تضج صفحات موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بسجالات ساخنة وعنيفة بين رموز ونشطاء
الثورة السورية، وبين من يسمونهم دعاة وشيوخ "إخوة المنهج" أو "المناهجة" والفصائل والمجموعات المسلحة المحسوبة عليهم.
وما زاد تلك السجالات سخونة وعنفا شهادة حذيفة عبد الله عزام الأخيرة ضد جبهة
النصرة، التي اتهم فيها الجبهة بأنها قاتلت الفصائل الأخرى "قتال ردة"، وقال في تغريدة له "وأقسم بالله العظيم أن الفاتح الجولاني -أمير الجبهة- نفسه قاتل جبهة ثوار
سوريا وحركة حزم قتال ردة".
من جهتها، وصفت جبهة النصرة على لسان متحدثها الرسمي "أبو عمار الشامي"، شهادة عزام بشأن قتال النصرة لحركة حزم وحركة ثوار سوريا بقيادة جمال معروف" بأنها "احتوت على الكثير من المغالطات والأكاذيب" على حد قول الشامي.
وفي السياق ذاته، هاجم منظرا
السلفية الجهادية، أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني حذيفة عزام، فكتب المقدسي مدافعا عن النصرة: "الجوقة المتآمرة على النصر: المطبلون لمؤتمر الرياض، المزمرون لتركيا، اللامناهجة المدعون، د. (الفتى من قال كان أبي) حقده قديم، لكن الأوامر صدرت الآن".
أما أبو قتادة فعلق قائلا: "لما مات أبوه (تقبله الله) صار سفيها يطوف كالصبيان، لاعبا لاهيا فترحم الناس على أبيه كيف خلف بهذا السفه.." مضيفا (في إشارة منه لحذيفة) لم تزده الأيام إلا سفها، لكن باتجاه آخر".
فما هي خلفيات وجذور ذلك الصراع المحتدم على هوية الثورة السورية؟ وهل ثمة اختلافات جذرية بين مشروع من يسمونهم بـ"المناهجة" وبين مشروع فصائل الجيش الحر والفصائل السورية الإسلامية الأخرى؟.
وفقا للباحث في شؤون الحركات الإسلامية، محمود الكيلاني، فإن مصطلح "المناهجة" أطلقته جماعات وتيارات "السلفية الجهادية" على نفسها ابتداء، باعتبار أن ما يميزها عن سائر الاتجاهات الأخرى هو "إخوة المنهج"، منهج الحق والاستقامة.
وأضاف الكيلاني لـ"عربي21" "أنه نظرا لما ترتب على إعمال ذلك المنهج من إحداث فجوة كبيرة بين جماعات السلفية الجهادية من جهة والجماعات الأخرى وعامة الشعوب الإسلامية من جهة أخرى، فقد دعا بعض رموز السلفية الجهادية في سياق مراجعاتهم إلى تجاوز تلك المصطلحات تحقيقا لمصلحة ردم الهوة بينهم وبين الفصائل من جانب، وكسب تأييد الحاضنة الشعبية المناصرة لهم من جانب آخر.
وأوضح الكيلاني أن الفصائل الإسلامية والوطنية السورية، بسبب ما رأته من تشدد الفصائل المحسوبة على السلفية الجهادية في حكمها عليها، الذي يصل إلى تكفيرها ووصفها بالردة نتيجة علاقاتها مع بعض الدول والقوى، باتت تطلق وصف "المناهجة" و"إخوة المنهج" على تلك الفصائل كتنظيم الدولة وجبهة النصرة، وجند الأقصى، وإلى حد ما على حركة أحرار الشام.
ويتفق الناشط السوري وائل عبد العزيز مع الكيلاني في وصفه للمناهجة، مضيفا إلى ما قاله "أنهم يرون في أنفسهم أصحاب العقيدة السليمة، وحملة الراية النقية"، وهو ما جعلهم يحصرون الجهاد في أنفسهم كما العقيدة، فكل مخالف لهم، إما كافر أو مرتد أو ضال منحرف.." وفق قوله.
وتابع عبد العزيز في حديثه لـ"عربي 21": "هذه الصفات التي يزرعها منظرو المنهج في رؤوس الأتباع جعلت منهم أداة للتنفير والتكفير وشق الصف، وتسفيه جهاد المخالف والطعن بمدرسته الفكرية".
وانتقد عبد العزيز ما وصفه "بتمييز المناهجة أنفسهم عن المقاومة الشعبية للثورة المتمثلة بالجيش الحر، بل وحرموا رفع راية الثورة، ووصفها أحد منظريهم الكبار بـ"الراية الوثنية"، كما كفروا دعاة الوطنية المعارضين لنظرية الجهاد المعولم، منفصلين بذلك عن الثورة وأهدافها وأهلها.
ورأى عبد العزيز أنه بالإعلان عن قيام "الدولة الإسلامية"، ومن ثم "خلافة البغدادي"، ظهر دعاة المنهج والمناهجة على حقيقتهم، فلم تعد هناك حاجة لإضمار شيء، بعد أن شربوا من خمر القوة وتمددوا، وأعلنوا الخلافة قاطعين على مناهجة القاعدة أي طريق.
وتابع قائلا: "وبدأ الصراع على حصرية الجهاد العالمي بين القاعدة (وداعش) على حساب الثورة السورية، وبعدها أدخل المناهجة الثوار في صراعات ومعارك عبثية لم تكن معروفة قبل دخولهم، وبدأت تنتشر تصنيفاتهم الطاعنة، فالجيش الحر علماني، والمنتمون إلى جيش الإسلام مرجئة، وكل منتم لأحرار الشام -التي كانت لفترة طويلة مطية للمناهجة بكل أسف- إخواني سروري إلا من وافق منهجهم".
وأشار عبد العزيز إلى أن "المناهجة" بدأوا بالتشويش على الفصائل لمنع أي توافق بينها، وخصوصا التقارب بين أحرار الشام وجيش الإسلام، لافتا إلى أن المناهجة في سوريا (جبهة النصرة) فككوا أكثر من (11) فصيلا من الجيش الحر مدعين أنهم ما فككوها إلا ردا للصائل".
وانتقد عبد العزيز سلوك الجبهة في تفكيك تلك الفصائل، مستخدمة فتاوى التكفير والردة، وحينما وقعت الخلافات بينها وافقت الفصائل على التحاكم للشرع في الوقت الذي تهرب فيه المناهجة، وقد ثبت أن فصائل الجيش الحر لم تعتدِ على النصرة، وإنما قامت الجبهة بتفكيك تلك الفصائل، ممهدة بذلك لإعلان الإمارة في منافسة منها لتنظيم الدولة (داعش) على حساب الثورة السورية.
وبلغة واضحة وصارمة اعتبر الناشط السوري فؤاد حلاق أهداف من يُسمون بأخوة المنهج لا تتقاطع مع الثورة السورية، على الرغم من قتالهم للنظام، كما أنهم في الوقت الذي يطالبون فيه بالخلافة الإسلامية يرفضون خلافة (داعش)!.
وجوابا عن سؤال "عربي 21" حول وجوه الافتراق بين أهداف من يصفونهم بـ"المناهجة" وأهداف الثورة السورية، قال حلاق "الثورة السورية هدفها إسقاط النظام، ومن يحاول الابتعاد عن هذا المطلب يقف في صف الثورة المضادة".
بدوره، وصف أبو محمد المقدسي، منظر السلفية الجهادية الأبرز "دعاوى خصوم من يسمونهم بـ"المناهجة" وبكل صراحة، بالمبالغ فيها، وتصل إلى الكذب في كثير من الأحيان، وهي متحيزة وتكيل بمكيالين"
وتابع المقدسي حديثه لـ"عربي 21": "إذا كالونا أخسروا، وإذا كالوا من بكفتهم استوفوا لهم وباركوهم أو غضوا عن إسفافهم وتحريضهم" وأضاف "يَدعون أننا أفسدنا الجهاد السوري، وتورطنا بالدماء، ونحن نتحداهم ونقول أين هو تحريضنا المزعوم وأين تورطنا بالدماء".
وانتقد المقدسي تلك الدعاوي قائلا: "إذا كنا مع جماعة الدولة الذين قتلوا وذبحوا مجاهدين، وفعلوا وفعلوا وطعنوا فينا، وبهتونا لم نفتِ فيهم إلا بما يدفع صيالهم، بل وعارضت أنا استئصالهم وقتلهم قتل عاد" متسائلا: "فأين أفتينا بقتال فصائل معروفة أو حرشنا بين الفصائل"؟.
وأوضح المقدسي طبيعة ما يقوم به بقوله: "ما نفعله هو ممارسة دورنا في حراسة الجهاد وثمراته والشريعة والتوحيد، ننفي عن ذلك تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وسرقة تضحيات المجاهدين".
وأضاف: "يريدون إسكاتنا عن القيام بواجب النصح للجهاد والدين، ليفتحوا المجال لدور علماء السلطان والمشايخ الموجهين من الداعمين، ليعملوا على إسقاط المجاهدين الذين يرفضون الدخول في المشروع الأمريكي المفروض على الساحة، ويشوهوهم ويشيطنوهم ليدعوا إلى استئصالهم كما دعوا إلى استئصال جماعة الدولة".
وهاجم المقدسي سلوك من وصفهم بأنهم "يعظمون أخطاء بعض هذه الفصائل ويضخمونها، ويفترون عليها الكذب أحيانا في وقائع، ويزورون الحقائق، وفي المقابل يمجدون فصائل تابعة لهم، مدعومة من أنظمتهم، مرضي عن قياداتها من حكامهم، ويرقعون لهم، ويهونون من انحرافاتهم مع أن بعضها من أكبر الكبائر" على حد قوله.