تاريخ دولة الخلافة الإسلامية مليء ببطولات ومواقف وشخصيات مشرفة وصفحات مشرقة، ولكن مع امتداد حالة تغييب الوعي الفكري للأجيال الناشئة وسيطرة طغاة على الحكم في أغلب البلاد الإسلامية، بدأت الكثير من المعلومات تندثر وتتلاشى، حتى فقدت الأجيال الناشئة القدوة الحسنة والمؤشر الهادي للأمة إلى طريق نجاحها.
خلال العام 1914 وأثناء الحرب العالمية الأولى، كان العميد فخر الدين باشا قائدا لفيلق للجيش العثماني في الموصل، وفي تلك الأثناء أصابت الخلافة العثمانية خسائر فادحة أدت إلى انسحاب القوات من أغلب مناطق الحجاز، وكانت المدينة المنورة تحت سيطرة قوات الخلافة العثمانية، وفي العام 1916 قامت القوات الإنجليزية بقيادة لورنس بدعم حركات بدوية مسلحة لمقاومة دولة الخلافة العثمانية في المدينة المنورة.
ثم رقي العميد فخر الدين باشا إلى رتبة اللواء، وصدرت الأوامر بإرساله إلى المدينة المنورة لمقاومة الحركات البدوية الانفصالية المسلحة الموجودة هناك، وبعد وصول القائد فخر الدين باشا إلى المدينة المنورة قامت الحركات البدوية المسلحة، بإيعاز من لورنس، بتفجير خط السكة الحديد الواصل بين المدينة المنورة ومقر قيادة دولة الخلافة العثمانية في تركيا، وذلك بقصد قطع أي امدادات قد تصل من القيادة العامة إلى قوات اللواء فخر الدين باشا، وكذلك قاموا بنسف أعمدة التلغراف حتى يمنعوا عن فخر الدين باشا من أي اتصال مع القيادة العامة يطلعهم فيها على حقيقة الأوضاع على الأرض.
وتحقق للبدو وللعملاء الإنجليز ما كانوا يرجون، وتم عزل اللواء فخر الدين باشا وخمسة عشر ألف جندي تحت قيادته عن كل خطوط إمداد السلاح أو الذخيرة أو الغذاء. وكان ما يخفف عن القائد وجنوده هذه المحنة هو جوارهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانوا على الدوام يجتمعون في المسجد النبوي الشريف للبحث عن حل لمشكلاتهم المتفاقمة يوما بعد يوم. وأمام حالة الضعف والانكسار التي كانت تمر بالدولة العثمانية، اضطرت للتوقيع على اتفاقية موندروس الاستسلامية التي بموجبها قبلت الدولة العثمانية بتسليم المدينة المنورة - وغيرها من مدن الدولة العثمانية - إلى أقرب قائد من قادة قوات الحلفاء. وما أن وصلت الأوامر إلى فخر الدين باشا، حتى رفض تنفيذ هذه الأوامر، وأمر جنوده بعدم الاستسلام، بالرغم من علمه هو وجنوده بأنهم محاصرون ومقطوعة عنهم كل سبل الإمدادات، وأن السلاح والذخيرة التي معهم لا تكفي للقيام بأي مقاومة ضد أي هجوم على المدينة.
فعلم الخليفة العثماني بموقف القائد العظيم فخر الدين باشا، فأرسل وزير العدل حيدر باشا إلى اللواء فخر الدين باشا يطالبه بتنفيذ أمر الوالي العثماني فكان رده أن (الخليفة يعد أسيرا في يد الحلفاء، لذلك فلا توجد له إرادة مستقلة، ومن ثم فهو يرفض الانصياع إلى أوامره ويرفض الاستسلام).
ثم اجتمع القائد وجنوده في صلاة الظهر في المسجد النبوي الشريف، وتحديدا في الروضة الشريفة، وما إن انتهت الصلاة حتى التف القائد العظيم بالعلم العثماني وارتقى المنبر الشريف وخطب في جنوده، وكانت دموعه تسبق كلماته التي أكد خلالها على أن مدينة رسول الله لن تسقط في أيدي الإنجليز أو حلفائهم، فلم يكن الجنود يقلون عنه إخلاصا ووفاء وتأثرا مما هم فيه.
بعد هذا الصمود والإصرار، بدأت الأمراض تنتشر بين الجنود، والغذاء يكاد ينفد من بين أيديهم، والعرب البدو، بإيعاز من الإنجليز، يضيقون عليهم الحصار الخانق، والقائد وجنوده يدركون أن أي صدام سوف يحدث بين قوات الخلافة الإسلامية العثمانية وبين قوات الحصار البدوي سيكون الجاني والضحية فيه من المسلمين، وأمام هذه الخيارات المأساوية وافق اللواء فخر الدين باشا على الاستسلام، وجرت كل ترتيبات خروجه وقواته من المدينة المنورة.
وفي اليوم المحدد للرحيل، انتظرته سيارة تحمل كل أغراضه الخاصة لنقله إلى إحدى الاستراحات، وأمام مقر إقامة القائد انتظر الجنود خروجه لساعات طويلة، لكنه لم يخرج، ثم أبلغ الجنود بنقل أغراضه الخاصة من السيارة إلى بناء متواضع بجوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى الجنود من موقف قائدهم، وعم الحزن والأسى الجيش المرابط في مدينة رسول الله (ص)، وبالفعل انتقل اللواء القائد إلى هذا المنزل المتواضع، لكن الضباط المعاونين له رأوا أن يحملوه قسرا إلى الخيمة التي أعدت لإقامته.
لقد كان الضباط يعرفون مدى حب قائدهم لرسول الله (ص) ومدى إصراره على عدم مفارقته، لكن شرفهم العسكري يأبى أن يتركوا قائدهم ويرحلوا هم ليلقى مصيره منفردا. وفي الحادي عشر من كانون الثاني/ يناير عام 1919، اصطف القائد والجنود أمام المسجد النبوي الشريف لوداع رسول الله (ص)، فكان كل ضابط وجندي يدخل يقف لحظات أمام القبر الشريف يسكب الدموع والعبرات ويلقي السلام على خير الخلق ثم ينصرف، وأمام هذا المشهد الذي كان ترقبه قوات البدو التي كانت تحاصرهم تأثر الجميع، وما أن وصل القائد الجليل إلى خيمته، فإذا بالبدو يحيطون بالخيمة ويهتفون للواء فخر الدين باشا بعدما أدهشهم حبه وتعلقه برسول الله (ص).
وفي الثالث عشر من كانون الثاني/ يناير عام 1919 دخلت قوات البدو إلى المدينة المنورة، وأُعلن استسلام الدولة العثمانية في المدينة المنورة، ليبقى التاريخ الإسلامي شاهدا على أبطال عظماء، حتى وإن لم يحالفهم النصر.
خلال العام 1914 وأثناء الحرب العالمية الأولى، كان العميد فخر الدين باشا قائدا لفيلق للجيش العثماني في الموصل، وفي تلك الأثناء أصابت الخلافة العثمانية خسائر فادحة أدت إلى انسحاب القوات من أغلب مناطق الحجاز، وكانت المدينة المنورة تحت سيطرة قوات الخلافة العثمانية، وفي العام 1916 قامت القوات الإنجليزية بقيادة لورنس بدعم حركات بدوية مسلحة لمقاومة دولة الخلافة العثمانية في المدينة المنورة.
ثم رقي العميد فخر الدين باشا إلى رتبة اللواء، وصدرت الأوامر بإرساله إلى المدينة المنورة لمقاومة الحركات البدوية الانفصالية المسلحة الموجودة هناك، وبعد وصول القائد فخر الدين باشا إلى المدينة المنورة قامت الحركات البدوية المسلحة، بإيعاز من لورنس، بتفجير خط السكة الحديد الواصل بين المدينة المنورة ومقر قيادة دولة الخلافة العثمانية في تركيا، وذلك بقصد قطع أي امدادات قد تصل من القيادة العامة إلى قوات اللواء فخر الدين باشا، وكذلك قاموا بنسف أعمدة التلغراف حتى يمنعوا عن فخر الدين باشا من أي اتصال مع القيادة العامة يطلعهم فيها على حقيقة الأوضاع على الأرض.
وتحقق للبدو وللعملاء الإنجليز ما كانوا يرجون، وتم عزل اللواء فخر الدين باشا وخمسة عشر ألف جندي تحت قيادته عن كل خطوط إمداد السلاح أو الذخيرة أو الغذاء. وكان ما يخفف عن القائد وجنوده هذه المحنة هو جوارهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانوا على الدوام يجتمعون في المسجد النبوي الشريف للبحث عن حل لمشكلاتهم المتفاقمة يوما بعد يوم. وأمام حالة الضعف والانكسار التي كانت تمر بالدولة العثمانية، اضطرت للتوقيع على اتفاقية موندروس الاستسلامية التي بموجبها قبلت الدولة العثمانية بتسليم المدينة المنورة - وغيرها من مدن الدولة العثمانية - إلى أقرب قائد من قادة قوات الحلفاء. وما أن وصلت الأوامر إلى فخر الدين باشا، حتى رفض تنفيذ هذه الأوامر، وأمر جنوده بعدم الاستسلام، بالرغم من علمه هو وجنوده بأنهم محاصرون ومقطوعة عنهم كل سبل الإمدادات، وأن السلاح والذخيرة التي معهم لا تكفي للقيام بأي مقاومة ضد أي هجوم على المدينة.
فعلم الخليفة العثماني بموقف القائد العظيم فخر الدين باشا، فأرسل وزير العدل حيدر باشا إلى اللواء فخر الدين باشا يطالبه بتنفيذ أمر الوالي العثماني فكان رده أن (الخليفة يعد أسيرا في يد الحلفاء، لذلك فلا توجد له إرادة مستقلة، ومن ثم فهو يرفض الانصياع إلى أوامره ويرفض الاستسلام).
ثم اجتمع القائد وجنوده في صلاة الظهر في المسجد النبوي الشريف، وتحديدا في الروضة الشريفة، وما إن انتهت الصلاة حتى التف القائد العظيم بالعلم العثماني وارتقى المنبر الشريف وخطب في جنوده، وكانت دموعه تسبق كلماته التي أكد خلالها على أن مدينة رسول الله لن تسقط في أيدي الإنجليز أو حلفائهم، فلم يكن الجنود يقلون عنه إخلاصا ووفاء وتأثرا مما هم فيه.
بعد هذا الصمود والإصرار، بدأت الأمراض تنتشر بين الجنود، والغذاء يكاد ينفد من بين أيديهم، والعرب البدو، بإيعاز من الإنجليز، يضيقون عليهم الحصار الخانق، والقائد وجنوده يدركون أن أي صدام سوف يحدث بين قوات الخلافة الإسلامية العثمانية وبين قوات الحصار البدوي سيكون الجاني والضحية فيه من المسلمين، وأمام هذه الخيارات المأساوية وافق اللواء فخر الدين باشا على الاستسلام، وجرت كل ترتيبات خروجه وقواته من المدينة المنورة.
وفي اليوم المحدد للرحيل، انتظرته سيارة تحمل كل أغراضه الخاصة لنقله إلى إحدى الاستراحات، وأمام مقر إقامة القائد انتظر الجنود خروجه لساعات طويلة، لكنه لم يخرج، ثم أبلغ الجنود بنقل أغراضه الخاصة من السيارة إلى بناء متواضع بجوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى الجنود من موقف قائدهم، وعم الحزن والأسى الجيش المرابط في مدينة رسول الله (ص)، وبالفعل انتقل اللواء القائد إلى هذا المنزل المتواضع، لكن الضباط المعاونين له رأوا أن يحملوه قسرا إلى الخيمة التي أعدت لإقامته.
لقد كان الضباط يعرفون مدى حب قائدهم لرسول الله (ص) ومدى إصراره على عدم مفارقته، لكن شرفهم العسكري يأبى أن يتركوا قائدهم ويرحلوا هم ليلقى مصيره منفردا. وفي الحادي عشر من كانون الثاني/ يناير عام 1919، اصطف القائد والجنود أمام المسجد النبوي الشريف لوداع رسول الله (ص)، فكان كل ضابط وجندي يدخل يقف لحظات أمام القبر الشريف يسكب الدموع والعبرات ويلقي السلام على خير الخلق ثم ينصرف، وأمام هذا المشهد الذي كان ترقبه قوات البدو التي كانت تحاصرهم تأثر الجميع، وما أن وصل القائد الجليل إلى خيمته، فإذا بالبدو يحيطون بالخيمة ويهتفون للواء فخر الدين باشا بعدما أدهشهم حبه وتعلقه برسول الله (ص).
وفي الثالث عشر من كانون الثاني/ يناير عام 1919 دخلت قوات البدو إلى المدينة المنورة، وأُعلن استسلام الدولة العثمانية في المدينة المنورة، ليبقى التاريخ الإسلامي شاهدا على أبطال عظماء، حتى وإن لم يحالفهم النصر.
شارك
المزيد من هذا الكاتب
