ضع خصمك بين خيارين، فإن قبل منك خسر، وإن رفض خسر، هكذا يدير العسكر الأمر مع الشعب
المصري.
عمر سليمان في 2011: إذا أصررتم على هذا الطلب (يقصد رحيل مبارك)، سيرحل الرجل، وسوف يسلم البلد لإدارة عسكرية، وسنعود إلى نقطة البدء التي كانت في عام 1952.
السيسي في 2016: طول ما المصريين سكتين خلاص الجيش دا ميتحركش أبدا، الجيش مالوش دعوة (يعني أن الجيش لا يتدخل، ما لم يكن هناك حراك شعبي) فإذا حدث الحراك الشعبي، يكمل السيسي: أول ما المصريين يخرجون عليك أو على غيرك، أنت أو غيرك بما فيهم أنا، أيوه بما فيهم أنا.
ما لم يحكه السيسي واضح: الجيش سيتحرك ليعيد حالة انقلاب 1952 (كما كانت). أي أن الخيارات المتاحة: الرضا بالمقسوم أو الرضا به أيضا. فإن سكت سيحكمك عسكري، وإن ثرت وغضبت سيحكمك عسكري آخر. هذا ما حدث قبل خمس سنوات.
ولذا كان تعامل النظام العسكري مع الحراك المحتج على التنازل عن الجزر المصرية، والذي تطور للمطالبة برحيل العسكري الجالس على هرم القيادة، هادئا نسبيا ولم يكن دمويا حادا.
وترك الحراك له أهداف عادة منها قياس حالة الغضب بصورة حقيقية واقعية، ومعرفة الكم الذي يمكن أن يتحرك بدقة. يطلق عليه العسكر استطلاع بالقوة. بجانب مجموع أهداف أخرى لا يتحمل المقام سردها.
فمن ثم احتفظوا بهدوئهم، فلو لم تستجب الجماهير وتخرج فقد قضي الأمر واستقر، ولو استجابت فلننظر إلى أي مدى ستصل. فمن بين قوى الحراك أطراف تستطيع استدراجهم، فقد استدرجوهم من قبل، وبعضهم تفاوض مع الأمن بالفعل، وطالب الجماهير بالانصراف، وعلى وعد باللقاء في موعد آخر. ويمكن لها تحويل المسار إلى المطالبة باستفتاء، أو الاكتفاء بإدارة الأمر في ساحة القضاء الانقلابي، وطبعا يجب أن تحترم القضاء ولا تشكك فيه.
ولكن ماذا لو خرج الأمر وأصرت الجماهير على الاستمرار حتى تنفيذ مطلبها المحصور حتى اللحظة في الرحيل؟ لا مانع. وليستجب الجيش إذن لحركة ونداء جماهير الشعب. فالحراك شبيه بما مر في 2011 جسد بلا رأس (قيادة).
والجميع لديه الاستعداد للاستجابة، ففي الطرف المناهض للانقلاب من ينادي على شرفاء الجيش وينتظرهم منذ أمد بعيد، فها قد خرجوا له، ولم يرضوا بالتنازل أو التفريط في الأرض. والمعارضة القائمة سبق لها التحالف مع الجيش واستدعائه في الثلاثين من حزيران/ يونيو، فلا مانع لديهم أيضا. فليسلم الجميع القياد إلى الجيش، ونرجع جميعا إلى 52 (كما كانت).
وهكذا ما دام الحراك ليس مفصليا ولا يرتقي لمطلب
الثورة الشاملة؛ فلا مانع من التعامل معه بهدوء نسبي وحكمة، هذا على عكس الحراك الذي قام عقب الانقلاب، فكان جزاؤه عدة مذابح انتهت برابعة والنهضة، فهو حراك لم يكن قابلا للاحتواء، وكذا الأمر مع كل حراك مطالب بعودة الشرعية، فنجاحه يعني إزاحة حكم العسكر، وله رأس متمثل في الرئيس الشرعي، فما من سبيل لهم معه إلا محوه والقضاء عليه.
وإن كنت ممن لا يرغب في عودة الدكتور مرسي، فبعيدا عنه، وحتى لا يلعب بك مرة أخرى، افهم شعارك جيدا "إسقاط النظام" ولا تنسه، فهناك علامات تعرف بها إن كان الحراك تحول إلى ثورة حقيقية أم أنه إعادة تدوير للانقلاب.
فإن رأيت النشطاء الجدد أو القدامى في استوديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي، مع المذيعين أنفسهم وفي قنوات داعمي العسكر نفسها، ونهابي أموال الشعب، يتحدثون عن نضالهم الثوري، فاعلم أن الحراك تحول لانقلاب. والنشطاء يسارعون في التقاط ما يظنونه مغانم. أما الثورة فلا يهدأ لها قرار حتى تحاكم هؤلاء الذين تاجروا بالدماء وبثوا الفرقة والبغضاء بين أبناء الشعب، وروجوا للتنازل عن حقوق الوطن.
إن رأيت الثوار يلقون القبض على مبارك ورجاله ومن على شاكلتهم ليحاكموا وفق قوانين صحيحة فهي ثورة، فإن قيل: اصبروا سنعيد المحاكمات، وعليك بالثقة في شرفاء القضاء، أو سنتفاوض معهم على رد جزء مما نهب، فاعلم أنك في انقلاب.
إن لم تعدل الأجور والمعاشات على الفور وظلت كما هي متدنية، ثم يقولون: لا وقت للمطالب الفئوية، فاعلم أنه انقلاب.
إن ظل أناس يأتون بطعامهم من الزبالة، ويقولون: مصر بلد فقير، وظل رجال أعمال مبارك ينعمون بثروة مصر، فهو انقلاب.
إن لم يتم إعادة توزيع الثروة، فظل من يتخذون المقابر سكنا كما هم، وسكان العشوائيات والمشردون لا يجدون حياة كريمة، فأنت في انقلاب.
إن قالوا: سنعيد النظر في الأحكام القضائية، حتى نخرج المساجين، وأن علينا احترام قضاء مصر الشامخ، فهو انقلاب.
إن لم يقتص لكل من دربكة (شاب الدرب الأحمر) وكريم حمدي وسندس، وظلت الشرطة بسلاحها تروع الناس، فهو انقلاب وليس بثورة.
إن لم تعلن الثورة أن جميع الاتفاقيات منذ تاريخ الثالث من تموز/ يوليو 2013 بجميع أشكالها وشتى صورها داخلية وخارجية التي أقامها الانقلاب باطلة وكأنها لم تكن، وقررت إعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد، فأنت قلب الانقلاب.
إن لم تقرر الثورة الامتناع التام عن تلقي المعونة العسكرية الأمريكية وإيقاف كافة برامجها وأشكالها، ومنع كافة أشكال التمويل الخارجي وتجريمه للهيئات والمنظمات المدنية وغيرها، والاستعاضة عنها بتمويل وطني خالص، فهو الانقلاب بالرعاية الأمريكية.
إن ظل الهم الأكبر إقصاء الشعب واستبعاد خياراته، لأنها ستأتي على غير هوى القوى الخارجية أو من يملكون السلاح من عسكر أو غيره، فهو الانقلاب.