رسالتي اليوم ليست إلى أمي التي حملتني في بطنها، ولا التي ترتبيت على يديها، ولا التي أعشق ترابها وأقبل يديها من أجل نيل رضاها... أكتب رسالتي إلى كل أم تذهب كل يوم إلى قبر ابنها الشهيد الذي لم يقتص من قاتله حتى الآن، أكتب إلى كل أم تحمل ولدها المصاب منذ أكثر من سنتين ونصف حتى تتمكن من علاجه، أكتب إلى كل أم تبدأ رحلة يومية لتبحث عن ولدها الذي اختفى قسريا ولم تجده في أي مكان، أكتب إلى كل أم تخوض معركة صمود تتجاوز العشرين ساعة من أجل إلقاء نظرة على قرة عينها في
السجون، أكتب إلى كل أم لم تتمكن من زيارة فلذة كبدها نظرا لآنه ممنوع عنه الزيارة أو لمرضها الذي يقف حائلا أمام زيارة ابنها، أكتب إلى كل أم تعيش أصعب لحظات حياتها نظرا لاعتقال ابنتها.
أقول لأم علاء عبد الفتاح وجهاد الحداد وأحمد ماهر وإبراهيم اليماني وعبدالله الفخراني وشوكان وسامحي، وكل شباب
مصر الأحرار: "أبشري يا أمي فأنت من أخرجت إلينا أبطالا صنعوا المجد لأوطانهم، صمودك يكسر شوكة الظالمين، وإصرارك يفتك كبر المتجبرين. اعلمي أن ابنك يبني وطنه من مكانه الذي هو فيه الآن. فثباتك وقود لابنك.. كوني على يقين بأن ابنك سيخرج من الاعتقال، وعندها سيبني مصر بسواعده وبدعائك، فلا تحزني ولا تجزعي يا أمي، وأبشري بالفرج والنصر".
أكتب لأم الشهيد كريم بنونة ومينا دانيال وعماد عفت وخالد السعيد وأسماء البلتاجي وشيماء الصباغ، وغيرهن من أمهات الشهداء: "أماه افرحي فابنك مات فداء لوطنه ودينه، مات وهو عاشق لهذا البلد، مات وهو يحلم بوطن حر يعيش فيه، مات وهو مؤمن بأن دمه سيكون لعنة على من قتلوه، وأن من أجرموا في حقه لن يفلتوا من العقاب، وإن أفلتوا من عقاب الدنيا فالعزيز المنتقم لهم بالمرصاد في يوم لا يكون فيه الحكم إلا له سبحانه".
أقول لكل أم ولدها مصاب: "اصبري يا أماه، وثقي بقدرة الله على شفاء ولدك، واعلمي أن هذا اختبار من الله لك ولابنك. فكوني عونا لولدك على إتمام شفائه، واعلمي بأن أحرار العالم سيكونون داعمين لك ولولدك حتى يكتب له الشفاء، وحتى يأخذ حقه ممن أصابه، فتلك الجرائم لا تسقط بالتقادم، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون".
أكتب لكل أم مطار أو مهاجر: "والله ما خرج ابنك إلا من أجل هذا الوطن، ويوما ما سيعود إليه، لأنه لا يحمل في هذه الدنيا إلا هم الوطن وأهله، فحبه لوطنه لا يسبقه إليه أحد، ولذلك كان حتما عليه أن يدافع عن وطنه وعن أصحابه الذين اعتقلوا ظلما، وعن صديقه الذي استشهد غدرا، وعن زمليه الذي أصيب عمدا، ولن يهدأ له بال حتى يأتي بحق الوطن وصحبه وصديقه وزمليه، عندها ستكون مصر عادت لأهلها وسيكون ابنك قد عاد لمصر".
أقول لأم 56 بنتا معتقلة في السجون: "أمي اعلم أنك تعيشين أصعب فترات حياتك، وأعلم كم هو شعورك كل ليلة عندما لا تجدين ابنتك في فراشها، ولا تستطيعين الاطمئنان عليها، وتنتظرين بفراغ الصبر زياراتها الأسبوعية لكي تضمي نور قلبك إلى صدرك. أماه.. ابنتك لم تعتقل في قضية مخلة بالشرف، بل اعتقلت لأنها كانت تبحث دائما عن الشرف لها ولأهلها ولوطنها. اعتقد السجان أنه كسر شوكتها، ولكن هيهات. فبنات مصر هن أرجل من الرجال، واعلمي يا أماه بأن ابنتك ستخرج كما خرجت منى سيف وإسراء الطويل وهند، وغيرهن.
أقول إلى آية حجازي، المعتقلة منذ عامين بتهمة إيواء وتربية أطفال الشوراع: "حق على كل مصري أن يقبل رأسك، فأنت سعيت جاهدة لحل مشكلة تؤرق مصر منذ عشرات السنين، ولكن من اعتقلك لا يريد لتلك المشكلة أن تحل، ويرى أن اعتقالك هو الحل. فاعلمي بأن حلمك سيتحقق وستنتهي مشكلة أطفال الشوارع، وكوني على يقين بأن اسمك سطر بحروف من نور في سجل الأمهات اللاتي يعشقن أطفال هذا الوطن، ويعملن من أجل إنشاء جيل محب للوطن وليس كارها له".
أكتب لأمهات مصر الحرائر جمعيا: "عليكن أن تفتخرن بأنكن من ربيتن هذا الجيل الذي يأبى الضيم، ويعشق الحرية كما يعشق الحياة، ويكره السكوت عن الظلم والفساد، ويأبى إلا أن يعيش في دولة وطنية ديمقراطية حديثة، تحمي مواطنيها وتحافظ على حقوقهم. فشكرا لكن على ما أديتن من واجبكن تجاه أبنائكن وأوطانكن، واعلمن أن أبناءكن لن يضيعوا جهودكن، وسيستمرون في كفاحهم ونضالهم حتى تعود مصر إلى شعبها وأهلها. وكن على ثقة بأننا سنربي أولادنا على ما ربيتمونا، بأن الله خلقنا أحرارا ولم يخلقنا عبيدا، وإننا سنرضع أولادنا حب هذا الوطن والعمل من أجله حتى تعود مصر لكل المصريين".
فشكرا لكنّ يا أمهات مصر.