كسرت المقاومة الشعبية والجيش الوطني الحصار الخانق الظالم على مدينة تعز الذي فرضته مليشيا الحوثي وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح منذ نحو أحد عشر شهرا بعد معارك شرسة في الجبهة الغربية التي تربط المدينة بعدن، وتكبد الحلف الانقلابي خسائر فادحة كان لها تداعيات خطيرة أدت إلى تقهقر معنويات قواتهم على مختلف الجبهات ونسفت هذه التطورات الميدانية مستقبل العلاقات بين المخلوع وجماعة "أنصار الله" الحوثية بعد أن حمّل صالح قيادة الجماعة مسؤولية خروج حاضرة الثقافة اليمنية والتنوع الاجتماعي والسياسي عن سيطرة المشروع الانقلابي وهذا يعني جعل الطريق سالكة إلى صنعاء بحكم أن محافظة إب لا تشكل حاضنة شعبية للحوثيين وكذلك محافظة ذمار التي لن تقاوم كثيرا قوات الشرعية.
من تعز سقط نظام حكم الإمامة المتخلف عام 1962 ومن تعز سقط نظام الرئيس المخلوع علي صالح عندما انطلقت منها شرارة الثورة الشبابية الشعبية السلمية في 11 فبراير 2011، ومن تعز أيضا تعلم اليمنيون كيف يمكن لمدينة السلام والحداثة ولسكانها حملة الأقلام ودعامات البناء والتنمية أن يتحولوا إلى مقاومين أشداء لمختطفي مشروع الدولة الوطنية الحديثة، أما صرخة "لا تقبروني" التي كانت آخر استغاثة لطفل تعزي أزهقت روحه قذائف قصف الحوثيين وحليفهم لمساكن مدنيين فقد حولت حرب صالح وحلفائه على الشعب اليمني إلى انكسار نفسي وازدراء شعبي وستكتب عما قريب شهادة وفاة أحلام الهيمنة والاستبداد.
كثيرون استكثروا على تعز الانتصار لكرامتها التي أهدرت على مداخلها خاصة مدخل وادي الدحي الذي كان أكثر قسوة وهمجية فاقت كل ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي في المعابر التي تحاصر سكان قطاع غزة رغم فارق التشبيه، فلم يرق لجهات مناهضة للمقاومة والحكومة الشرعية مشهد هزيمة وهروب كثير من مليشيا الحوثي وقوات صالح من مواقعها في الجبهة الغربية؛ ولذلك حاولوا غمط تضحيات المقاومين والتقليل من أهمية الحدث، فمنهم من قال إن الحوثي سحب مليشياته للدفاع عن صنعاء، بينما يذهب آخر إلى القول إن صالح هو من سحب قواته ردا على اتفاق التهدئة الحدودي بين مليشيا الحوثي والسعودية وترك مقاتليها لقمه سائغة مكنت المقاومة والجيش الوطني من قتل وجرح وأسر عدد كبير منهم.
في حين يرى آخر أن اتفاق الحوثيين مع السعودية قضى أيضا بالانسحاب التكتيكي من تعز وهو أسلوب درج عليه الحوثيون لتبرير كل هزائمهم، وهناك رأي تم تداوله على نطاق واسع يقول بأن حزب الإصلاح كان من قبل لا يريد تحرير تعز وعندما علم باتفاق الحوثيين مع السعودية ذهب يسابق الزمن للسيطرة على تعز وفرض واقع جديد لا تغيره أي اتفاقات أو تسويات.
مهما تكن وجاهة الآراء أو خيبتها ومجانبتها للواقع، فستبقى حقيقة أن تعز خطبت ود الجميع ولم يخطب ودها أحد، هتفت باسم الرئيس عبد ربه منصور هادي وصوتت له رئيسا شرعيا لكنه تنكر لها وتركها وحيدة تقاوم ترسانة الحوثيين العسكرية بسلاح خفيف تشتري رصاصه جيوب المعدمين والفقراء ذلك أن الكرامة هي أعز وأغلى ثمنا، وفي سبيلها يرخص النفيس، تركتها قوات التحالف العربي تواجه مصيرها المحتوم تحت مبررات أيديولوجية واهية ولم ترق قلوب من بيدهم القرار وهم يسمعون حشرجة أنفاس مكتومة من رئة طفلة مريضة تحتاج إلى أسطوانة أكسجين.
كان الألم يوزع بالأطنان على سكان تعز ولم يأبه لوجعهم أحد، لذلك لم يجد المقاومون بدا من الاعتماد على إرادتهم وثقتهم بالله فكان النصر حليفهم، وعندما احتفلوا بثمرة نضالهم لم ينسوا أن يقتسموه مع قوات التحالف التي كانوا يشعرون بإسنادها المعنوي رغم غياب طائراتها في كثير من الأحيان عن أجواء مدينتهم التي تلوثها كل يوم أدخنة الدبابات والمصفحات الحوثية.
تسارع وتيرة الأحداث في اليمن تجعل المتابع يقول: انتهى إذًا زواج المتعة بين الحوثيين والرئيس المخلوع وتبدلت أولوياتهما فالأول يريد بأي شكل أن يحصل على جزء ولو يسير من كعكة الحكم تتصدق به دول التحالف العربي وعلى رأسها السعودية، أما الثاني فقد تضاءل أمله بالوجود السياسي ويريد فقط خروجا آمنا له ولأفراد عائلته ليترك كل من قاتلوا باسمه يواجهون حقيقة مرة وهي أنهم قتلوا ودمروا الشعب والوطن دون مقابل، ولم يبق سوى تأنيب الضمير والمستقبل المجهول، أما تعز برغم كل جراحها فستبقى كل الوطن وهي أيضا أيقونة نصره الذي أصبح قاب قوسين.
عن صحيفة الشرق القطرية