الدولي حريصا على ضرورة أن تنطلق المشاورات من عند النقطة التي تنتهي عندها الأطراف من تنفيذ القرار رقم 2216، وهو قرار معني بدرجة أساسية بإنهاء الانقلاب وآثاره قبل الشروع في الترتيبات السياسية، ولهذه المرحلة مرجعياتها المعروفة.
ذهب وفد الحكومة إلى الكويت، وفي تقديره أنه سيواجه عدوا واحدا هو تحالف مليشيا
الحوثي والمخلوع صالح، ولكنه وجد أن أعداءه باتوا جزءا من طيف واسع من الأعداء الأقوياء جدا الذين يستخدمون مهارات دبلوماسية عالية ويمتلكون أدوات عديدة أبلغها تأثيرا هي الأمم المتحدة ووكالتها التي انزلقت إلى هذا القدر السيئ من التوظيف السياسي لدورها في الأزمتين اليمنية والسورية.
على الأرض، يواجه أنصار الشرعية والدولة، من المقاومة والجيش الوطني والأحزاب السياسية حربا قذرة بأسلحة تشمل الاغتيالات والاعتقالات والقصف بالطائرات دون طيار، وحدث مؤخرا في المكلا التي تخضع للنفوذ الإماراتي، عندما تم إغلاق المقر الرسمي للتجمع اليمني للإصلاح واعتقال من فيه من قيادات وحراسة ومصادرة موجودتها من أجهزة ومعدات ومستندات، في مهمة أمنية تبرأت منها السلطة المحلية والمحافظ.
وكما حدث ويحدث في البيضاء الواقعة في وسط البلاد، من استهداف مباشر لمواقع المقاومة، من قبل طائرات (الدرونز) الأمريكية، التي لا يبدو أنها تلاحق عناصر إرهابية مزعومة بقدر ما تستهدف الخطوط الأمامية للمقاومة، كلما ازدادت وطأة المقاومة على مليشيا الحوثي وقوات التمرد التابعة للمخلوع صالح.
يواصل المبعوث الأممي إلى اليمن تكرار التجربة السيئة الصيت لسلفه جمال بن عمر، من خلال الإبقاء على المنسوب ذاته من الاعتقاد بأن المشاورات التي تجري في الكويت تحقق تقدما أو أن "الأرضية المشتركة التي يقف عليها طرفا المشاورات "واسعة".
وتكمن خطورة الدور الذي يقوم به ولد الشيخ في أنه يبقي وفد الحكومة عرضة لسلسلة لا تنتهي من الضغوطات من أجل القبول بصيغ يمليها عليه السفراء الغربيون، المتواجدون لهذا الغرض في الكويت.
يقول المبعوث الأممي أن المشكلة الجوهرية تكمن في عدم التوافق على "التزمين"، ويعني به التسلسل الزمني لتنفيذ الخطوات التي نص عليها قرار
مجلس الأمن رقم (2216)، الذي لا يحتاج إلى هندسة ولا يحتاج إلى تزمين، فالخطوات واضحة تبدأ بالانسحاب من العاصمة والمدن والمؤسسات وتسليم السلاح وعودة السلطة الشرعية إلى صنعاء، ومن ثم البدء في مناقشة الترتيبات السياسية واستئناف عملية الانتقال السياسي.
علما بأنه لا يكف عن محاولة تسويق خطة إنجاز الخطوات بشكل متزامن بما في ذلك تشكيل الحكومة، وهو مطلب يتبناه الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون بقوة، وهدفه واضح هو إنهاء شرعية الرئيس هادي وحكومته.
تعاني جبهة الشرعية من إشكالية عدم التماسك، نظرا لبقاء السلطة الشرعية رمزا غير ذي موثوقية، لطيف وطني واسع مناهض للانقلاب يقاتل اليوم من أجل استعادة الدولة، لأنها لا تعبر بشكل دقيق عن طموح وتطلعات هذا الطيف الواسع، بل إنها مثلت في معظم مراحل الصراع، أحد مصادر الخطر الحقيقية التي أحاطت بعملية الانتقال السياسي في اليمن، ووجه ضربات قاتلة للجبهة التي وقفت ضد مخطط إجهاض التغيير وإسقاط النظام الانتقالي..
ولا تزال هذه السلطة تغض الطرف عن الضربات الموجعة التي تتلقاها بعض القوى الرئيسية المساندة لها، وإلا لما قبلت بالاستهداف المتعمد للمقاومة في البيضاء بواسطة طائرات (الدرونز) الأمريكية، ولما سكتت عن الاعتداء غير المبرر الذي تعرض له مقر حزب الإصلاح في المكلا.
التحالف العربي توقف عند مشارف صنعاء، واعتقد أن بإمكانه أن يستكمل أهدافه إذا ما تماهى مع المخطط الأمريكي، وإذا ما واصل سياساته الخاطئة في المناطق المحررة، التي حولت هذه المناطق إلى بيئات طاردة للقوى الوطنية، ومرتعاً للعناصر الغوغائية التي تتبنى مشاريع تصطدم مع مبدأ تدخل التحالف العربي في اليمن.
أقوى الضربات التي تلقاها التحالف جاءت من الأمم المتحدة، التي أدرجته في قائمة منتهكي الطفولة قبل أن تتراجع عن هذا القرار بسبب الضغوط التي مارستها السعودية، باعتبارها أحد أكبر ممولي المنظمة الدولية والوكالات التابعة لها.
لا يمكن فصل هذا الإجراء عما يجري في الكويت، فقد تحولت تقارير الأمم المتحدة إلى ورقة سياسية بيد الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الذين يحاولون فرض تسوية تبقي الحوثيين قوة مؤثرة في المشهد السياسي، وتحاول أن تمنحهم مكافأة بالإبقاء على المنجزات الميدانية التي حققوها في حرب الاستيلاء على الدولة.
نحن أمام مشهد معقد لا يمكن أن تُفك رموزه إلا إذا اتحد التحالف العربي مع هذا الطيف الوطني الواسع المناهض لانقلاب المليشيا، في مهمة مشتركة لا تحتمل أي قدر من الغدر أو الوقيعة ولا تتبنى أهدافا جانبية كما يحدث اليوم.