دخلت
مصر في أزمة تلوث جديدة تهدد الصحة العامة، لكنها طالت هذه المرة مياه الشرب الصحية المعبأة والتي تباع في المحلات والأسواق بشكل تجاري، وهي الملاذ الأخير للمصريين من مياه الشرب الملوثة، ليصبح المصريون بذلك دون أي مهرب من تناول الطعام والشراب الفاسد.
وتأتي أزمة مياه الصحة الملوثة في مصر في الوقت الذي يعاني فيه المصريون أصلاً من تلوث مياه نهر النيل وهبوطها إلى أدنى مستوى منذ 45 عاماً، إضافة إلى تلوث العديد من الأطعمة والأشربة والبيئة العامة في البلاد.
وأصدرت وزارة الصحة المصرية تحذيراً مساء الأربعاء من المياه المعدنية المعبأة والتي تحمل علامات أكبر وأشهر ثلاث شركات عاملة بهذا المجال في مصر، وقالت الوزارة إن عبواتها تحتوي على "مرض قاتل".
وتطال الأزمة الجديدة مياه الشرب المعبأة والتي تحمل العلامات التجارية الثلاث الأشهر في مصر: "نستله وبركة وأكوافينا"، فيما حذرت السلطات الصحية في مصر من تناول عبواتها، وتقوم الآن برصد منتجاتها ومصادرتها من الأسواق، وهو ما يعني انتقال أزمة مياه الشرب إلى ملعب الأغنياء أيضا لأول مرة.
وتأتي الأزمة الجديدة وسط ما يعيشه المصريون من صعوبة الحصول على قطرة مياه نظيفة، في ظل تلوث مياه الشرب واختلاطها بمياه الصرف الصحي في مناطق كثيرة بدلتا النيل والتي وطنت عدداً من الأمراض المزمنة والمستعصية في أجساد ملايين المصريين، كما تأتي في ظل أزمة سد النهضة الذي يهدد زراعة الأرض وحياة السكان.
أنصار السيسي في أزمة!
وبرغم أن الأغنياء والطبقة الوسطى في مصر "رجال الأعمال، وضباط الجيش والشرطة، ورجال القضاء، والإعلام.. إلخ" –معظمهم من مؤيدي الانقلاب العسكري في مصر- لم تكن لديهم أزمة مع مياه الشرب كونهم يشربون المياه المعدنية ولا يتعاملون مع "مياه الحكومة" التي أكلت ودمرت "أكباد وكلى" كثير من المصريين، إلا أن أغنياء مصر دون أن يعلموا وفي غفلة من الإهمال الحكومي والفساد الإداري وتغول مصالح رجال الأعمال أصبحوا هم أيضا عرضة للسقوط في بئر الأمراض التي يعاني منها الفقراء، والتي يعد "الفشل الكلوي وفيرس سي" أخطرها.
الأزمة الجديدة فجرها منشور أصدرته الإدارة المركزية لشؤون البيئة والإدارة العامة لمراقبة الأغذية التابع لوزارة الصحة والسكان تحت رقم 18 لسنة 2016، والذي طالب بضرورة ضبط وتحريز المياه المعدنية ماركة "نستله وبركة وأكوافينا"، لعدم مطابقتها للمواصفات القياسية المصرية 1589 لسنة 2007، وذلك بناء على بلاغات من مديريتي الشؤون الصحية بمحافظتي البحيرة والشرقية، أكدت عدم صلاحية نتائج تحليل عينات لعبوات مياه معدنية معبأة باسم تلك الشركات.
بها بكتيريا قاتلة!
كما حذرت مديرية الشؤون الصحية بمحافظة الإسكندرية من تداول بعض منتجات المياه المعدنية، للشركات الثلاث، والتي أظهرت نتائج تحليل عينات منها عدم مطابقتها للفحص الميكروسكوبي لوجود بكتيريا "بروتوزوا حية" وطحالب بها، ومن ثم عدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي.
وخطورة ذلك النوع من البكتيريا تؤدي إلى الوفاة، حيث أن "البروتوزوا" هي بكتيريا الأميبا التي تسبب مرض "الدوسنتريا" أو "الزهار الأميبي" وتقوم هذه البكتيريا بالتغذية على الطعام، ثم تأكل جدار الأمعاء، مما يسبب البراز الدموي وحالات إسهال تؤدي إلى الجفاف الذي يؤدي إلى الموت.
العبوات المطلوب مصادرتها من الأسواق
من جهتها أخطرت مباحث التموين في مصر جميع الإدارات العامة لمراقبة الأغذية بضبط المياه المعبأة للشركات الثلاث من الأسواق، على أن يتم الضبط بسحب عينات وعرضها على النيابة العامة لمتابعة القضية.
والعبوات المطلوب مصادرتها من المياه المعدنية المعبأة للشركات الثلاثة بالأسواق المصرية هي كالتالي:
1- عبوة نستله الكبيرة، حجم 1.5 لتر، إنتاج 17 آذار/مارس الماضي، وعبوة نستله الصغيرة، حجم 330 مللي إنتاج 13 آذار/مارس.
2- عبوة بركة الكبيرة حجم 1.5 لتر إنتاج الأول من آذار/مارس الماضي، وعبوات وسط 600 مللي إنتاج 10 آذار/مارس.
3- عبوة أكوا فينا الكبيرة حجم 1.5 لتر إنتاج 7 و17 آذار/مارس الماضي.
المياه نار
وبرغم مضاعفة سلطات الانقلاب العسكري في مصر لتعريفة مياه الشرب مع بداية شهر أيار/مايو الجاري، ضمن موجة ارتفاع غير مسبوقة في أسعار السلع والخدمات، تزامنا مع ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري، والذي وصل إلى 11 جنيها، إلا أن الحكومات المتتالية في عهد عبد الفتاح
السيسي لم تقدم أية خطوة جدية أو تعلن أية إجراءات نحو تحسين أداء محطات تحلية الشرب، أو تغيير خطوط إمداد المياه المتهالكة والتي أتى "الصدأ" على كثير منها.
واضطر الكثير من المصريين لوضع تمديدات مياه خاصة على مسافات عميقة لجلب المياه الجوفية والشرب منها، رغم تأكيد كثير من الخبراء أن هذه المياه فيها مشكلات صحية أيضاً وأن بعضها في دلتا النيل مختلط بمياه الصرف الصحي، وهو ما ينذر بكوارث صحية جديدة.
شركات فلاتر المياه
هروب المصريين نحو استعمال المياه الجوفية خوفا من خطر جفاف النيل وتلوث مياهه أدى أيضا إلى انتشار استثمار جديد لشركات صغيرة في جميع محافظات مصر يقوم على توزيع فلاتر المياه على المنازل والقيام بأعمال الصيانة لها، وهي العملية التي تبعد عن رقابة الجهات الحكومية، ولا يمكن التحقق من سلامة تلك الفلاتر وقطع غيارها، إلا أن المصريين من متوسطي الحال لا بديل لهم غير الفلاتر المنزلية والتعامل مع تلك الشركات.