نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للكاتب مايكل غيرسون، ينتقد فيه سياسة الرئيس الأمريكي باراك
أوباما وإدارته في
سوريا، مشيرا إلى أنها أدت إلى تدهور أمني ومأساة إنسانية.
ويقول الكاتب: "إن كنت تريد أن تعرف مدى الانحطاط الذي وصلت إليه سياسة الولايات المتحدة الخارجية، فانظر كيف وقفت متفرجة على مدى أربع سنوات على أكبر مأساة إنسانية استراتيجية في وقتنا، وانهيار السيادة في سوريا، الذي نتج عنه خمسة ملايين لاجئ، وتسبب بمقتل 300 ألف، وقوّى بعض أكثر الناس وحشية واستبدادية في العالم".
ويستدرك غيرسون قائلا: "لكن، ماذا كان النقد الموجه من كل من دونالد
ترامب وبيرني ساندرز؟ يقولان إن الولايات المتحدة تلزم نفسها فوق الحاجة، خاصة في الشرق الأوسط، وقال ترامب إن أمريكا بلد مدين يثير الحزن، يجب عليه ترتيب بيته أولا قبل أن يتورط في عمليات بناء بلدان، وقال من فترة قريبة: (لا نستطيع الذهاب لكل بلد لسنا راضين عنها تماما، ونقول سنقوم بإعادة صنعها)".
ويجد الكاتب أن "هذا لم يكن أبدا هاجس أوباما، وماذا كانت دوافع أوباما؟ هل كانت تصميم على القيام بعكس ما عمله بوش؟ أم عدم القرار المتكرر؟ أم الارتباط بآسيا؟ ما هو السبب الذي جعل أوباما يصنف كل عمل في سوريا تحت باب (أشياء غبية) متجاوزا في العادة رأي مستشاري السياسة الخارجية الكبار، (بمن فيهم وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون)".
وينقل التقرير عن تمارا كوفمان ويتيز من معهد بروكنغز، في شهادتها أمام لجنة مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية قولها: "تم اتخاذ خطوات متصاعدة على مدى الأربع سنوات الماضية؛ لمحاولة التأثير في شكل ساحة القتال وسياق الدبلوماسية، (لكن ذلك كان) قليلا جدا ومتأخرا جدا لتغيير ديناميكية الصراع".
ويتساءل غيرسون: "ما هي تلك الديناميكيات؟ تم إنقاذ نظام بشار
الأسد، الذي كان في مرحلة ما يترنح وعلى وشك السقوط، بالتدخل العسكري الإيراني والروسي، ومنذ البداية، شكلت المجموعات الجهادية في سوريا المعارضة الأكثر جدية والأفضل تسليحا، ما أدى إلى قلق من التهديد الإرهابي على المدى الطويل، وقام الأسد بارتكاب الجرائم دون أي عقوبة، ما دام لم يستخدم الأسلحة الكيماوية مرة أخرى، مع أن ضحاياه يموتون بالأساليب الأخرى أيضا، ولتجنب تحمل المسؤولية لهذا الكابوس، قامت إدارة أوباما بتضييق تعريف المصالح الأمريكية، فكان المهم هو نزع أسلحة الأسد الكيماوية، أو التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، أو قتل الإرهابيين بالطائرات دون طيار والعمليات الخاصة، وأي شيء آخر بالنسبة لأوباما فإنه (حرب أهلية يخوضها آخرون)".
ويجد الكاتب أنه "ليس هناك أي مؤشر علني يوحي بأن أوباما يقلق على الوضع، بل على العكس، فإنه دائما ما يهنئ نفسه على برود الأعصاب والواقعية في تقييمه للوضع في سوريا، حيث قال عن نفسه إنه (فخور جدا) بقراره عدم تطبيق (الخط الأحمر) بخصوص الأسلحة الكيماوية، لكن هذا –شبيه بمذابح رواندا بالنسبة لبيل كلينتون– سيترك أوباما مضطرا للإجابة عن أسئلة كثيرة في سنوات ما بعد رئاسته، فخلال سنوات أوباما أرسلت رسالة واضحة للمجرمين، كان مفادها: الفظائع الجماعية تؤدي إلى نتيجة، على الأقل إن كان لديكم مؤيدون ملتزمون وأعداء بنصف عداء".
ويشير غيرسون إلى أنه "رغم أن المفاوضات مستمرة، إلا أن التوصل إلى اتفاق خلال رئاسة أوباما أمر غير متوقع، ولكن اتفاقيات السلام تعكس توازن القوى، ولا تخلق توازنا جديدا، حيث قال السفير السابق لسوريا روبرت فورد في جلسة استماع مجلس الشيوخ: (دون ضغط عسكري على الحكومة السورية لن تتفاوض على حل سياسي وسط)، ولا يزال وزير الخارجية جون كيري يحاول التهديد بخيار عسكري: (إذا كان الأسد توصل إلى الاستنتاج بأنه لا يوجد خطة (ب)، فإن هذا يعني أنه توصل إلى استنتاج ليس له أساس أبدا، بل إنه خطير) لكن لا أحد يعتقد بأن هناك خطة (ب)، لا أحد".
ويرى الكاتب أن "السنوات التي مرت دون اتخاذ فعل أمريكي، قللت الخيارات الأمريكية، فهل ستخاطر أمريكا باحتمال مواجهة عسكرية مع روسيا لفرض منطقة حظر طيران؟ لكن أي تقارب مع الأسد سيكون لا أخلاقيا وغير مجد، حبث إنه لا يملك الشرعية لإعادة بناء بلد قام بحرقها، وهذا يترك (1) دعم أقوى للمعارضة غير الراديكالية وللدول المجاورة، و(2) مساعدة المجتمعات المحررة على الحكم، وتقديم الخدمات بدلا من الجهاديين، (3) مد اليد للأطفال اللاجئين الذين يقعون تحت خطر التطرف، والأهم (4) التخلي عن حجة أوباما الهدامة بأن الخيارين الوحيدين في سوريا هما عدم الفعل أو الاحتلال".
وينوه غيرسون إلى أن "النظرية التي يتبناها أوباما، ويؤيدها ترامب، والمتمثلة بأن الصراع السوري سيحرق نفسه، تسببت بتدهور أمني ومأساة إنسانية، فعندما ترفض أمريكا أداء دور فاعل تكون النتيجة الطبيعية حربا إقليمية بالنيابة بين الشيعة والسنة، وتستغلها إيران وروسيا، لمد نفوذهما، ويستغلها الجهاديون للتمدد وتحسين إمكانياتهم".
ويخلص الكاتب إلى أنه "مع ذلك، فإن اليمين والشمال الشعبيين يطالبون –بشدة وبشكل أحمق– الولايات المتحدة بأن تفعل الكثير".