نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافي تيم أرانغو من اسطنبول، حول
التفجيرات الأربعة الأخيرة التي وقعت يوم الثلاثاء الواحد بعد الآخر، حيث قال إنها قتلت عشرات الناس، وتركت دماء وإشلاء مبعثرة في كل مكان في الأسواق العامة.
ويضيف الكاتب: "إن كانت هذه التفجيرات، التي قتلت منذ الأربعاء الماضي 200 شخص، تبدو عادية لمتابع الأحداث في
العراق، إلا أنها لا تعني أن الوضع في
بغداد عادي، حيث إن تاريخ الأمريكيين في بغداد يشير إلى أنه يجب عدم الاستهانة بالتفجيرات الناجحة في بغداد".
ويورد التقرير أن "وجهة النظر الرسمية تقول إن التفجيرات هي علامة على تراجع
تنظيم الدولة، الذي يحمل بشدة ضد بغداد؛ بسبب خسارته أمام القوات العراقية والقوات الموالية لها والغارات الجوية التي تقودها أمريكا، ولذلك فهو (في وضع دفاع)، بحسب ما قال مبعوث أوباما الخاص بريت مكغيرك مؤخرا".
ويعلق أرانغو قائلا إن "هناك شيئا من الصحة في هذا الكلام، حيث إن تنظيم الدولة يخسر أراض في العراق وفي سوريا، وموجة التفجيرات الأخيرة في بغداد مأخوذة من الصفحة الأولى للتنظيم، عندما كان تنظيم القاعدة في العراق، ولكن ليست هذه نزعات التنظيم الأخيرة بعد".
ويضيف الكاتب أن "تنظيم الدولة سعى منذ البداية لشن حرب طائفية مقدسة، وأبدى استعداده لبذل الأرواح لترويع المواطنين
الشيعة والتحريض ضدهم، وكانت العاصمة بغداد بالنسبة للتنظيم أخصب أرضية لزراعة الخوف، ورأينا نتائج هذا النوع من العنف المحسوب من قبل".
وتشير الصحيفة إلى أن تنظيم القاعدة قام بحملة هجمات في العراق بين عامي 2006 و2007، تسببت في موت مئات الجنود والمارينز الأمريكيين وآلاف الشيعة العراقيين، لافتة إلى أن الخوف اليومي بين الشيعة أدى إلى سيطرة المليشيات، وإلى انتشار فرق الموت الشيعية في شوارع بغداد، ما غير ديمغرافية هذه المدينة ربما إلى الأبد.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الحرب الأهلية، التي اشتعلت، تسببت بتكريس الانقسامات الطائفية، ومكنت الزعماء الشيعة، مثل نوري المالكي، الذي سار بصفته رئيسا للوزراء على طريق إلغاء الوجود السني في المناصب العامة.
ويبين أرانغو أنه "تم تقطيع أوصال تنظيم القاعدة في العراق، ولم يتم تدميره وأعلن أوباما انتهاء الحرب الأمريكية في العراق عام 2011، وفي عام 2013 ضربت موجة مركزة أخرى من التفجيرات بغداد ومدنا أخرى، حيث كان هناك 50 هجوما في شهر واحد، وتزايد التذمر السني من الحكومة مع كل عملية إعدام دون محاكمة، وكل حملة اعتقالات جماعية، وعندما دخل تنظيم الدولة من الريف السني في 2014 كان كثير من العراقيين السنة مستعدين لمنحه فرصة، حيث رأوا في الجهاديين حلا محتملا لسنوات من الاعتداءات الشيعية".
وتذكر الصحيفة أن القوات الأمريكية جاءت على شكل آلاف الاستشاريين العسكريين وقوات العمليات الخاصة لقيادة الحرب على الأرض ضد تنظيم الدولة، حيث لم تنته الحرب عام 2011، وإنما بدأت مرحلة أخرى.
ويجد التقرير أن ما يثير الخوف هو أن العنف في بغداد سيغير ما تم تحقيقه، خاصة بعدما بدأ تنظيم الدولة بخسارة جزء من الأراضي التي يسيطر عليها في الأنبار وفي شرق سوريا، وبعد دعم الغرب لجهود رئيس الوزراء حيدر العبادي لضم السنة إلى الحكومة وقوات الأمن، مشيرا إلى أن تنظيم الدولة يقوم بما يتقنه جيدا، وهو قتل الشيعة في بغداد بالجملة، ما يقوي القيادات الشيعية المتطرفة، التي تستجيب لإيران، وتسعى لتعميق الانقسام مع السنة.
ويقول الكاتب إنه "من المهم أيضا أن نتذكر أن الوضع في بغداد والحرب على الأرض ضد تنظيم الدولة في المحافظات الأخرى مترابطان، حيث كانت ردة فعل القيادة الشيعية هي حماية بغداد، استجابة لدعوات ضحايا الإرهاب، وهذا في الغالب سيؤدي إلى دعوات لسحب وحدات من الجيش والأمن من الجبهة لتأمين العاصمة، ومن هذه الناحية، فإن التهديد الإرهابي المتنامي في بغداد قد يبدأ في وقف التطور الإيجابي في الوضع العسكري خارج المدينة، بما في ذلك الجهود لتوجيه هجمة نهائية لاستعادة الموصل، وهي المدينة الرئيسية في شمال العراق".
وتفيد الصحيفة بأن الناجين من التفجيرات هاجموا على مدى الأسبوع الماضي السياسيين، وقالوا إن على المليشيات حمايتهم، إن لم تتمكن الحكومة من ذلك.
وينقل التقرير عن فضل لطيف، البالغ من العمر 45 عاما، الذي يبيع الخضار والفاكهة في مدينة الصدر في شمال شرق بغداد، حيث وقعت التفجيرات الأسبوع الماضي، وتفجير آخر يوم الثلاثاء، قوله إنه رأى أربعة أشخاص يحترقون في سيارة، وأضاف أنه منظر أرعب أبناءه الصغار، وقال: "لا أدري متى يتوقف سفك الدماء هذا، إن كانت الحكومة لا تستطيع حمايتنا، فلتدع كتائب السلام تحمينا في شرق بغداد".
ويوضح أرانغو أن "الحديث مع سكان بغداد، الذين يذكرون موجات العنف السابقة، يظهر أولويات مختلفة عن التي ينادي بها المسؤولون الأمريكيون، فبالنسبة للشيعة الذين يعيشون في بغداد، فإن احتفال الأمريكيين بإخراج تنظيم الدولة من مكان، مثل الرمادي وتكريت، لا يعني إلا مقدمة للأعمال الإرهابية التي أصبحت مألوفة، وبعضهم يفضل أن يبقى تنطيم الدولة يحكم المناطق السنية إن كان ذلك يعني ترك بغداد لشأنها".
وتنوه الصحيفة إلى أن "الفترة التي اجتاح فيها تنظيم الدولة مدن شمال العراق، كانت من أهدأ الفترات التي شهدتها بغداد في العقد الماضي، حيث تمت إزالة الجدران الواقية وإزالة نقاط التفتيش، وانتهى منع التجول ليلا، الذي استمر لسنوات، ويبدو أن الجميع شعر بارتياح أكبر في الأماكن العامة".
وبحسب التقرير، فإنه عندما كانت تحصل هجمات فإنها كانت تحظى بشعور من الحداد الجماعي، الذي يفتقد عندما يكون العنف بالانتشار الذي حدث الأسبوع الماضي، لافتا إلى أن قائد السمفونية الوطنية العراقية كريم وصفي بدأ بالظهور في أماكن التفجيرات، وعزف التشيلو، وبدأ الناس بإشعال الشموع ووضع الزهور.
ويشير الكاتب إلى أن "تلك المظاهر من ردة الفعل تشبه ما يحصل في باريس أو بروكسل، حيث تعد الهجمات حدثا غير عادي في بلد كانت فيه التفجيرات في وقت من الأوقات حدثا روتينيا، لدرجة أن المتاجر التي كانت تصاب الصباح تقوم بفتح أبوابها في المساء، وما حصل هو أن الهجمات بدأت تبدو أمرا خارجا عن الطبيعي".
وتستدرك الصحيفة بأن التفجيرات عادت لتبدو عادية الآن، حيث قتل 80 شخصا في أربع مناطق مختلفة يوم الثلاثاء، وقتل حوالي 100 شخص الأربعاء الماضي، وعاد الشعور القديم المختلط، وهو الحزن والغضب واليأس، إلى شوراع بغداد.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن محمد سامي (32 عاما)، الذي نجا من تفجير السوق في مدينة الصدر، بمجرد جرح ليديه ورقبته، تساءل قائلا: "حتى متى سنبقى نعاني من هذا البؤس؟".