وصف سياسيون وإعلاميون
مصريون، بينهم مؤيدون لرئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي، رد فعله على تصريحات رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين
نتنياهو، الثلاثاء، بأنه هدَّد
المجلس العسكري بإرسال قوة إلى القاهرة، حينما تعرضت سفارة تل أبيب للاقتحام، في 9 أيلول/ سبتمبر 2011، بأنه ابتلاع لإهانة موجهة للمجلس العسكري، الذي كان يحكم مصر، والسيسي كان أحد أفراده آنذاك.
ولاحظ أولئك أن وزارة الخارجية المصرية تعمَّدت عدم الرد على تلك التصريحات، على الرغم من مطالبة سياسيين وإعلاميين مصريين لها بالرد، وأن الوزارة لا تترك شاردة ولا واردة من التصريحات الأجنبية بشأن مصر، حتى لو كانت من مسؤول درجة ثانية في وزارة الخارجية التركية، إلا وعلقت عليها فورا، وبقوة.
وأبدوا دهشتهم من حالة الصمت التي رانت على الموقف الرسمي المصري تجاه إهانة نتنياهو التي رأوا أنها تلامس السيسي، على الرغم من أن أي مصري يضبط متلبسا بشبهة إهانته يتم إلقاء القبض عليه فورا، وإصدار الأحكام المشددة بحقه، مشيرين في هذا الصدد إلى اعتقال أفراد الفرقة الموسيقية المعروفة باسم فرقة "أطفال الشوارع"، وتوجيه النيابة العامة المصرية الاتهامات إلى أفرادها، الثلاثاء، بإهانة السيسي.
الخارجية: لم نكن على علم
ونقلت وكالة "رويترز" عن المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد قوله إن "الوزارة لم تكن على علم بأي مناقشة إسرائيلية داخلية من هذا النوع حينها".
واكتفى أبو زيد بهذا النفي المقتضب، متجنبا التعليق على تصريحات نتنياهو، وقائلا إن الحكومة المصرية تتحمل مسؤولية تقديم الحماية لأي بعثة دبلوماسية أجنبية على الأراضي المصرية بموجب التزاماتها الدولية، وإنها ستواصل القيام بذلك، على حد قوله.
عبد الحميد: وقاحة تستحق ردا قويا
وفي المقابل، طالب عدد من السياسيين والإعلاميين المصريين كلا من السيسي، ووزارة خارجيته، بالرد على تلك التصريحات، واصفين لوذهما بالصمت إزاءها بأنه ابتلاع غير جائز لإهانة واضحة، مشيرين إلى أن الجانب الإسرائيلي أصدر تصريحاته، ثم عاود تعديلها، دون أن يكون للجانب المصري أي دور، لا في التصريح، ولا في التعديل، ولو بطلب توضيح، فضلا عن الاعتذار.
وطالب الإعلامي الموالي للسيسي "عمرو عبد الحميد"، برد رسمي قوي على "وقاحة" رئيس الوزراء الإسرائيلي، على حد تعبيره.
وقال عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "بعيدا عن أي مزايدة.. أعتقد أن وقاحة رئيس الوزراء الإسرائيلي تستحق ردا رسميا قويا".
وأعاد عبد الحميد نشر تأكيد "نتنياهو" وجود تنسيق أمني بين جيش مصر وإسرائيل لحل الأزمة آنذاك.
عصمت: هل سيُكَّذب السيسي نتنياهو؟
ومن جهته، قال الكاتب السياسي والباحث في الشأن القومي، محمد عصمت سيف الدولة، عبر صفحته بموقع "فيسبوك": "هل سيُكَّذب السيسي نتنياهو، ويرد على إهانته لمصر، وللمجلس العسكري؟".
عزوز: العسكر بلعوا الإهانة
وقال الكاتب الصحفي سليم عزوز، عبر "فيسبوك": "عندما يقول نتنياهو: هددنا مصر بإرسال جيشنا لحماية سفارتنا من الأوغاد في 2011، فينبغى أن نعلم أنه يقصد بالأوغاد الثوار الذين اقتحموا السفارة العبرية بالقاهرة، وأنزلوا علم دولة العصابات الإسرائيلية من أن يرفرف في سماء القاهرة، وهذا ليس هو الموضوع".
واستدرك: "الموضوع أن مصر التي تم تهديدها كانت هي المجلس العسكري الحاكم.. فنتنياهو هدد العسكر، ومن الواضح أن العسكر بلعوا الإهانة، وقبلوا التهديد، لكي تعلموا أن العسكر لا تتبدي شجاعتهم إلا في مواجهة الشعب المصري فقط"، وفق قوله.
لواء مصري: تهديد "فشنك"
وكالعادة لجأ خبراء عسكريون مصريون إلى الإنكار، والثناء على مواقف المجلس العسكري.
وأكد الخبير العسكري الموالي للسيسي، اللواء المتقاعد، أركان حرب طلعت مسلم، أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرئيلي مجرد أحاديث للاستهلاك الإعلامي، وفق وصفه.
وقال مسلم -في تصريحات إعلامية- إن مزاعم نتنياهو حول تهديده القوات المصرية يعكس حجم المأزق الذي يعيشه الواقع الإسرائيلي برمته من جراء انعدام الأمن والأمان في إسرائيل، من جراء انتفاضة القدس التي يشعلها الشباب الفلسطيني، على حد قوله.
وأضاف: "تصريحات نتنياهو موجهة إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي تعاني من انعدام الأمن.. نتنياهو شخصيا يعلم طبيعة أقواله، وحجم تهديداته، مقارنة بحجم مصر"، مردفا: "إسرائيل تعاني على الصعيد السياسي والعسكري والأمني من مخاوف عدة من جراء انتفاضة القدس".
وتابع: "القيادة المصرية لا تسمح أن تُنتهك سيادة مصر، أو أن تسمح لأحد بالتجرؤ على سيادتها، أعتقد لو حدث ذلك لردت الجهات المعنية في حينها على التهديد برد قاس".
واستطرد بأن "إسرائيل لا تجرؤ على أن ترسل قوات إلى مصر أو القيام بمهام خاصة داخل الأراضي المصرية، موجها رسالة لنتنياهو قائلا: "إذا حابب تجرب مستعدين.. لدينا جيش قوي، وشعب جبار".
وشدد على أن تصريحات نتنياهو لا تستوجب الرد المصري حتى على صعيد الدبلوماسية المصرية نظرا لعدم وجود مضمون واقعي منها، وفق وصفه.
"جه يكحلها عماها"
وفي المقابل، نشرت صفحة بنيامين نتنياهو عبر موقع "تويتر"، ما سمته بـ"توضيح" لتصريحاته، نقلا عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، جاء فيه: "حول الهجوم على سفارتنا بالقاهرة، كانت النية القيام بعمليات منسقة، وليس بعملية أحادية الجانب".
وتابعت التغريدة: "يسرنا أنه لم يكن هناك حاجة لذلك، ونشكر الجيش المصري الذي تعامل مع الأزمة بشكل يتحلى بالمسؤولية، وحل المشكلة".
واختتمت التغريدة بالقول :"رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يثمن العلاقات مع مصر ومعاهدة السلام معها تعتبر عنصرا مهما في استقرار المنطقة".
رأي المراقبين
رأى مراقبون مصريون وعرب أن هذا التعديل يأتي على طريقة المثل المصري: "جه يكحلها عماها"، لأنه أكد صحة التهديد الإسرائيلي، وأعاد تثبيت الواقعة، وإن حاول تخفيف حدة التهديد ذلك التهديد بالقول إنه "كانت النية القيام بعمليات منسقة، وليس بعملية أحادية الجانب".
وأضافوا أنه كان يجب على السلطات المصرية توضيح أن تهديد نتنياهو بإرسال قوة عسكرية إلى القاهرة هو في أفضل الأحوال ادعاء فارغ، وفي أسوأ الأحوال تعبير عن فزع أصابه، إذ من يجرؤ حينها على إرسال قوة إسرائيلية إلى قلب القاهرة لإنقاذ عدد قليل من أفراد السفارة، من دون أن يتهم بالجنون.
وأشاروا إلى أن نتنياهو قال في تصريحاته إن التهديد الذي بعثه إلى مصر، بإرسال قوة عسكرية إلى القاهرة، كان موجها لحكم جماعة "الإخوان المسلمين"، برغم أنهم لم يكونوا موجودين في الحكم إبان اقتحام جماهير مصرية للسفارة الإسرائيلية، إذ كانت مصر تحت حكم المجلس العسكري، ولم تكن قد جرت أية انتخابات أتت بالإخوان إلى الحكم في ذلك الوقت.
ردود أفعال إسرائيلية
واتفق مع هذه الملحوظة، مصدر في الحكومة الإسرائيلية، صرح بأن تصريحات نتنياهو يوجد بها الكثير من المغالطات، وعدم الدقة، وأبرزها أن السلطة الحاكمة بمصر في ذلك الوقت، كان المجلس العسكري، وليس جماعة الإخوان.
ومن جهته، كتب محرر الشؤون الدبلوماسية بإذاعة "صوت إسرائيل"، شيمون أران، على "تويتر" - نقلا عن مصدر حضر عملية الإجلاء، لم يذكر اسمه - قوله: "ليت نتنياهو لم يتحدث عن أي عمل عسكري.. المشير محمد حسين طنطاوي رفض الرد على اتصالات نتنياهو الهاتفية".
وأضاف المصدر، بحسب أران، أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، هو من توجه بالطلب إلى طنطاوي، الذي استجاب له، وأرسل قوات خاصة لتنفيذ عملية الإجلاء.
وأكد أران أن السفيرة الأمريكية بالقاهرة آنذاك، آن باترسون، والرئيس الأمريكي، أوباما، مارسا ضغوطا كبيرة على وزير الدفاع، المشير طنطاوي، وهو ما أدى إلى إجلاء 6 دبلوماسيين ونحو 90 شخصا من عائلات الدبلوماسيين الإسرائيليين.
وأوضح أن حادث السفارة الإسرائيلية في القاهرة استغرق منذ بدايته حتى نهايته نحو 13 ساعة، إذ صعدت قوات خاصة مصرية للطابق الخامس عشر، فيما كانت السفارة كائنة في الطابق الثامن عشر، ونجحت في إجلاء الإسرائيليين المحاصرين.
وكانت صفحة رئاسة الوزراء الإسرائيلية على موقع "فيسبوك" نشرت بيانا لاحقا لتصريحات نتنياهو، اعتبرها البعض تراجعا منه، قالت فيه إن "السياسة الإسرائيلية تقضي بحماية المواطنين الذين يتعرضون للتهديد أينما كانوا، وفي الحالة المذكورة كانت النية القيام بعملية منسقة، وليس بعملية أحادية الجانب".
وأضاف البيان: "يسرنا أنه لم تكن هناك حاجة لذلك، ونشكر الجيش المصري، الدي تعامل مع الأزمة بشكل يتحلى بالمسؤولية، وحل المشكلة".
وأكد البيان أن رئيس الوزراء "نتنياهو" يثمن كثيرا العلاقات مع مصر، ومعاهدة السلام معها تعتبر عنصرا مهما في استقرار المنطقة، وفق البيان.