زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو للعاصمة الإماراتية أبو ظبي تلبية لدعوة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد أثارت انتباه المراقبين إلا أن المفاجأة جاءت من خلال الصور المنشورة التي أظهرت الابتسامات وعكست الأجواء الحميمة التي جرت فيها لقاءات المسؤولين الإماراتيين مع الوزير التركي، وكأن العلاقات التركية الإماراتية لم تكن متأزمة في الفترة الأخيرة.
تشاوش أوغلو خلال زيارته التقى أولا نظيره عبد الله بن زايد، ثم استقبله محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات، بحضور محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس الوزراء الإماراتي وحاكم دبي، وأشاد بالعلاقات الثنائية. وكان وزير الخارجية التركي في الرياض قبل زيارته للإمارات، والتقى في العاصمة السعودية نظيره السعودي عادل الجبير، كما استقبله العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ما يشير إلى أن للوساطة السعودية دورا في ترتيب هذه الزيارة وتراجع قادة الإمارات من سياساتهم الصبيانية تجاه
تركيا.
ما الذي دفع الإمارات إلى هذا التراجع؟ لكي نعرف جواب هذا السؤال، علينا أن نعود بأذهاننا إلى الوراء ونتذكر أولا كيف تدهورت العلاقات التركية الإماراتية وما الذي تسبب في هذا التدهور.
السبب الأهم إن لم يكن الوحيد في تدهور العلاقات بين أنقرة وأبو ظبي، الحرب التي أعلنتها الأخيرة ضد ثورات الربيع العربي بالإضافة إلى حربها ضد "الإسلام السياسي" وجماعة الإخوان المسلمين بالتحديد. وفي هذه الحرب، اعتبر قادة الإمارات حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين كما رأوا رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان "حامي الإخوان" ونصبوا له العداء.
الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش المصري للإطاحة بالرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي شكَّل أهم منعطف في تدهور العلاقات التركية الإماراتية، ودفع البلدين إلى طرفي النقيض. وكانت الإمارات على رأس الدول الداعمة للانقلاب والممولة له، فيما انتقدت تركيا إسقاط مرسي بشدة، ورفضت الاعتراف بشرعية قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، واشتد عداء قادة الإمارات لأردوغان وحزب العدالة والتنمية.
قادة الإمارات انتظروا طويلا أن تُسقِط رياحُ الثورة المضادة أردوغانَ وحكومتَه، ودعموا إعلاميا جميع المؤامرات التي حيكت من أجل ذلك، إلا أن آمالهم خابت، ودق الشعب التركي المسمار الأخير في نعش هذه السياسة عبر صناديق الاقتراع في الأول من نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، ما يعني أنهم اليوم يطبقون المثل الشعبي الشهير: "اليد التي لا تستطيع أن تقطعها قبلها".
كانت هناك جبهة لمواجهة الموقف التركي من الانقلاب العسكري، وبعد تولي الملك سلمان عرش المملكة لم تعد تلك الجبهة المتشكلة من الرياض وأبو ظبي والقاهرة قائمة، لأن السعودية قررت ترميم علاقاتها مع تركيا وتعزيزها، في ظل التحديات الإقليمية، بعيدا عن اختلاف موقفي البلدين من الملف المصري. وترك انسحاب الرياض من الجبهة دولة الإمارات ضعيفة ومعزولة في مواجهة أردوغان، ولم تعد سياسات أبو ظبي تجاه تركيا قابلة للاستمرار، في ظل المستوى المتقدم الذي وصل إليه التقارب التركي السعودي. وبالتالي لم يبق أمام قادة الإمارات غير التراجع عن تلك السياسات.
وزير الخارجية التركي في تعليقه على زيارتها لأبو ظبي، قال إنها فتحت صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، معلنا أن السفير الإماراتي سيبدأ عمله في أنقرة في السابع من الشهر القادم، ما يعني أن قطار تطبيع العلاقات وضع على السكة وأن هذه الزيارة المفاجئة لها ما بعدها. ولعل السؤال الذي يشغل بال البعض الآن هو: "كيف سينعكس تحسن العلاقات التركية الإماراتية على موقف تركيا من الملف المصري والإخوان؟".
ليس متوقعا أن تغير أنقرة موقفها من الانقلاب العسكري ولا من جماعة الإخوان المسلمين. وفي اليوم الذي التقى فيه تشاوش أوغلو المسؤولين الإماراتيين في أبو ظبي كان أردوغان يستقبل خالد مشعل في القصر الرئاسي. وما نشاهده اليوم هو - باختصار شديد - أن الإمارات أخطأت ونصبت العداء لتركيا، ثم أدركت خطأها وتراجعت عنه أو شعرت بأنها مضطرة للتراجع شاءت أم أبت.