كتاب عربي 21

الدعوة للسلام تحت صور السلاح

1300x600
الاحتفالات الشعبية التي نظمها حزب الشعوب الديمقراطي يوم الاثنين في ميدان النوروز بمدينة ديار بكر بمناسبة "عيد النوروز" شهدت إقبالا ضعيفا من سكان المدينة، مقارنة بالاحتفالات التي أقيمت في الميدان نفسه العام الماضي. ولذلك اضطرت وسائل إعلام موالية للحزب نشر صور الاحتفالات التي أقيمت العام الماضي في ديار بكر أو تلك التي تم تنظيمها في اسطنبول قبل سنة، لتوحي للرأي العام بأن المشاركة في الاحتفالات كانت كبيرة وأن شعبية حزب الشعوب الديمقراطي لم تتراجع.

المشاركون في احتفالات عيد النوروز بمدينة ديار بكر رفعوا أعلام حزب العمال الكردستاني وصور زعيمه عبد الله أوجلان، بالإضافة إلى أعلام حزب الشعوب الديمقراطي، وألقى رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش وقادة الحزب كلماتهم على المنصة أمام صورة كبيرة لأوجلان وصور بنادق كلاشنكوف، ليدعوا إلى السلام، في تناقض واضح بين رسالة الصورة ورسالة الخطاب.

دميرتاش في كلمته التي ألقاها وسط هتافات مؤيدة للمنظمة الإرهابية وزعيمها أوجلان، ندد بالتفجير الانتحاري الذي استهدف قبل أيام شارع الاستقلال باسطنبول، إلا أنه لم يتطرق إلى العمليتين الانتحاريتين اللتين ضربتا العاصمة التركية أنقرة وأسفرتا عن مقتل 66 مواطنا، ولم يندد بهما، لأن التفجير الإرهابي الذي وقع في إسطنبول قام به انتحاري من تنظيم داعش، وأما العمليتين الإرهابيتين اللتين استهدفتا شارع المراسم ومنطقة كزيلاي بأنقرة فنفَّذهما عناصر صقور حرية كردستان، أحد التنظيمات الإرهابية التابعة لحزب العمال الكردستاني. 

النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي، سري ثريا أوندر، في كلمته باحتفالات عيد النوروز في مدينة ديار بكر، ناشد الحكومة التركية ودعاها إلى العودة لطاولة المفاوضات ومواصلة عملية السلام الداخلي، وتعهد بإحلال السلام وإنهاء الاشتباكات خلال أسبوع فقط في حال قررت الحكومة وقف العمليات الأمنية في المحافظات الشرقية، وقال متحديا: "إن لم تتوقف الاشتباكات في سبعة أيام اصلبوني في ميدان ديار بكر". 

هذه الدعوات التي يطلقها قادة حزب الشعوب الديمقراطي تحت صور أوجلان وبنادق كلاشنكوف، وعلى وقع الهجمات الإرهابية والاشتباكات الدائرة بين قوات الأمن التركية وعناصر حزب العمال الكردستاني، من غير المتوقع أن تجد صدى لدى الحكومة التركية، لأنها غامرت بإطلاق مبادرة السلام الداخلي وواجهت جميع الانتقادات التي تتهمها بالحوار والمساومة مع المنظمة الإرهابية، وأعطت لجهود إنهاء الصراع الدموي فرصة أكثر من كافية، إلا أن المنظمة الإرهابية، بدلا من الالتزام ببنود ما تم الاتفاق عليه وسحب عناصرها من الأراضي التركية، استغلت الفرصة لتكديس الأسلحة والذخائر والمتفجرات في المدن والتخطيط لما بعد قلب طاولة المفاوضات. وبالتالي، تعني دعوة رئيس حزب الشعوب الديمقراطي ونوابه إلى العودة للمفاوضات ومواصلة عملية السلام الداخلي من حيث توقفت، مطالبة الحكومة التركية بأن تنخدع مجدَّدا لتلدغ مرة أخرى من الجحر نفسه، إلا أن الحكومة التركية عازمة على مكافحة الإرهاب وعدم مواصلة عملية السلام الداخلي حتى يلقي حزب العمال الكردستاني سلاحه ويسحب عناصره من الأراضي التركية.

دعوة قادة حزب الشعوب الديمقراطي إلى السلام ووقف العمليات الأمنية دون أن يشجبوا ويستنكروا الهجمات الإرهابية التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني لا تبدو صادقة ولا مقنعة، في ظل استمرار هجمات حزب العمال الكردستاني وتصريحات قادته المستفزة التي تدعو إلى السلام من ناحية وتهدد الحكومة التركية بالتصعيد من ناحية أخرى، إلا أنها تشير في الوقت نفسه إلى حاجة المنظمة الإرهابية لوقف إطلاق النار حتى تتنفس وتخرج من الحصار وتفلت من ضربات قوات الأمن التركية.  

حزب العمال الكردستاني، على لسان قادته وقادة حزب الشعوب الديمقراطي، يدعو إلى السلام، ثم يقوم بهجمات إرهابية ليقتل عشرات من الجنود ورجال الشرطة والمدنيين، بل يتوعد بالتصعيد ويقول إن هجماته الإرهابية ستستمر حتى تسقط الحكومة التركية، ويدعو حزب الشعب الجمهوري إلى التحالف معه ضد حزب العدالة والتنمية، ثم يكرر دعوته إلى السلام لينتظر من الرأي العام التركي أن يصدق أكاذيبه وينخدع بألاعيبه الرخيصة.