نشر موقع "ناشونال إنترست" تقريرا للكاتب ديفيد شنكر، قال فيه إن مساعدة
السعودية لمصر قد تكون الفرصة الأخيرة للسيسي لأن يفعل شيئا، ينقذ فيه
اقتصاد البلد من الانهيار التام.
ويقول الكاتب: "منذ زيارة الملك سلمان في بدايات نيسان/ أبريل إلى القاهرة كان الرئيس
المصري عبد الفتاح
السيسي مشغولا في الحد من الأضرار، واحتواء أزمة نتجت عن إعلانين متزامنين: بأن مصر ستنقل السيادة على جزيرتين من جزر البحر الأحمر للسعودية، وأن الرياض ستقدم للقاهرة رزمة اقتصادية ضخمة، وجعلت هذه الأخبار، بالإضافة إلى تقارير بأن الملك سلمان أهدى للمسؤولين المصريين الكبار ساعات (رولكس) فاخرة، الكثيرين يستنتجون بأن السيسي (باع) الجزر".
ويضيف شنكر: "كانت المشاهد سيئة، وأدت إلى أكبر مظاهرات شهدتها القاهرة منذ سنوات، حيث نادى الآلاف مرة ثانية بإسقاط النظام، لكن لم يتنبه الكثير لأهمية المنجية السعودية وسط التركيز الكبير على الجزيرتين، فلو وضعنا جانبا مبلغ 22 مليار دولار مساعدات، لوجدنا أن الاقتصاد المصري كان في طريقه إلى الانهيار التام".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "مصر واجهت تحديات اقتصادية لزمن طويل، لكن على مدى العامين الماضيين، منذ أن استولى السيسي على السلطة بانقلاب عسكري، تدهور الوضع بشكل ملحوظ، حيث سرع التدهور تراجع السياحة والدخل من قناة السويس، إضافة إلى التمرد الذي يقوده تنظيم الدولة، فكان الاقتصاد المصري وقوة إدارة السيسي واستقرار مصر كلها في حالة خطر، حيث تراجع الاحتياطي الأجنبي إلى مستويات خطرة، وبلغ معدل التضخم السنوي 9%، ووصلت البطالة لتشكل 13% والعجز في الميزانية إلى 12%".
ويستدرك الموقع بأن "السيسي بذل جهودا كبيرة لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، إلا أنه لم يعالج المشكلات الاقتصادية الهيكلية الأساسية، وأهم تلك المشكلات الدور الكبير الذي تؤديه المؤسسة العسكرية في النظام المالي، حيث إن الجيش يسيطر على 30% من الاقتصاد، بالإضافة إلى دعم السلع الضرورية والطاقة، الذي يشكل حوالي 20% من الميزانية، ورواتب 7 ملايين موظف في البيروقراطية المتضخمة للدولة، بالإضافة لخدمات الديون التي تشكل 80% من مصروفات الحكومة".
ويعلق الكاتب قائلا إن "ما يزيد الأمور تعقيدا هو ولادة طفل كل 19 ثانية، ما يشكل معدل نمو سنوي مقداره 2.6%، وهو ما يعني أن عدد سكان مصر مؤهل لأن يتضاعف لـ 180 مليونا عام 2050، ويعيش نصف المصريين تقريبا على أقل من دولارين في اليوم".
ويلفت التقرير إلى أن الوضع سيئ لدرجة أن رئيس الوزراء شريف اسماعيل اضطر لإصدار ملف صارم من 205 صفحات حول الوضع الاقتصادي في بلد اعتادت فيه الحكومة أن تتعمد الإنكار.
ويبين الموقع أنه "حتى مع استمرار الغضب بخصوص الجزيرتين، فإنه يمكن للأموال السعودية أن تساعد مصر السيسي في عكس المسار الحالي، حيث إن رزمة المساعدات تتألف من 20 مليار دولار ضمان لشراء مشاريع بترول سعودية، بالإضافة إلى تمويل لزيادة إمكانيات توليد الطاقة، ومليار ونصف لبدء مشاريع اقتصادية في سيناء، حيث ضرب تنظيم الدولة بجذوره هناك".
وينوه شنكر إلى أنه "لم يكن من الممكن لهذا التمويل، الذي يغطي خمس سنوات، أن يأتي في وقت أفضل، حيث إنه في عام 2015 اكتشفت شركة إيطالية ما يقدر بـ300 تريليون قدم مكعب من الغاز على بعد حوالي 100 ميل من الساحل المصري، وهذا الاكتشاف، الذي يقدر بـ 100 مليار، سيصل إلى مرحلة الإنتاج بعد سنتين أو ثلاث، ويمثل هدية للاقتصاد المصري، وحتى يبدأ إنتاج هذا الغاز تكون المساعدة السعودية قد غطت احتياجات القاهرة لجسر الهوة الكبيرة في التمويل".
ويفيد التقرير بأن "الأهم من ذلك، أن التمويل السعودي يوفر للسيسي فرصة للقيام أخيرا بإصلاحات هيكلية جادة، بما في ذلك رفع الضرائب على الأكثر ثراء في مصر، الذين يدفعون الآن نسبة هامشية لا تتعدى 22.5 %، وإدخال ضريبة القيمة المضافة، وضريبة مكاسب رأس المال، وتخفيض رواتب القطاع العام، وتبسيط قوانين الاستثمار، كما تقول الحكومة إنها ستخفض دعم الطاقة للفقراء بنسبة 43% العام القادم، ومع صعوبة زيادة الضرائب وتخفيض دعم الطاقة، إلا أنها ستساعد على زيادة الدعم للمواد الغذائية الأساسية للملايين من الفقراء، الذين يعانون من التضخم، وفي الوقت ذاته تخفيض عجز الميزانية".
ويستدرك الكاتب قائلا: "لكن للأسف، ليس من الواضح أن مصر ستستفيد من هذه الفرصة، حيث إن تطبيق هذه الإصلاحات يحتاج إلى رأس مال سياسي غير متوفر للسيسي، خاصة بعد تسليم الجزيرتين، وآخر مرة وصل للسيسي دعم كبير، كانت السعودية والإمارات والكويت قدمت له 20 مليار دولار في 2013، قام بتبديدها بدلا من اتخاذ قرارات صعبة تشكل فرصة للتغيير على المدى الطويل".
ويجد التقرير أنه "ينبغي على واشنطن وصندوق النقد الدولي، الذي ينوي إقراض مصر المليارات، ألا يسمحا للسيسي بأن يخسر فرصة أخرى، حيث إن القاهرة لديها تاريخ في تأجيل الإصلاحات الاقتصادية، لكن قد تكون النافذة على وشك الإغلاق، فالسعودية تواجه وضعا اقتصاديا متزعزعا، وهو ما يعني أنها قد لا تستطيع تقديم منحة أخرى بهذا الحجم".
ويختم "ناشونال إنترست" تقريره بالقول إنه "بالرغم من تراجع مكانة السيسي، فإن تحسينه لشبكة الكهرباء في 2015 قبل دخول الصيف شديد الحرارة، يعني أنه قادر، عندما يركز ويلتزم، على تطبيق سياسات معقدة، والإتيان بتغيير إيجابي، وفي الوقت الذي قد تتبدد فيه جدلية الجزيرتين، إلا أن مشكلات مصر الاقتصادية لن تنتهي حتى تتبنى القاهرة الإصلاحات".