جاءت استقالة محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد بجماعة
الإخوان المسلمين في
مصر، الأسبوع الماضي، من كافة التشكيلات الإدارية بالجماعة، وعدم ترشحه لأي موقع تنفيذي مستقبلا، لتفتح الباب نحو انفراجة في أزمة الجماعة الداخلية، وخاصة بعد دعوته جميع قيادات الإخوان إلى اتخاذ إجراء مشابه، ومطالبته بدعم انتخاب قيادات شابة جديدة، حيث طالب الجميع بالالتزام بما أسماه "خارطة الطريق".
الكيان الداخلي لجماعة الإخوان المسلمين كان قد اهتز على مدار عام كامل، وبالتحديد في شهر أيار/ مايو 2015، بعد خلاف دب بين اللجنة الإدارية العليا للجماعة أو ما يسمى بـ"القيادات الشابة"، في مواجهة الجبهة المعروفة إعلاميا بـ"القيادة التاريخية" التي يتزعمها القائم بأعمال المرشد العام محمود عزت، وذلك على خلفية تباين وجهات النظر بشأن مسار مواجهة سلطة الانقلاب وشرعية القيادة، وهي الأزمة التي سببت انقساما بين أعضاء الجماعة حول دور القيادات. فالبعض يراها نموذجا "طيبا" في ظل الظروف الحالية، فيما يراها البعض الآخر سببا في "المحنة" ويجب تنحيتهم لكي يتصدر
الشباب المشهد، فيما يرى فريق ثالث أنها محاولة لم تنجح لشق صف الجماعة.
"فتنة وُئِدت ودماءٌ عُصمت"
وحول ذلك يقول (م.ع)، أحد شباب الجماعة: "شباب الإخوان، خاصة المنخرطون في التنظيم، فطناء لمحاولات إحداث شرخ بين القيادة والقاعدة، والتململ يأتي أغلبه من الأنصار والمحبين، وذلك أمر طبيعي يتفهمه كثير من شباب الإخوان في ضوء كم الإجرام غير المسبوق في حق أبناء ثورة (25 يناير) عامة وأعضاء الجماعة خاصة، كما لوحظ كفران كثير من شباب الجماعة بالمنهج السلمي، لكن تدخل القيادات لكظم الغيظ حال دون دخول البلاد في حمام دم".
ويضيف (م.ع)، المدرس في محافظة الشرقية، رافضا تحميل محمود عزت وحده مسؤولية ما حدث من إخفاق ثم خلاف: "عزت لم يكن وحده في صناعة القرار، فالقيادات الموجودة في السجون مشاركة في النجاحات والإخفاقات، من المرشد للرئيس
مرسي والقيادات الشبابية، فالنصر له آباء كُثُر والهزيمة يتيمة لا أب لها، وحجم المؤامرة كبير وأطيافها دولية وإقليمية ومحلية"، بحسب تعبيره.
واستطلعت "
عربي 21" آراء عدد من شباب الجماعة حول القضية، مع الاحتفاظ بأسمائهم لدواعٍ أمنية. كما استشهدت برأي الكاتب الصحفي حازم غراب، رئيس فضائية "مصر 25" أول قناة للجماعة في مصر وأغلقتها سلطات الانقلاب العسكري منتصف 2013، وكانت الإجابات حول المشهد بشكل عام كالتالي:
كيف يقيم شباب الإخوان أداء قادتهم ممن هم خارج المعتقلات؟
يرى أحد شباب الجماعة (أ.غ) من محافظة بني سويف بصعيد مصر، أن الشباب منقسم تجاه هذا الأمر إلى قسمين، أحدهما يرى في قياداتهم البطولة والثبات على المبادئ والقيم التي ربوهم عليها، من صبر على الشدائد وتحمل المحن وتقبلها بقلب راض مطمئن انتظارا للفرج ووعد الله بالنصر والتمكين، وقسم آخر يرى فيهم سببا في المحنة التي هم فيها الآن، وعليهم التنحي لفشلهم في قيادة المرحلة السابقة.
أما (ع.ع)، أحد قيادات الصف الثاني في إخوان مصر، فيفسر ما حدث من خلاف بين قيادات الجماعة، بأنه نتيجة لضغط المحنة والأزمة التى حدثت. وقال: "كان من الطبيعي اختلاف الآراء حول القيادة ودورها فيما حدث من إخفاقات، وهل كان بإمكانهم تفادي الكارثة أو التخفيف منها؟ لكن في المجمل كان الخلاف أمرا سيئا وصادما للإخوان"، وفق تقديره.
ويرى حازم غراب أن "الإخوان يختلفون فيما بينهم كأي كيانات منظمة، وأن التنظيم الإخواني يتميز بندرة أزماته الداخلية وبقدرته الفائقة على تجاوز الأزمات دونما خسائر من شأنها إحداث شروخ أو انهيارات". وأضاف: "ليس من المبالغة القول إن التنظيم يخرج أكثر قوة وعافية وتماسكا بعد أزماته المعدودة على مر تاريخه"، بحسب تعبيره.
هل استقالة القيادي محمد كمال ودعوته القيادات التاريخية للتنحي، يعد انفراجة في أزمة الإخوان الداخلية؟
(أ.غ) بدا متشائما بقوله: "لا أعتقد ذلك، لأن الفريق الآخر المتمثل في القيادات التاريخية للجماعة (إبراهيم منير ومحمود عزت ومحمود حسين) ليس لديهم استعداد قيد أنملة لترك أماكنهم؛ لأنهم يرون الشرعية في جانبهم، وأنهم منتخبون ومكلفون بالحفاظ على كيان الجماعة، وأي تنازل أو تنحي من المكان سيؤدي لانحراف الجماعة عن مسارها وقد تدخل مرحلة العنف وحمل السلاح ضد مؤسسات الدولة، وهو ما تعتبره انحرافا عن المنهج السلمي الذي ارتضته الجماعة وأعلنت تمسكها به في أكثر من موضع".
أما (ع.ع) فيرى أن استقالة محمد كمال خطوة مهمة نحو انفراج الأزمة الداخلية للجماعة، ورأى أن طرحه "خارطة طريق" هو من حقه، سواء كان داخل الجماعة أو خارجها، لكنه اعتبر في المقابل أن دعوة كمال لاستقالة القيادة التاريخية للجماعة "ليس من حقه لأن ذلك يخضع لرأى الإخوان ولاختياراتهم".
لكن غراب يعلق على استقالة محمد كمال بقوله: "إدارة التنظيمات الحزبية أو الحركية الدعوية فيما أرى لا تكون عبر الميديا والـ"الشو" الإعلامي". ورأى أن "استقالة فلان أو علان لا قيمة لها، ويجب ألا تكون ذات قيمة إن تعمد صاحبها ترويجها كالبضاعة البائرة".
وقال غراب إن "الانتخابات الدورية داخل الجماعة كانت وستظل طوال عمر الحركة الإسلامية الإخوانية هي ما تفرز قياداتها، والاستثناءات على ذلك تكاد تكون معدومة"، كما قال.
هل أثرت أزمة عام كامل على الثقة بالقيادات خارج المعتقلات؟
(أ.غ) بدا منفعلا، وقال: "أنا شخصيا بت غير مقتنع بالمشهد برمته بعيدا عن التفصيل".
ويقول (ع.ع) وقد غطت علامات الحزن وجهه، "لأننا نقدر وقع المحنة وما يمكن أن تتسبب فيه من اختلافات فى وجهات النظر، ونقدر وندرك ما يمكن أن تسببه محنة وأزمة بهذا الحجم، إلا أن الأزمة أحزنتني وآلامتني وذبحتني أكثر من قضية الثقة فى حد ذاتها، ولم نتوقع أن يصل الأمر إلى ما يمكن أن نسميه تصارع القيادات، ما تسبب فى إعاقة الثورة والعمل الثوري وإطالة زمن الأزمة وسقوط شهداء ومعتقلين وتضحيات بسبب هذا الهبل"، على حد وصفه.
ويعلق حازم غراب، حول الثقة بالقيادات، قائلا إنها تنبني على عدة معطيات من أهمها: كيف وصلت تلك القيادات لمواقعها القيادية؟ وقياس وتقييم أداء كل قيادي ماضيا وحاضرا، مع الأخذ في الاعتبار ما يحيط بكل قيادي من عراقيل وعوائق وأزمات، مشيرا إلى أن "قيادات الإخوان تصيب وتخطئ، والأمر المؤكد عند الغالبية العظمى من الصف الإخواني أن مناصب القيادة ليست مغنما يتصارع عليه المتنافسون، والانتخابات الدورية أو الاستثنائية الشرعية كفيلة بإزاحة طبيعية وسلسة لأي قيادات يثبت عدم كفاءتها أو تقصيرها أو فقدانها الثقة والاعتبار".
كيف تقيم تراجع اللجنة الإدارية العليا للجماعة عن المشهد، وتمسك القيادات التاريخية بمواقعها؟
يرى (ع.ع) أن "اللجنة الإدارية العليا تم تشكيلها (كما قيل) لإدارة العمل في مرحلة ما من وجهة نظر من شكلوها، فإذا ما وُجد الأصل أصبح لا دور لها، وكان يجب أن تحل نفسها بنفسها حتى لا يحدث هذا الشقاق البغيض الذي أساء لصورة الإخوان في الداخل والخارج وأثر بالسلب في نفوس الشباب وأساء للثورة، ولم يحترم أطرافه دماء الشهداء ومعاناة المعتقلين وأسرهم والأعراض المغتصبة".
أما بالنسبة لقضية القيادات التاريخية، فيقول (ع.ع): "أنا لا أعترف بهذه المسميات والمصطلحات، فالشورى الصحيحة التي لا يتم التأثير عليها في الممارسة بين جميع الإخوان وعلى جميع المستويات هي التي تأتي بالقيادات، سواء كانت قيادات تاريخية (حسب زعم البعض) أو قيادات شابة، صقورا أم حمائم، فالإخوان يختارون ويمارسون الشورى ويتحملون مسؤوليات اختياراتهم وممارساتهم"، وفق قوله.
وحذر من تأثير الضغط الإعلامي والمصطلحات التي يطلقها الإعلام على القيادات قائلا: "من نسي قديمه تاه". وتابع متسائلا: "هل يجب أن نضع القيادات التاريخية فى المتحف مثلا؟! وهل إذا كانت تجربة الإخوان في الحكم قد نجحت وفلتت من المؤامرات الداخلية والخارجية؛ كان يستطيع أحد أن يطرح مثل هذه التساؤلا... ولا لما البقرة بتقع تكتر سكاكينها".
أثيرت أحاديث حول اعتراض القيادة الشبابية حول تصرف القيادات التاريخية في أموال الجماعة، كيف ترى الأمر؟
يعلق (أ.غ) قائلا: "أنا شخصيا غير منشغل بهذا الأمر، ولديّ حوله معلومات ولا أحب الخوض فيه". وعلى النقيض، يقول (ع.ع): "كلمة أثيرت فعل مبني للمجهول.. لا نعرف الذي أثارها وما هي الأدلة على ما أثير".
من جانبه رفض حازم غراب أي تشكيك في الذمم المالية أو السلوك الإنفاقي لقيادات الإخوان، قائلا إن التشكيك "لا ينبع إلا من أشخاص لا يعرفون ثوابت العمل الإخواني أو يسيئون عامدين فهم بعض التصرفات دون قدرة على التثبت أو الإثبات"، معتبرا أن "القيادات الإخوانية عادة فوق مستوى الشبهات، وذلك بفضل التربية وجماعية الأداء وشفافيته. ومع ذلك فمن يثبت في حقه أو حقهم خيانة الأمانة في الصرف أو التصرفات المالية بعد تحقيق نزيه لا بد أن يبتر فورا.
وتابع مستدركا: "على حد علمي، طيلة ملاحظتي ومراقبتي الكيان التنظيمي كصحفي عن كثب نحو 40 سنة؛ لم يبلغني حالة واحدة من هذا الصنف".
هل هناك شخص ما ترى أنه يصلح لقيادة الجماعة في هذه الظروف التاريخية؟ وما هي مواصفاته؟
"للأسف لا يوجد الشخص المناسب"، هكذا يعبر (أ.غ) عن تشاؤمه، لكنه يوضح أن المواصفات لا خلاف عليها. ويقول: "في ظني أن الفصل بين العمل الدعوي والسياسي بات أمرا ملحا في المهشد الإخواني، حتى تتاح الفرصة لخروج شخصية مثل أردوغان لتشكيل حزب سياسي جديد بروح شابة ودماء جديدة بعيدا عن الإخوان، يجمع شخصيات من كل التيارات ذات التوجه الإسلامي الرافضة للانقلاب وحكم العسكر، ساعتها يمكن أن نقول أن بداية صحيحة على الطريق قد بدأت"، وفق قوله.
أما (ع.ع) فرفض تحميل شخص واحد المسؤولية مهما كانت إمكانياته، قائلا: "إن جماعة بحجم الإخوان وأزمة بهذا الحجم وظرف أمني غير مسبوق ومؤامرة عالمية وإقليمية ومحلية لا يمكن أن يتحملها فرد واحد، إذ لا بد من عمل مؤسسي ولا ينتج المؤسسات إلا ممارسة شورية صحيحة". لكنه عاد ليتساءل حول إمكانية إجراء انتخابات صحيحة في ظل هذا الوضع الأمني غير المسبوق في مصر.
ويذهب غراب إلى القول إن "قيادة المؤسسات والكيانات الصغيرة والكبيرة في عالم اليوم لم تعد أبدا تعتمد على فرد مهما كانت درجة عبقريته أو كارزميته".
هل تفضل تواجد قيادات الجماعة بالداخل أم بالخارج؟
"الداخل لا بد أن تتم قيادته من الداخل بقيادات شابة واعدة تسلك طريق العمل الثوري بأدواتها بعيدا عن أدبيات الجماعة القديمة، والتي قد لا تكون مناسبة في الوقت الراهن، وعلى الخارج أن يقدم فقط الدعم الإعلامي والمادي والخططي والاستراتيجي، لكن تظل توقيتات التنفيذ والتحركات على الأرض وأدوات التنفيذ من شأن الداخل"، هذا ما يراه (أ.غ). وهو ما يؤيده فيه (ع.ع) الذي تساءل في المقابل عن إمكانية تحقيق ذلك.
أما حازم غراب فيرى أنه لا فرق بين الأماكن التي تمارس منها القيادات واجباتها، مشيرا إلى أن "المعلوماتية المتجددة المنتظمة السريعة أضحت في متناول أي قيادة، لا سيما في واقعنا السيبراني أو الإليكتروني الإنترنتي". ويضيف: "من المناسب هنا أيضا الإشارة إلى سهولة ممارسة آليات الشورى والتشاور عن بعد بفضل الأمان النسبي في التواصل والتداول والنقاش عبر الفضاء الإلكتروني".
ماذا عن استمرار الحراك الثوري وتقارب شباب الجماعة مع باقي القوى الثورية التي بدأت تنشط؟
يرى (أ.غ) أن رهان نجاح الثورة في استعادة الدولة من العسكر مرهون بالتقارب مع بقية القوى الثورية. ويقول: "لا بد من العودة لروح 25 يناير2011، ولا بد أن يدرك الجميع أن مصر لن يقودها فصيل واحد، لذلك من الأهمية بمكان أن تعلن جماعة الإخوان الآن تركها العمل السياسي وعودتها للعمل الدعوي وفقط، وتترك خيار العمل السياسي لشبابها هم من يحدد المسار ويختار الطريق"، وفق رأيه.
لكن (ع.ع) يرى أن "التقارب مع القوى الثورية كالدواء المر يتعاطاه الإنسان مضطرا.. فكلهم خانوك يا قيصر. وفيما يؤكد أن استمرار الحراك الثوري لا بد منه، يعبر عن اعتقاده بأن هذا الاستمرار صنعه الإخوان وليس لأحد غيرهم من القوى الثورية دور فيه خلال ثلاث سنوات مضت، كما يقول.
ما رأيك فيما طرحه القيادي يوسف ندا من حديث حول استعداده للقيام بدور للمصالحة مع النظام؟
"يوسف ندا من القيادات التاريخية لجماعة الإخوان التي يجب أن تعلن تنحيها عن المشهد وترك الأمر للشباب ليحددوا هم ماذا يريدون، وكيف يصلون لتحقيق أهدافهم"، هكذا يجيب (أ.غ).
أما (ع.ع) فيقول إن "المصالحة أمر مطلوب للخروج من الأزمة سواء من يوسف ندا أو من غيره، لكن يبقى السؤال ما هي شروط المصالحة و كيف تتم؟ (الشهداء والمعتقلين والأعراض ... الخ)".
ويتابع متسائلا: "لكن ما هي رغبة النظام الانقلابي؟ وهل يريد المصالحة أم لا؟ وهل طلب النظام الانقلابي ذلك أم هذه الدعوات رغبات لأصحابها؟".
حازم غراب من جانبه؛ يرى أن المحاسبة والقصاص والاعتذار شرط للمصالحة، لا سيما مع من "قتلوا وحرقوا واعتقلوا وشجعوا وصفقوا وشمتوا".
هل تراجع اهتمامك بقضية شرعية الرئيس مرسي الآن وبعد 1000 يوم من الانقلاب؟
يقول (أ.غ) إن "الوضع الآن في مصر أصبح أكبر بكثير جدا من أن نتكلم عن شرعية رئيس منتخب، فمصر مختطفة من قبل العسكر واستعادتها منهم ليس بالسهل الممكن؛ ما لم يعد ثوار 25 يناير إلى نقطة البداية وينظموا صفوفهم من جديد".
وفي المقابل، يؤكد (ع.ع) أنه "لم يتراجع أبدا اهتمامي بشرعية الرئيس مرسي، بل يزداد لأن عودة الشرعية ومرسي هي الحل والمخرج من كل الكوارث التي سببها الانقلاب سواء على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي".
ويدافع حازم غراب عن شرعية مرسي، قائلا: "لا ولن تنتقص منها قيد أنملة الأيام والليالي والسنون. إنها ببساطة إرادة شعبية جاءت بطريقة ووسائل منضبطة محددة، ولا تزول إلا بنفس الوسائل، أي صناديق الانتخابات الحرة النزيهة".