قال
جمال حشمت، عضو مجلس شورى "جماعة الإخوان المسلمين" (أعلى هيئة رقابية)، إنه "تأكد عزم كل الأطراف" داخل الجماعة على ضرورة "فصل الجانب الحزبي التنافسي عن الجانب الدعوي والتربوي"، و"سيُعلن هذا قريبا"، مشيرًا إلى أن هناك "سعيا لمراجعات كبرى، لكنها تحتاج إلى وقت، وإرادة، وتقديم الشباب".
وفي حوار حول الأزمة الداخلية للإخوان، أضاف "حشمت"، صاحب أحد مبادرات حلّها، إن الخلاف الداخلي داخل الجماعة "نخبوي" في المستويات العليا بها، وليس قواعدها، مؤكدًا وجود جهود لرأبه في أقرب وقت، مستبعدا في الوقت الحالي إعلان انشقاق بالجماعة التي تأسست عام 1928.
ودشّنت جماعة الإخوان "حزب الحرية والعدالة" عقب ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، وكانت اتهامات كثيرة توجّه للجماعة بهيمنتها على القرار داخل الحزب، الذي تم حله بقرار قضائي عقب إطاحة قادة الجيش
المصري، في 3 يوليو/ تموز 2013 بـ"محمد مرسي"، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد.
وشدّد "حشمت"، المقيم حاليا خارج مصر، على أن "الأزمة الحالية ليست بين تنظيم يبقى أو ينتهي أو مواجهة أو تراجع، بقدر ما هي محاولة جادة وحقيقية لتطوير الجماعة، وعودتها للرأي العام بشكل أفضل وأحسن من فتراتها السابقة، وقد عولجت الأخطاء، وتمت الاستفادة من الدروس السابقة في تاريخ الوطن والجماعة".
وحاليا، تشهد "جماعة الإخوان" خلافات داخلية، وصلت ذروتها خلال كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حول إدارة التنظيم، وشكل الثورة التي تنتهجها ضد السلطات المصرية الحالية، وصارت الأزمة يتزعمها تيار بقيادة "محمود عزت" القائم بأعمال مرشد الإخوان، وآخر يتزعمه "محمد منتصر"، المتحدث الإعلامي باسم الجماعة الذي عزله الأول مؤخرًا.
وقبل أسبوعين، طرحت "اللجنة الإدارية العليا للإخوان" (كانت معنية بإدارة شؤون الجماعة، ولها خلافات حالية مع جبهة عزت)، ما أسمته "خارطة طريق لإنهاء الخلاف"، تضمنت عدة نقاط تتمحور حول "إجراء انتخابات شاملة لهيئاتها، ورجوع طرفي الأزمة خطوة للوراء".
** متى بدأت أزمة جماعة الإخوان الداخلية بمصر؟ وما أسبابها؟
- أولا: لابدّ أن يعي الرأي العام أن جماعة الإخوان التي نتحدث عنها الآن، تسعى لتبنّي الشكل الديمقراطي الشُوري، داخل آليات عملها الداخلي، رغم أن أزمتها الكبيرة ضد
انقلاب (في إشارة إلى الإطاحة بمرسي) لم يتورّع عن حظرها وقتل عدد من قياداتها، وسجن آلاف آخرين منهم ومن كوادرها وأنصارها، بشكل خاص، فضلا عن إنهاك وتدمير شامل لكل مقدّرات مصر، والأمر الأهم، أنه إذا نجحت مصر في حل أزمتها الكبرى مع هذا الانقلاب، فقد نجح كل من فيها بما فيهم الإخوان، في حل أي أزمة طارئة.
ثانيا: هذه الأزمة متعلقة بالإدارة والرؤية لواقع الأزمة الأكبر، مع نظام انقلابي فاشل (حسب تعبيره)، لم تجن مصر منه إلا كلّ خسارة، وبدأت مع اعتقال القيادات، والملاحقة والمطاردة لآخرين، مما شكّل فراغًا إداريًا، عقب فض اعتصام رابعة (في 14 آب/ أغسطس 2013)، وتمت محاولات مستمرة في الداخل والخارج لتجاوز أي خلاف، ورغم أن ضربات الأمن كانت أشدّ، إلا أن محاولات رأب أي فراغ أو خلاف، شديدة أيضا.
** ما حجم تلك الأزمة داخليا وآخر تداعياتها لا سيما مع أطروحات عديدة آخرها "خارطة طريق" لحلها؟
- حجم تلك الأزمة، نستطيع أن نقول إنه نخبوي، يمسّ الهيئات الإدارية العليا (للجماعة) في الداخل والخارج، وفي الوقت ذاته لا يمكن غض الطرف عن تداعياتها الداخلية التي تمسّ جموع صفوف الإخوان، سواء داخل السجون أم خارجها، داخل مصر أم بالخارج، وفي كل الأحوال ستبقى الأزمة، أزمة لن نستطع أن نضخّمها؛ فنقول إنها نهاية الجماعة، أو نقلل من حجمها وتوتراتها.
وهنا لا بد أن نذكّر أن جماعة الإخوان منشأها الأساسي كان قائمًا ولا يزال في كثير من الأحيان على ترابط قيمي وفكري وتكافلي وإنساني داخل مصر وخارجها، لا شك أخطأت الجماعة في بعض من قراراتها وخطواتها، لكن الإقرار بالخطأ والاعتراف مهم، وقد عبّر عن ذلك كثير من القيادات، وأعتقد أنه لا بد من إقرانه باعتراف وإقرار من باقي التيارات والمؤسسات والشخصيات (لم يسمها) التي ارتكبت خطأ بحق الوطن أيضًا، وتجاوزته إلى جرائم في حق الضمير الإنساني، وحق الإنسان السياسي والاجتماعي.
وبالتالي، فإنه سيبقى حجم أزمة الإخوان بين مدّ وجزر، وتداعياتها مستمرة بكل وضوح داخل صفوف الجماعة، لكن الأمر الأبرز الذي يجب أن يعيه الجميع، الرأي العام من معارضين لنا أو مؤيدين أو الصف الإخواني عامة، أن خطوات حلّ الأزمة ستبقى مستمرة، وأنها ليست مرتبطة بشخص، أيا كان مقامه، أو بمصالح ضيقة أو بتغييب وقائع أو تجريح أو تشويه ليس من أخلاقنا.
** الأسبوع الماضي، استقال مسؤول بارز بالإخوان، هل ستساعد هذه الخطوة في حل الأزمة الداخلية لا سيما أنه أحد أطرافها؟
- لعلك تشير هنا إلى خطوة الدكتور محمد كمال عضو مكتب الإرشاد (أعلى هيئة تنفيذية)، وبعيدا عن المسميات والشكل الذي تم، وقبول طرفٍ من عدمه بهذه الخطوة، إلا أننا بوضوح نحتاج كجماعة إلى تجديد دماء القيادات، بروح وعقول شبابية، لا تأخذ السنّ معيارًا، وبالتالي أي خطوة من شأنها أن تحلّ الأزمة الداخلية، مرحّب بها، ويجب أن تنظر لها الجماعة بإيجابية، وليس بروح المكايدة والتمسك بآليات محل نظر واختلاف أو لوائح ليست مقدسة، وما ينفع منها لوقت ما ربما لا يصلح لوقت آخر.
** هل ستدفع الأزمة الداخلية بالجماعة أحد أطرافها لقبول تهدئة مع النظام مستقبلا؟
- ليس هناك عاقل يقول إن انقلابًا ينهار اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، يجب أن نعطي له أملًا في البقاء؛ فهذا إجرام، ولا أتصور أن هناك عاقلا داخل الجماعة يمكن أن يعقد صفقة مع هذا الانقلاب، وبالتالي المستقبل يحمل انتهاء هذا النظام الانقلابي وكل صوره الفاسدة التي أضرت بحاضر مصر ومستقبلها.
** تعددت المبادرات التي تم طرحها لحل الأزمة الداخلية بينها مبادرة لكم.. فهل يمكن أن تعرفنا بأبرز هذه المبادرات ومصيرها؟
- المبادرات العديدة التي قدمت من قيادات بالجماعة، ومن علماء أجلاء على رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي، كانت حريصة على لمّ شمل الصف الإخواني في محنته الحالية، ولا تزال هناك جهود مستمرة من أجل إتمام خارطة لإنجاح التوافق الداخلي رغم عقباته الكئود، وخلافاته، والأطروحات، والحجج والأدلة التي يمتلكها كل طرف أصيل بالأزمة، ونسأل الله أن يكون قريبًا.
أما عن مصير تلك المبادرات، فيسأل فيه كل من كان سببًا في إطالة أمد الخلاف الداخلي، وهنا يجب أن نعلي من الضمير والمصلحة العليا، وإبداء مرونة؛ لأنني أثق أن روابط الإخوة والقيم والفكرة، إن حافظنا عليها، أكبر من تلك الأزمات الطارئة التي نأمل أن تنتهي قريبا كما قلنا سالفا.
** هل ترى أن عدم وجود كاريزما قيادية داخل الاخوان مثل "خيرت الشاطر"، نائب مرشد الإخوان، سببًا فيما آلت إليه الجماعة؟
- بعيدا عن الأسماء، وتأثيراتها، سلبًا أو إيجابًا، إلا أننا وبكل وضوح في تاريخ الجماعة في السنوات الأخيرة قبل الثورة (ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011)، وبعدها، لدينا أزمة في القيادة، وهذا ليس عيبًا، وفي ظل أزمتنا الحالية منذ انقلاب 3 يوليو (تموز) 2013، فإن الأزمة أكبر، في ظل فراغ إداري كبير.
لكن ما نؤكده أن ميادين الثورة أخرجت قيادات وكوادر، نأمل أن يكونوا عنوانًا جيدًا لمستقبل هذه الجماعة.
** البعض يرى أن التمسك بتنظيم إخوان مصر، والحفاظ عليه من التفكك كان جزءً من أزمة الجماعة منذ فترة.. هل هذا صحيح ولماذا؟
- لاشك أن التمسك بالتنظيم وكأنه صنم، كان جزءًا من أزمة سابقة وحالية بالجماعة، لكن علينا أن نعترف أنه يحتاج تطويرًا ومؤسسية ومحاسبة وضخ قيادات شبابية في كافة هياكله، وفي السياق نفسه نؤكد أن هذا ليس عدوانًا على تنظيم لجماعة تجاوزت الثمانين من عمرها، ففي الوقت الذي نحتاج فيه لتواجد الهيكل، كتنظيم شعبي قوي دعويًا وخيريًا له رؤية وطنية، نحتاج لتحرر العقول من فوبيا أن التنظيم سيهدم وينتهي حال التفريط فيه؛ لأن هذا سيكون مانعًا لأي تغيير جاد وحقيقي.
وبالتالي، فإننا نعي أن الأزمة الحالية ليست بين تنظيم يبقى أو ينتهي أو مواجهة أو تراجع، بقدر ما هي محاولة جادة وحقيقية لتطوير الجماعة، وعودتها للرأي العام أفضل وأحسن من فتراتها السابقة، وقد عُولجت الأخطاء، وتمت الاستفادة من الدروس السابقة في تاريخ الوطن والجماعة، وقد تأكد عزم كل الأطراف على ضرورة فصل (الجانب) الحزبي التنافسي، عن الدعوي والتربوي، وسيعلن هذا قريبا إن شاء الله.
** هل تعتقد أن جماعة الإخوان في مصر آن لها أن تتحرك في إطار مراجعات كبرى تمس تنظيمها وحراكها الحالي؟
- بالطبع لا بد من مراجعات كبرى، وقد بدأنا بعضها على المستوى السياسي، لكن نحتاج بدايةً تنظيمًا راشدًا، يقوي الحراك الرافض للانقلاب في سبيل نصرة مطالب المصريين، وإسقاط نظام انقلابي، بالمشاركة مع كل حر بالوطن، الذي دفع فيه الجميع الثمن سواء كان مؤيدًا أم معارضًا.
والمراجعات الكبرى تحتاج مبادرات أكبر، وظروفا، وسياقات هامة، لكن سيأتي هذا اليوم، ولا بد أن ترى الجماعة مراجعات جذرية حقيقية، وهذا ليس تقليلا من تضحياتها ولا صمود أبنائها.
والمراجعات لا يجب أن تمس الإخوان فقط؛ فالتيار اليساري لا بد أن يتحرك شبابه، وكذلك باقي التيارات العلمانية بمصر، تحتاج لمراجعات كبرى، فقد آن أن ينتهي عصر من دمّر وخرّب تلك التنظيمات أيا كانت إسلامية أو علمانية.
** مرشد محبوس وقائم بالأعمال مختف.. كيف ترى غياب القيادة في أزمة الإخوان؟
- نحن كإخوان ليس بيننا من يضمر شرًا أو حقدًا، لكننا هنا نقر بحقوق أن غياب المرشد سجنًا أو اختفاءً هو جزء من أزمة حالية بالجماعة، وأيا كانت مبررات الوضع الأمني وخلافه، إلا أننا نؤمن جميعًا أنه لا بد أن يكون هناك وعي ومسؤولية وترفّع عن مصالح ضيقة أو تصورات تنظيمية عقيمة، في سبيل إتمام هذه الوحدة الداخلية.
إن الجماعة لن تدار بالتحقيقات أو العقوبات الإدارية التي تأتي في ظروف أمنية صعبة، ولن تدار بالتسريبات والشتائم، ولكن بحوار حقيقي داخلي، ولا تزال هناك فرصة لإتمام الوحدة الداخلية في صفوفها.
** ما أفق حل الأزمة الداخلية أم أنها بلا حل؟
- لا نستطيع أن نقول إن هناك أزمة بلا حل، فبالطبع هناك حلول، وهناك أفق لأزمتنا الداخلية، لكن الوقت جزء من العلاج.
** جماعة تقول إنها تواجه حظرا ثم اعتقالات وملاحقات.. ألا ترى أن النظام الحالي هو المستفيد من أزمتها؟
- بالطبع الانقلاب مستفيد من أزمة الإخوان، لكن ما يجب أن نقر به، هو أننا ما زلنا نناهضه في الداخل والخارج. وفي كل الأحوال، جماعة استمرت 3 سنوات ولم تنته، رغم كل تلك التضحيات والأزمات، هذه علامة صمود، يجب أن يُلفت النظر لها، بل أن تتم دراستها بشكل عميق.
** لماذا يرى البعض أن سبب أزمة الإخوان أنها مخترقة أو أنه صراع على أموال ومناصب؟
- في عهد الانقلابات والأزمات التي تواجه الجماعات والمنظمات، ستسمع مثل هذا الكلام كثيرا، لكن نحن قدّمنا تفسيرًا واضحًا لأزمة الإخوان، ومحاولة أخد النقاش لتلك الاتهامات لن يفيد كثيرًا، وأربأ بالجميع أن ننتقل من مربع إيجاد تغيير حقيقي داخل الجماعة إلى نقاشات تفرغ المطالب من مضمونها وتشحن النفوس، وفي النهاية قد لا تصح.
** جماعة الإخوان شهدت في أربعينات القرن الماضي انشقاق ما عرف، آنذاك، بـ"جبهة شباب محمد".. فهل تنتظر انشقاقا جديدا؟
- أدعو كل من يخوض من أجل التغيير، ألا يترك مكانه في الجماعة التي قلنا إنها في أزمة نسعى لحلها.
وأعتقد أن الوقت الحالي، لن يشهد حدوث انشقاق حقيقي إلا إذا تهور طرف بإجراءات عقابية مثل الفصل، وهو لا يحق له في هذه الظروف الضاغطة، ولا حل سوى الحوار المتبادل، واتساع الصدور للسماع والمناقشة لتقليل فرص اللجوء للسوشيال ميديا.
** البعض يتعجب: لماذا تدعون لانتخابات وأنتم ملاحقون؟
- أولا هذا يدل على رسوخ هذه الجماعة وانتشارها طولا وعرضا في ربوع مصر، ومحاولات المراجعة ومناسبة شكل وموضوع العمل داخل الجماعة وارتباطه بالواقع، لا بد له من آلية تتسم بالشفافية والشورى، وهناك إصرار على إجراء انتخابات جديدة داخل تنظيم الإخوان، وهذا يحسب لصالح الجماعة رغم أزمتها.
** جماعة الإخوان.. هل بهذه الأزمة تكتب نهايتها برأيك؟
- نسأل الله ألا يتم ذلك، وهذا يكون من خلال آليات وليس أمنيات، من خلال إجراءات حقيقية، وتطوير مؤسسي وفكري حقيقي، ونأمل بوجود الحراك الشبابي في أن تعود "الإخوان" للمجتمع والرأي العام المصري وتبث روحًا جديدة بالفعل تحتاج إليها البلاد.