كتاب عربي 21

قلق أردوغان من أحداث فرنسا

1300x600
تشهد فرنسا منذ أسابيع احتجاجات واسعة اشتدت وتيرتها بعد تلبية أعداد كبيرة من عمال مصافي تكرير النفط ومستودعات الوقود والمرافئ دعوة النقابات العمالية إلى التوقف عن العمل وعرقلة التزود بالبنزين. ومن المتوقع أن تأتي موجة جديدة من الاضطرابات احتجاجا على تعديل قانون العمل لتشمل قطاعات النقل والملاحة الجوية، بالتزامن مع استمرار أزمة الوقود الناجمة عن المظاهرات.

الاحتجاجات العمالية التي تجتاح المدن الفرنسية وتهدد بحالة من الشلل، جاءت في الذكرى الثالثة لأحداث "غزي باركي" والمظاهرات الاحتجاجية التي خرجت في إسطنبول ومدن تركية أخرى. وكانت وسائل الإعلام الغربية بما فيها القنوات والصحف الفرنسية، تبذل آنذاك قصارى جهدها لنقل كل شاردة وواردة إلى الرأي العام العالمي لتظهر "مدى وحشية قوات الأمن التركية والعنف الذي تمارسه في قمع المتظاهرين"، إلا أن وسائل الإعلام نفسها تتجاهل اليوم أحداث فرنسا إلى حد كبير، وتحرص على أن لا تنقل صور ومشاهد سحل الفتيات واستخدام الشرطة الفرنسية قوة مفرطة ضد المتظاهرين السلميين.

وفي إشارة إلى هذه الازدواجية، ندد رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان في خطاب ألقاه في إسطنبول، يوم الاثنين الماضي، بالعنف الذي تمارسه الشرطة الفرنسية ضد الأشخاص الذين يستخدمون حقهم في التظاهر"، مبديا خشيته على الوضع في فرنسا، كما انتقد بشدة تجاهل وسائل الإعلام الغربية تغطية المظاهرات والاضطرابات التي تشهدها فرنسا احتجاجا على قانون العمل الجديد الذي تسعى الحكومة الاشتراكية إلى تطبيقه.

تصريحات أردوغان هذه جاءت بعد ارتفاع الأصوات المطالبة بإصدار الحكومة التركية تحذيرا تدعو فيه المواطنين الأتراك لعدم السفر إلى فرنسا بسبب الاضطرابات التي تعم البلاد في ظل استمرار أزمة الوقود، وبعد نشر ناشطين أتراك غاضبين من النفاق الغربي صورا ومشاهد في مواقع التواصل الاجتماعي تظهر ممارسة قوات الأمن الفرنسية للعنف المفرط ضد المتظاهرين.

وسائل الإعلام الغربية في تقاريرها التي تناولت تصريحات أردوغان بشأن أحداث فرنسا، ذكرت أن تركيا شهدت قبل ثلاث سنوات احتجاجات غير مسبوقة ضد الحكومة وحزب العدالة والتنمية، وكأنها تريد أن تقول إن "الرئيس التركي آخر من يحق له الحديث عن عنف الشرطة ضد المتظاهرين" أو "الذي بيته من زجاج لا يرمي الناس بحجر"، إلا أن هذا النوع من الانتقاد يجب أن يوجه أولاً إلى الزعماء الغربيين الذين يصدعون رؤوسنا يوميا باحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير وحق التظاهر.

المتابع لتغطية وسائل الإعلام الغربية لأحداث "غزي باركي" قبل ثلاث سنوات وتغطيتها لأحداث فرنسا اليوم يلاحظ الفرق غير البريء بين التغطيتين. وفي الأولى، أقامت الصحف والقنوات التلفزيونية الغربية معسكرا في ميدان تقسيم بإسطنبول لنقل الأحداث على مدار الساعة، إلا أن هذا الحرص الشديد على نقل الصوت والصورة غاب تماما في أحداث فرنسا، بل نشاهد تضامنا عجيبا بين وسائل إعلام الدول الغربية، كما فعلت مجلة "دير شبيغل" الألمانية التي سبق أن أصدرت باللغة التركية ملحقا خاصا بأحداث "غزي باركي" لتصوِّر إسطنبول كمدينة غارقة في الفوضى وتحث المتظاهرين على مواصلة الاحتجاجات، ولكن عددها الأخير صدر بغلاف يحمل صورة كبيرة للعاصمة الفرنسية مكتوب عليها: "باريس جمال لا ينهزم"، في إشارة إلى تضامن المجلة مع الحكومة الفرنسية ضد المحتجين ومحاولة لتصوير العاصمة الفرنسية التي تحترق كأنها خالية من الاحتجاجات والاضطرابات.

العمال الفرنسيون يتظاهرون احتجاجا على قانون العمل الجديد الذي يرون أنه يمس حقوقهم، بخلاف المتظاهرين الذين خرجوا قبل ثلاث سنوات إلى الشوارع في بعض المدن التركية لإسقاط الحكومة من خلال أعمال الشغب والفوضى العارمة بعد أن فشلوا في إسقاطها عبر صناديق الاقتراع. وبخلاف المتظاهرين الذين خرجوا في تركيا خلال أحداث "غزي باركي"، لا يطالب في فرنسا أحد بإلغاء المشاريع التنموية العملاقة، كما لا يطلب من الحكومة الفرنسية عدم إنشاء مطار أو جسر أو محطة نووية.

قلق أردوغان من أحداث فرنسا في محله، لأن الاحتجاجات والاضطرابات الحالية لا تهدد الحياة الاقتصادية والخدمية والسياسية في فرنسا وحدها، في ظل تراجع شعبية الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى أقل من 20 بالمائة، بل تهدد القارة الأوروبية بأكملها، حيث انتقلت عدوى المظاهرات إلى جارة فرنسا، وخرجت في العاصمة البلجيكية بروكسل مظاهرة شارك فيها أكثر من 60 ألف بلجيكي للاحتجاج على مشاريع الإصلاحات الاجتماعية التقشفية من بينها تحديد ساعات العمل الأسبوعية بـ 45 ساعة. ومن الأفضل للدول الأوروبية أن تنشغل بحل مشاكلها الداخلية، بدلا من أن تحاول التغطية عليها من خلال الحملات الإعلامية التي تستهدف تركيا ورئيسها.