كتاب عربي 21

هل انتهت مجموعة "خراسان" داخل النصرة

1300x600
عندما تشكل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2014 للتصدي لتمدد تنظيم الدولة، كانت مجموعة "خراسان" داخل جبهة النصرة هدفا مفضلا لغارات التحالف الجوية، فقد استهدفت أولى الغارات في سوريا في 22 أيلول/ سبتمبر 2014، قائد مجموعة "خراسان" المفترض محسن الفضلي، وقد ظهرت التسمية الأمريكية بالتزامن مع تشكيل التحالف الدولي، وأطلقت على مجموعة من الجهاديين الراديكاليين المعولمين داخل جبهة النصرة والذين يتبعون قيادة الظواهري في "خراسان" باعتبارهم يتوفرون على أجندة معولمة تمثل خطرا على أمن الولايات المتحدة وأوروبا، ويشكلون عائقا أمام تكيّفات النصرة مع الشأن المحلي السوري، ويحولون دون إمكانية فك الارتباط مع تنظبم القاعدة.

وعلى الرغم من نجاة الفضلي من الغارة الأولى إلا أنه قتل لاحقا في غارة أخرى، الأمر الذي دفع بمجموعة "خراسان" إلى دفع النصرة باتجاه مواقف أكثر تشددا في التعامل مع الفصائل المدعومة من الولايات المتحدة، وبعد ستة أسابيع من بدء الضربات الجوية في سوريا حسمت جبهة النصرة خياراتها بالتعامل مع حلفاء أمريكا وشركائها المحليين باعتبارهم "عملاء"، ودخلت جبهة النصرة في صدام مسلح مع هذه الفصائل في ريف إدلب، واستولت على معاقل كل من "جبهة ثوار سوريا"، وحركة "حزم"، وباتت المنطقة تقع تحت سيطرتها التامة.

لقد عملت الولايات المتحدة على تبني استراتيجية صبورة بالتعامل مع جبهة النصرة، من خلال خلق حالة من الاستقطاب والفرز بين أجنحتها المختلفة المتشددة والأكثر تشددا، وبين العناصر المحلية والأجنبية، وبين أجنحتها الراديكالية والبراغماتية، حيث وضعت مجموعة "خراسان" المعولمة وقيادتها على قائمة مصفوفة القتل والاستهداف، وتجنبت مرحليا القيادات الأكثر مرونة المتكيّفة مع الشأن السوري ولا تتوافر على أجندة عالمية، فمن شأن هذه الاستراتيجية أن تعمل على إذكاء الخلافات وبث الشقاقات والنزاعات، وتعميق الشكوك والاتهامات، وصولا إلى تفتيت النصرة وإضعاف هيكلها التنظيمي.

 مجموعة "خراسان" داخل النصرة باتت مهددة بالانقراض عبر برنامج الطائرات بدون طيار ومصفوفة القتل، وقطع الرؤوس، كما هي حال قاعدة الجهاد في خراسان، فعقب اغتيال أسامة بن لادن في 2 أيار/ مايو 2011، وتولي الظواهري، تعرضت القاعدة في باكستان لاختراقات كبرى، وتم تصفية معظم قياداتها بدءا من أبو يحيى الليبي وعطبة الله الليبي 2012، وصولا إلى قاري عبيد الله منصور (القاري عمران) مسؤول القاعدة في أفغانستان في قصف للطائرات الأمريكية في 5 كانون ثاني/ يناير 2015، ثم مسؤول العمليات بالتنظيم، عدنان شكري جمعة، خلال عملية للجيش الباكستاني في كانون أول/ ديسمبر 2015، وبعدها مقتل المتحدث باسم تنظيم القاعدة، آدم غدن، المعروف بلقب "عزام الأمريكي، في نيسان/ أبريل 2015، من خلال طائرة من دون طيار على الحدود الباكستانية الأفغانية.

 لا شك أن سياسة قطع الرؤوس التي اعتمدتها الولايات المتحدة سوف تؤثر على تماسك الهيكل التنظيمي لجبهة النصرة على المدى المتوسط، وربما يدفع بعض أعضائها إلى التخلي عنها، ذلك أن مقتل القيادات سوف يعزز الشكوك بوجود اختراقات أمنية جسيمة على كافة المستويات التنظيمية، فإذا كانت الاتهامات توجه عادة إلى فصائل وجماعات معارضة لخلق حالة من التماسك، فإنها ستفضي في النهاية إلى مزيد من الشكوك حول مكونات واسعة داخل النصرة، قد تتطور إلى حملة تطهير ضد جواسيس مفترضين، كما حدث مع قاعدة الجهاد في جزيرة العرب في اليمن بعد مقتل زعيمها أبو بصبر ناصر الوحيشي، إلى جانب قيادات عديدة أمثال: إيراهيم الربيش، وحارث النظاري، ونصر الآنسي، ومهند غلاب، ومأمون حاتم، وجلال بلعيد المرقشي، وغيرهم.

لا جدال بأن جبهة النصرة كأحد فروع القاعدة لا تملك خبرة في إدارة المناطق المحررة، فالسيطرة المكانية تخلق حالة من التسيّب الأمني، وتصبح عمليات القتل المستهدف أكثر سهولة، وعمليات الاختراق أشد فعالية، بحيث باتت إدلب التي تقع تحت سيطرة التنظيم نقمة عليه، فقد تم إغتيال مجموعة من القيادات في هذه المنطقة التي يفترض أن تكون آمنة، وكان آخرها مقتل عدد من قياداتها في غارة أمريكية على بلدة كفر جالس في ريف إدلب، حيث قتلت غارة أمريكية أبو فراس السوري، مسؤول المعاهد الشرعية في "جبهة النصرة"، والذي كان متحدثا باسم النصرة، وهو أحد قيادات الجناح الجهادي المعولم داخل النصرة المعروف بمجموعة "خراسان"، كما قتل رفاعي طه، مسؤول الجناح العسكري السابق لـ"الجماعة الإسلامية" في مصر، وغيرهم.

بين مقتل الفضلي والسوري شهدت مجموعة خراسان نزيفا حادا بمقتل قياداتها، فقد قتل أبو همام الشامي، المسؤول العسكري للنصرة، والسعودي عبد المحسن عبدالله إبراهيم الشارخ المعروف بـ"سنافي النصر" وآخرون، حيث تكشف سير القيادات الخرسانية عن طبيعة مجموعة "خراسان" وأهميتها الاستثنائية التي يصعب تعويضها في أطر تنظيمية كالقاعدة وفروعها، فأبو فراس السوري واسمه الحقيقي رضوان نموس، من مواليد دمشق في العام 1950، وقد التحق بالكلية الحربية وتخرج برتبة ملازم عام 1970، وسرح من الخدمة بعد 9 سنوات بسبب اشتراكه في "مجزرة المدفعية" في حي الراموسة في حلب والتي قضى فيها عشرات الطلاب العسكريين، وهو أحد أعضاء تنظيم "الطليعة المقاتلة" التي قاتلت في سوريا أواخر السبعينيات، حيث كان يعمل مدربا للمسلحين، وسافر إلى أفغانستان عام 1981 وقام بعدة دورات عسكرية للأفغان وللعرب القادمين إلى القتال في أفغانستان، وكان مقربا من زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكان على صلة بأبي مصعب السوري، وذهب إلى اليمن عام 2003، حيث بقي هناك حتى عودته إلى سوريا عام 2013، وعلى إثر الخلاف المعروف بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة كان أحد مبعوثي زعيم القاعدة أيمن الظواهري، كما هو حال كافة أعضاء مجموعة "خراسان"، وقد تولى منصب المتحدث الرسمي باسم جبهة النصرة، ثم مسؤول المعاهد الشرعية فيها، بالإضافة إلى منصبه كعضو في مجلس شورى جبهة النصرة.

تشير رسائل ومقالات وكلمات أبو فراس السوري إلى نهج مجموعة "خراسان" وطبيعتها الراديكالية، ففي مقالتيه الشهيرتين "عندما ينطق الرويبضة" و"أنا النذير العريان"، اللتين كتبهما أواخر العام الماضي شن حملة شعواء على معظم الفصائل الإسلامية أمثال "أحرار الشام" و"جيش الإسلام"، فقد وصف "الأحرار" بالسماعين ووصف زهران علوش بالزنكي، وفي مقالته "أنا النذير العريان" وصف "ميثاق الشرف الثوري"، الذي وقعته عدة فصائل، على رأسها "الجبهة الإٍسلامية" و"فيلق الشام" و"الاتحاد الإسلامي"، بالضلالات.

خلاصة القول إن مجموعة "خراسان" داخل النصرة باتت تفتقد إلى قيادات تاريخية قادرة على المضي قدما باتجاه عولمة الحركة والالتزام بأجندة القاعدة التقليدبة باتجاه استهداف "العدو البعيد" ممثلا بالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل خصوصا، والغرب والصليبيين عموما، وهي الأهداف الأساسية لقاعدة أسامة بن لادن، وبهذا، فإن الحديث عن النصرة باعتبارها فرعا إقليميا لقاعدة الجهاد يصبح بعيدا عن الصواب والواقع، كما أن الحديث عن فك الارتباط عن القاعدة يغدو لغوا لا معنى له، فالنصرة تنظيم جهادي سلفي سوري لا علاقة له بالقاعدة من مجاهدي الشام في ساحات القتال.