أجرى الدكتور محمود حسين حوارا مع "عربي21" بتاريخ 7/5/2016، ونشر تحت عنوان "معارضة الانقلاب تتزايد والغضب الشعبي يشتعل".
ملاحظة شكلية: كان الحوار مطولا، وربما شاملا تقريبا، في أربعين سؤالا، بين الحديث عن تطورات المشهد السياسي وتظاهرات جمعة الأرض، والموقف من الجزيرتين، والعلاقة مع نظام السيسي أو داعميه، وخلافات
الإخوان والمراجعات، وأين وصلت الخلافات الداخلية، والعمل الثوري، والمصالحة، والأفق السياسي، وتقييم أداء الجماعة، وخطوات الإخوان في الفترة القادمة، والانتقادات التي يتعرض لها شخصه والشورى.. إلخ.
لا تكفينا مقالة واحدة في حصر ملاحظات جديرة بالنظرة، غير أننا نكتفي بالإشارة إلى ملاحظة شكلية وأخرى جوهرية.
أما الملاحظة الشكلية الملفتة، فهي أن السؤال الذي حظي بالاهتمام والإسهاب الأكثر دون غيره لم يكن سؤال الرؤية، ولا المراجعات، ولا عرض الأفكار، ولا تقييم المشهد، ولا ما هو الجديد الذي يمكن أن يقدمه، بل كان سؤالا آخر: "أنت الشخصية الأكثر جدلا وتعرضا لانتقادات من بعض شباب الإخوان.. فلماذا لا تتنحى؟ ولماذا أنت حريص على الاحتفاظ بهذا المنصب؟"!!
المراجعات لا تتوقف ولكنها لا تتحرك أيضا:
الملاحظة الجوهرية التي سنركز عليها هنا، وهي جديرة بالنظر والاهتمام، فهي التباين وربما التناقض الواضح في الحديث عن اللوائح والضبط التنظيمي، وبين الحديث عن الأفكار والرؤى والمراجعات.
يبدو أن العادة جرت أن الحديث إذا كان عن لوائح وإجراءات ضبط تنظيمية يشتعل الحماس والهمة والحركة وسرعة التجاوب والتعاطي، واتخاذ إجراءات وقرارات تنظيمية (بغض النظر عن دقتها وصحتها) تحتاج إجراءات عاجلة وعملا متواصلا، بينما يصبح الأمر مختلفا تماما إذا كان الحديث عن الرؤى والأفكار وعن ماذا حدث؟ وماذا تعلمنا؟ وماذا يمكن أن نفعل؟ وما هي المواقف والآراء التي بحاجة لأن تحظى بالنقاش والاهتمام والبحث؟
لماذا يكون الحديث عن ماذا حدث وما يمكن الاستفادة منه أمرا معقدا بعيد المنال؟ ولماذا لا تخضع إجراءاتنا ومواقفنا وقراراتنا للدراسة والبحث والنظر بطريقة علمية دون خوف أو تردد أو تلكؤ؟
في سؤال مثلا عن الأخطاء: "ما هي أبرز الأخطاء التي وقعت فيها الجماعة قبل الانقلاب وتلك التي وقعت بعده؟ وهل تعتذرون عن هذه الأخطاء؟".
كان رد الدكتور محمود حسين "كيف تطلب من شخص أو جماعة كل حقوقها منتهكة وتعيش تحت ضغوط قاسية، ومعظم قادتها وكوادرها داخل السجون أو مطاردون وتعيش عائلاتهم في ظروف صعبة.. كيف تطلب من شخص أو جماعة عنقها تحت السكين أن تحدثك عن أخطاء وتعلن الاعتذار عنها...".
"وعموما عندما تنال الجماعة حريتها وتعيش حياة طبيعية هنا يكون الحديث عن الأخطاء واردا، ويكون الاعتذار واجبا لمن يثبت خطؤنا في حقه.. ولم تكن جماعة الإخوان يوما فوق المحاسبة ولا فوق الاعتذار، لأنها ليست منزهة عن الخطأ".
من المدهش أن الجماعة - حسب الوصف - وهي تحت السكين وتمر بظروف صعبة؛ لا يجب لها أن تتحدث عن أية أخطاء وقعت فيها إلا بعد النجاح والحرية. ولا ندري هل يمكن أن يتم النجاح والنصر دون أن يصحح المرء أخطاءه؟ ولماذا لم يتأخر لوم الله تعالى وعتابه وتصحيحه للمؤمنين في معركة أحد -على سبيل المثال- بقرآن يتلى إلى يوم القيامة؛ أثناء حالة الحرب، ولديهم تكليف واضح بالقتال والذهاب إلى معركة أخرى (حمراء الأسد).
كذلك عندما سئل عن المراجعات التي تعكف الجماعة عليها "المراجعات التي تقول الجماعة إنها تجريها منذ أكثر من عامين.. إلى أين وصلت؟ ومتى تنتهي؟".
أجاب الدكتور محمود حسين: "مراجعات الجماعة تعد من الشأن الداخلي للجماعة يهم صفها الداخلي، ومعالجة ما تسفر عنه تلك المراجعات، وما ينبغي تصويبه أو المحاسبة عليه أو استحسانه، لا شأن للرأي العام به".
"المراجعات داخل الإخوان على كل المستويات لا تتوقف. والمراجعة والمحاسبة من أسس دعوتنا وهي من معالم ديننا".
فالإقرار هنا أن المراجعات لا تتوقف على كل المستويات، غير أننا لا نرى منها أي طحين يظهر في أي وقت وعلى أي مستوى، وحتى على النطاق الداخلي بين أعضاء الجماعة فقط.
أما سؤال آخر عما هو قادم: "ما هي أبرز الخطوات والتحركات التي تعتزم الجماعة اتخاذها خلال الفترة المقبلة؟"، كانت الإجابة: "الحفاظ على تماسك الجماعة، وإعادة تنظيم صفوفها، وإعادة هيكلة إدارتها، واستكمال الهياكل التي بها نقص، كمجالس شورى المحافظات والمكاتب الإدارية ومجلس الشورى العام ومكتب الإرشاد".
فعلى أي أساس يتم تنظيم الصفوف وإعادة الهيكلة؟ أليس من الطبيعي أن يكون على أساس من الرؤى والأفكار والمراجعات!!
أليس توحد الصفوف يكون على الأفكار وعلى ماذا حدث وماذا تعلمنا من تجاربنا ومكامن الأخطاء؟ ألا يحتاج هذا الصف أن يراجع طريقة اتخاذ قراراته وطريقة تنفيذ الشورى داخله وآلية الاعتماد على العلم والتخصص وتجارب الأمم حولنا وقبلنا".
لكن الأغرب أن تقر أن من أسباب الخلاف أمور تخص الرؤية ولا تتخذ إجراء مناسبا يتوافق مع ما تقر به. فمثلا يقول الدكتور محمود: "هناك خلاف في نقطتين أساسيتين، قد تكون حول الرؤى وبشأن بعض التصرفات، وليس مجالهما الإعلام، إلا أن هذه الخلافات اليوم انحسرت، ولم يعد لأسبابها وجود بعد اتضاح كل الجوانب، خاصة أن مؤسسات الجماعة الرسمية قد حسمت بعض تلك الخلافات".
من الملفت للنظر أن يُذكر في الحوار أن الخلاف قد يكون مرجعه حول الرؤي، فكيف لخلاف جزء منه مرتبط بالرؤية والأفكار؛ ولا يتم التركيز على الحوار والنقاش حوله في كافة المستويات، وخلق قنوات حوارية مبتكرة جديدة داخل الإخوان لحسم هذه النقطة الهامة؟ وإلا فعلى أي أساس يتم توحيد الصفوف وترفع راية أن الأولوية لإعادة الهيكلة؟ فالسؤال المشروع: على أي أساس غير الأفكار والرؤى ومراجعات المواقف تتم إعادة الهيكلة وتنظيم الصفوف؟؟!!
في مقال سابق للدكتور محمد عبد الرحمن بعنوان "الثبات في مطالب الثورة ورؤيتها"؛ لم يكن هناك من حديث حقيقي عن الرؤية، بل أشبه بإعادة إنتاج مصطلحات وجمل من عينة استمرار الحراك الثوري والثبات وانتظار النصر، وربما زاد عليها الحديث المتكرر مستخدما مصطلح المشروع الإسلامي دون أن يسجل فيها نقطة موضوعية واحدة.
يبدو أن لدينا خلاصة مهمة عندما يتحدث أشخاص باعتبارهم مسؤولين أو قادة، فيتجنبون أو يتغافلون أو يخفقون في الحديث عن الأفكار والرؤى، لكن عندما يكون الحديث عن التنظيم والضبط (بغض النظر عن الصحة والدقة) يكون الأمر والعبارات أكثر وضوحا، وتكون اللجان والأوراق والمواقف أسرع وأوضح.
لماذا يكون الحديث عن الأفكار معدوما أو مغيبا أو ينبغي عدم الحديث حوله الآن؟
طبعا لا يمكننا هنا غض الطرف عن أن هناك كثيرين يعيشون خارج
مصر، وهم بعيدون عن القمع وحد السكين ويمكنهم النظر والتحاور والتناقش، كما أيضا لا يمكننا غض الطرف عن آخرين في الداخل، رغم ما قيل عن أنهم مهددون وفي ظروف بالغة الصعوبة؛ كانت حركتهم أكثر همة ونشاطا عندما ارتبط الأمر باللوائح لا بالأفكار والرؤى والأمور الاستراتيجية التي يترتب عليها حياة ودماء ومصير ومستقبل الجماعة، وما أصدق قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم".
بدايات هامة:
إن كان هناك من إضافة أخيرة فهي فقط للرد على كل سيف يحب البعض تسلطيه، وهو سيف "ماذا نفعل؟"، برغم تجاهل عشرات الأوراق والأفكار سابقا، فهذه بعض من "روشتة" طويلة يجب التناقش حولها وأن تحظى بالنظر والاهتمام وليس التغافل:
أولا: البدء من حيث نقطة البداية، وهي ماذا حدث؟ بشكل محايد وبهمة عالية كهمة اللجان التي تحركت في أطر تنظيمية ضبطية (بغض النظر عن دقتها وصحتها).
ثانيا: ما الذي يحتاج إلى نظر أو تصحيح أو تعديل أو تطوير أو مراجعات؟ وهي على عدة مستويات، منها ما قد يخص أمورا فكرية أو تتعلق بالرؤية أو القرارات والمواقف الاستراتيجية، أو طريقة القيادة والإدارة أو الأمور التفصيلية التشغيلية.
ثالثا: فتح قنوات حوارية داخلية بلا خوف أو تعويق أو وصاية، تتعلق بحرية النقاش حول مصير الجميع والذي يتحمل ضريبته الجميع.
رابعا: أين موقع علماء التخصص في العلوم السياسية والاجتماعية والرأي العام والعلاقات الدولية والثورات، وغير ذلك من العلوم الهامة من آليات اتخاذ القرارات المصيرية؟ وهل هي بحاجة إلى تطوير أم لا؟ حتى لا تؤخذ شورى إلا عن بينة.
خامسا: هل آليات الشورى التي كان معمولا بها قبل كانون الثاني/ يناير 2011، أو أثناء حكم المجلس العسكري وتبعاته، وكذلك حكم الدكتور مرسي، ثم الانقلاب العسكري، كانت مناسبة وملائمة ومحققة لجوهر الشورى فعلا؟ أم تحتاج الشورى بعد كل هذه التجارب إلى تصحيح وتقوية وتفعيل بشكل حقيقي، وليس مجرد التمسك بأشكال صورية لا تناسب اللحظة ولا الواقع؟