اختلفت تقييمات السياسيين والإعلاميين بتونس، حول الجانب الشكلي للمؤتمر العاشر لحركة
النهضة، الذي عُقد أيّام 20 و21 و22 أيار/ مايو الجاري، بالقبة الرياضة في ضاحية رادس بالعاصمة وفي مدينة الحمامات السياحية.
ومثّلت القوة التنظيمية لـ"النهضة"، والجانب اللوجستي للفعاليات، والتكنولوجيا الحديثة التي استخدمت خلال المؤتمر الذي اختتم أشغاله بانتخاب الزعيم التاريخي للحركة راشد الغنّوشي مجدّدا؛ العنصر الرئيس للتفاعلات التي رصدتها "
عربي21".
وقال القيادي النهضوي عبد الحميد الجلاصي، في مداخلة له بإذاعة "إكسبرس أف أم"، إن النهضة "تنتقل الآن في مسألة تنظيم الاحتفاليات والفعاليات؛ من الهواية إلى الاحتراف، والتوانسة يريدون المظاهر الاحتفالية في السياسة، ويريدون أن يروا مؤشرات للاستقرار".
ولكن الجامعية
التونسية آمال قرامي، انتقدت مؤتمر "النهضة" في مقال نشرته صحيفة "الشروق" المصرية، الاثنين، بعنوان "مؤتمر حزب النهضة.. غلبه الشكل على المضمون".
مؤتمر الإبهار
وقالت الكاتبة إن مؤتمر حزب النهضة أطلق عليه البعض "مؤتمر الاستعراض" و"مؤتمر الأبهة" و"مؤتمر الإبهار".. في إشارة واضحة إلى الميزانية التي رصدها حزب النهضة لعقد مؤتمره العاشر، مضيفة أنه "لا يخفى أن هذه النعوت تنمّ عن استياء فئة من التونسيين من هدر هذه الأموال في سبيل تلميع صورة الحزب في الخارج، ثم في الداخل" على حد قولها.
وتابعت: "مهما يكن من أمر؛ فإن الإبهار هو شكل من أشكال التموقع السياسي، في سياق عاد فيه الاستقطاب بين أبناء المجتمع، كما أن الإبهار يعكس رغبة القيادات النهضوية في صناعة صورة الحزب القوي والمتمكن، حزب (الحمامة تحلّق عاليا)، في مقابل ضعف حزب النداء، وتشتت أتباعه".
رسائل مختلفة
وكان الإعلامي والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي؛ أجاب عن سؤال طرحته عليه "
عربي21"، السبت، عن جانب الإبهار الذي اعتمدته "النهضة" في افتتاح مؤتمرها، بقوله إن "النهضة، كسائر التنظيمات والحركات الإسلامية، تجند أجهزتها كي تبرز قوتها التنظيمية".
وأضاف الجورشي أن عنصر الإبهار في افتتاح مؤتمر "النهضة" حمل رسائل مختلفة للأطراف السياسية في البلاد، معتبرا أن الحركة "تريد أن توجه رسالة للجميع بأنها الأقوى، لكن في المقابل؛ رغم هذه القوة وهذا التنظيم القوي؛ فهي تلمح إلى القول بأنها متواضعة في مطالبها السياسية، وأنها لا تطمع في السيطرة على السلطة".
استفزاز للأحزاب
واستغرب النائب عن الجبهة الشعبية (يسار) عمار عمروسية، من الإمكانات التي رصدت لتنظيم المؤتمر العاشر لـ"النهضة"، متسائلا: "هذا مؤتمر حزب قياداته كانوا في السجون والمنافي.. ياخي شخدموا؟" (ماذا اشتغلوا؟).
وأضاف أن "هذا المؤتمر أكبر من اجتماعات حزب التجمع المنحل سابقا"، واصفا إياه بأنه "فضيحة، وفيه استفزاز للشعب وبقية
الأحزاب".
توافق الشكل مع المضمون
وعلق الإعلامي والمحلل السياسي زياد كريشان، الاثنين، في إذاعة "موزاييك" على تصريح عمروسية، بقوله إن من حق أي حزب أن ينجز مؤتمرا بمواصفات راقية جدا تبهر السياسيين وكل الأحزاب، معتبرا أن "ما قامت به النهضة ليس عيبا ولا استفزازا".
وأضاف كريشان أن عددا كبيرا من منتسبي "النهضة" يعملون في قطاع التجارة والأعمال منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي، "لذلك فلا غرابة في أن نرى مؤتمرا للحركة بتلك الفخامة والبهرج، فهم لا يبخلون على حزبهم بالمال"، مشددا على أن الأساس بالنسبة له؛ هو "ضرورة توافق الشكل مع المضمون وأن لا يكون المؤتمر العاشر للنهضة مجرّد استعراض للقوة فحسب".
مواصفات العالمية
وفي سياق متصل؛ نشرت صحيفة "الشروق" التونسية اليومية، الاثنين، مقالا بعنوان "من البذخ في التنظيم؛ إلى اليسر في التوافق.. النهضة تواصل استعراض عضلاتها"، قال فيه كاتبه عادل العوني، إن "أموالا طائلة أنفقتها الحركة على مؤتمرها العاشر؛ لا يقوى عليها أي حزب آخر، حتى أحزاب رجال الأعمال التي تشاركها الحكم (آفاق تونس)"، بحسب تعبيره.
وتابع: "قدرة كبيرة على التنظيم، ومكتب إعلامي ضخم العدد وعلى درجة عالية من الحرفية، فيما تفتقر بعض الأحزاب الممثلة في مجلس النواب إلى مكلف واحد بالإعلام (...) لكن هل نلوم المجتهد على اجتهاده؟ وهل نعاتب الغني على غناه؟ وهل نهاجم ذا الشعبية بسبب شعبيته؟".
وعلى غرار عدد من الإعلاميين التونسيين؛ لم يُخف المحامي والإعلامي فتحي المولدي انبهاره الشديد بمؤتمر "النهضة"، واصفا إياه في مداخلة له، الاثنين، على إذاعة "إي أف أم" بأنه "عظيم، ولا أحد يمكنه أن يشكك في المواصفات العالمية التي ميزت فعاليات الافتتاح وبقية الأشغال".
وقال إن ما أنجزته حركة النهضة "لا نراه إلا لدى الأحزاب الكبيرة في البلدان والديمقراطيات الغربية"، وفق تعبيره.