شكلت اتفاقية سايكس- بيكو، والتي مضى على توقيعها مئة عام، محورا مهما للبحث والدراسة من قبل العديد من مراكز الدراسات والابحاث في العالم العربي، ومن اهم المؤتمرات التي عقدت في لبنان حول الاتفاقية المؤتمر الذي دعا اليه بيت المستقبل في بلدة بكفيا الجبلية وهو مركز دراسات يشرف عليه الرئيس اللبناني الاسبق امين الجميل، وحلقة الحوار المطوّلة التي عقدها مركز الزيتونة للدراسات والتوثيق في بيروت، وشكلت هذه المؤتمرات اضافة للعديد من المقالات والدراسات والكتب التي صدرت حول الاتفاقية فرصة لمراجعة نتائج الاتفاقية والظروف التي ادت الى ولادتها، والتطورات التي يواجهها العالم العربي والاسلامي اليوم بعد مرور مئة عام على الاتفاقية. فهل هل هناك من سبيل للخروج من النفق والمأزق الذي اوصلتنا اليه نتائج الاتفاقية؟ ام ان الواقع اليوم يعتبر الافضل مما يمكن ان تؤول اليه الاوضاع مستقبلا مما يجعلنا نترحم عليها ونطالب بالاستمرار بها لانه افضل مما يمكن ان تؤول اليه الاوضاع في ظل الحروب والصراعات التي تشهدها المنطقة اليوم؟
لقد اسست الاتفاقية لدول عربية قطرية بناء على حدود وضعها المستعمر، نمت معها ظروف التجزئة، والانغلاق؛ ونتج عنها حالة من اللااستقرار، كما هيأت في الوقت نفسه لنشوء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين في بيئة ضعيفة مفككة متخلفة.
ومنذ سنوات انطلقت الشعوب في المنطقة العربية في ثورات تحمل تطلعاتها في الحرية والنهضة والوحدة، ولكنها ووجهت بأنظمة قمعية، وبتدخلات خارجية تدعم مزيداً من التفتيت الطائفي والعرقي. وعادت دائرة الصراع في المنطقة، وعلى المنطقة، لتحمل مخاطر "سايكس - بيكو جديدة"، وخرائط جديد تُرسم، وفق معايير تخدم المشروع الصهيوني والقوى الدولية. وهي مخاطر يجب مواجهتها بمشروع نهضوي وحدوي.
وخلال مؤتمري بيت المستقبل ومركز الزيتونة للدراسات قدّمت العديد من اوراق العمل والدراسات والاراء والملاحظات حول الاتفاقية وما انتجته من ظروف سياسية ومخاطر عديدة ولاسيما على صعيد التجزئة وقيام العديد من الدول القطرية والهويات الجزئية وتراجع او فشل المشاريع الوحدوية وقيام الكيان الصهيوني، لكن معظم المشاركين في هذين المؤتمرين اعتبروا ان ما يواجهه العالم العربي والاسلامي اليوم اخطر بكثير مما ادت اليه الاتفاقية وان ما يحصل وما يمكن ان يحصل من حروب وتقسيمات جديدة وصراعات مذهبية وطائفية ودينية قد يجعلنا نترحم اليوم على الاتفاقية ونطالب بالاستمرار بها لان ما سيأتي سيكون اخطر واشد ايلاما. مدير مركز الزيتونة الدكتور محسن صالح قال خلال مداخلة له في حلقة الحوار التي اقامها المركز : أنه خلال الخمس سنوات الماضية حصلت موجتان، الأولى ضدً الأنظمة المستبدة، حيث أعطت رسالة أن هناك طاقات هائلة قادرة على التغيير، أما الموجة الثانية فكانت من خلال الثورة المضادة، التي وجهت ضربة قوية لقوى التغيير، وبشكل أساسي للقوى الإسلامية المعتدلة، حيث أظهرت أن هذه القوى غير جاهزة للحكم. ورأى صالح أننا أمام مثلث تغيير يتمثل بالشعوب التي تتطلع للتغيير، وبأنظمة فاسدة مستبدة، والضلع الثالث يتمثل بالتدخل الخارجي الذي يريد أن يعيد توجيه الصراع باتجاه مصالحه.
وتحدث صالح عن خمسة سيناريوهات محتملة: انتصار الانظمة الفاسدة والمستبدة، او حصول مصالحات تاريخية بين الثوار والانظمة، او بروز موجة ثورية جديدة تضرب المنطقة تختلف عن المرحلة الماضية، او الفوضى والتفتيت واستمرار الصراعات مما سيؤدي لتقسيم المنطقة مجددا، واخيرا سيناريو ترغب به الدول الكبرى يقوم على فكرة إضعاف المركز، وليس بالضرورة أن يحصل تفكيك جديد.
وذكر صالح أن السيناريو الخامس هو الخيار المرغوب عند الغرب، ولكنه شدد على أن الموضوع ليس ما يريده الآخرون، وإنما ما نريده نحن، وكيف نرسم خرائطنا بأنفسنا.
وذكر صالح أنه مطلوب إقليمياً أن يحدث توافق بين القوى الكبرى في المنطقة بحيث يتم توفير شبكة أمان في المنطقة لقطع الطريق أمام أي فوضى وتقسيم، وهناك توافق على توفير شبكة أمان إقليمي لمنع أي تدخل خارجي، وعلى التوجه ضدّ المشروع الصهيوني بعد توفير شبكات الامان. فهل نشهد مثل هذا التوافق وخصوصا بين ايران والسعودية وتركيا ام سنترحم على اتفاقية سايكس – بيكو بعد مرور مئة عام على حصولها والذهاب نحو المزيد من التقسيم والتفتيت والحروب الداخلية؟.