نموذج للدبلوماسي الكلاسيكي الذي يؤدي الدور المرسوم له بعناية ودقة دون أن يعرف له ولاء لأي فكرة أو حزب.
لم يستطع أن يلفت النظر إليه على مدى أربعة عقود على غرار أسماء أخرى في التاريخ الحديث للدبلوماسية
المصرية بوزن، محمود رياض وعمرو موسى وعصمت عبد المجيد.
ارتبط اسمه بحدثين مهمين، الثورة المصرية التي أنهت عهد محمد حسن مبارك، وبموقفه الحاد والعدائي من "حماس" وقطاع
غزة، ودفء علاقاته مع تل أبيب وبشكل خاص وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني.
كاد ترشيحه لمنصب الأمين العام للجامعة العربية يتسبب في إحداث شرخ وتمزق جديد في العلاقات العربية، التي تعاني بالأصل من التشظي والتشرذم.
وعلى ذمة صحيفة "اليوم السابع" المصرية، فإن
قطر والسودان كانت تقف ضد ترشيحه لمنصب أمين
الجامعة العربية، وكحل وسط اتفق على تأجيل التصويت على مرشح مصر للمنصب، وعلى تمديد ولاية نبيل العربي، الذي أعلن عدم اعتزامه الترشح لولاية جديدة بعد انتهاء ولايته في حزيران /يونيو المقبل، لكن يبدو أن التوافق قد تم في اللحظة الأخيرة.
أحمد أبو الغيط المولود في عام 1942 دبلوماسي برز في عهد مبارك، وكان أحد ألوان تلك الحقبة الرمادية، ألتحق بعد تخرجه عام 1964 من جامعة عين شمس وحصوله على بكالوريوس تجارة، بوزارة الخارجية، وفي عام 1972 عين عضوا بمكتب مستشار رئيس الجمهورية للأمن القومي.
وظل أبو الغيط متنقلا في سلك الدبلوماسية المصرية زهاء أربعة عقود، حتى عام 2004 حين عين وزيرا للخارجية حتى عام 2011، واستمر في منصبه لفترة وجيزة بعد اندلاع ثورة 25 يناير عام 2011 بعد تنحي مبارك.
وقبيل اندلاع الثورة ومطالبات المتظاهرين في ميدان التحرير بإسقاط النظام، قال :"إن المخاوف من انتقال ما أطلق عليه العدوى التونسية إلى دول عربية أخرى كلام فارغ، وأن لكل مجتمع ظروفه التي لا تتشابه مع المجتمع التونسي".
وفي أثناء الثورة ظهر في لقاء على قناة "العربية" وذكر أن أسباب اندلاع الثورة هي نتائج انتخابات مجلس الشعب التي أجريت في تشرين الثاني /نوفمبر عام 2010 التي اتهمها معارضو النظام بأنها انتخابات مزورة، وأيضا تقدم سن الرئيس مبارك وعدم معرفة خليفته في الحكم والحديث عن التوريث، أو عدمه كان من الأسباب الضاغطة لاندلاعها" حسب وجهه نظره.
وبشكل عام كان موقفه سلبيا من الثورة.
وقد أعيد تعيينه وزيرا للخارجية في الحكومة الأخيرة المشكلة في عهد مبارك برئاسة أحمد شفيق، التي شكلت في أثناء اندلاع الثورة، التي كانت حكومة تسيير أعمال بعد تنحي مبارك ونقل السلطات الرئاسية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
أبو الغيط، وقبل تركه منصبه في الخارجية أغرق الدبلوماسية المصرية بحركة تعيينات للسفراء في شباط / فبراير عام 2011 وضع من خلالها جميع حلفاء عهد مبارك في السفارات المصرية بالخارج، فأصبح المتحدثون باسم مصر في الخارج هم في الأساس ممن يطلق عليهم "الفلول".
وفي ملف الصراع العربي الإسرائيلي كان الرجل معاديا لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وزادت تصريحاته تضاربا وإثارة، خاصة بعد أن سيطرت "حماس" على قطاع غزة في حزيران /يونيو عام 2007، حيث ذهب حد الدفاع عن إبقاء معبر رفح مغلقا بحجة "اعتبارات قانونية واتفاقات دولية"، بل إنه لم يقم بإدانة لفظية للمجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزةز وكان تصريحه إبان العدوان على غزة مثيرا للتساؤل، فقد قال إن :"بلاده حذرت حماس منذ فترة طويلة بأن إسرائيل ستقوم بالرد بأسلوب قوي"، كما حمّل حماس مسؤولية ما يحدث، وذلك لأنها "لم تأخذ التحذيرات على محمل الجد."
و لفت أبو الغيط الأنظار بشكل كبير من خلال التصريحات التي أدلى بها عندما اجتاح أهل غزة معبر رفح، ودخلوا الأراضي المصرية المجاورة، بعد أن ضاقوا ذرعا بالحصار الذي يفرضه عليهم الاحتلال الإسرائيلي مقبلين على شراء ما حرمهم منه الحصار.
وبعدما تداولت وسائل الإعلام صور الغزيين في العريش، خرج أبو الغيط مهددا "بقطع رجل كل من تدوس قدماه أرض مصر"، وزادت حدة تصريحات أبو الغيط ضد "حماس" مع تسارع التطورات في الساحة الفلسطينية وتداعياتها الإقليمية، وخاصة بعد فشل الحوار الوطني الفلسطيني.
وعلى غرار مسؤولين مصرين آخرين فقد حمل أبو الغيط "حماس"، بشكل واضح فشل الحوار الفلسطيني.
لكن لماذا أبو الغيط بالذات والآن تحديدا؟ يرى الكاتب الصحفي وائل قنديل أن النظام المصري "استخرج أحمد أبو الغيط من خزينة ملابس حسني مبارك المستعملة، وطرحوه أمينا لجامعة الدول العربية، لخلافة نبيل العربي، وراحوا يسوّقونه لدى عواصم العرب مرشحا وحيدا".
مؤكدا أن اسم أحمد أبو الغيط، "لا يذكر إلا ملتصقا باسم تسيبي ليفني،، التي كان أبو الغيط يجاهد كي لا تنزلق قدماها على درج، في اللحظة التي كان يتوعد فيها الفلسطينيون بكسر أقدامهم، إن فكروا في ملامسة الأراضي، هربا من القصف الإسرائيلي الوحشي على غزة".
ويتفق معه القيادي بحزب "الدستور" خالد داود بقوله :"السيسي يواصل إعادة رجال مبارك إلى صدارة المشهد، ويرشح أحد ألد أعداء ثورة 25 يناير أمينا عاما لجامعة الدول العربية، أبو الغيط لا يمثلني كمصري".
فيما يرى فيه عماد الدين أديب أحد الأذرع الإعلامية للنظام العسكري: "دبلوماسيا من طراز رفيع".
ويتفق مراقبون وإعلاميون مصريون على أن ترشيح أبو الغيط يتوافق مع "الرغبة الإسرائيلية، وهو إقرار صامت، وإذعان تام لإرادة التطبيع، كما كان يلتزم بها مبارك". كما يرى ذلك أيضا قنديل.
وقد سبق للعرب أن رفضوا مصطفى الفقي للمنصب نفسه بعد ثلاثة أشهر من خلع مبارك، لأسباب تتعلق بكونه واجهة لنظام، كان يوصف بأنه "كنز استراتيجي لإسرائيل"، فكان ترشيح نبيل العربي بديلا مقبولا بالإجماع.
نقاط ضعف أحمد أبو الغيط تأتي من السياسات الخارجية المصرية نفسها، فالعسكر في مصر ما يزالون يلعبون في المربع الرمادي في تناقض واضح مع الموقف الخليجي، مثل موقف مصر غير الواضح من الأزمة اليمنية، أيضا، لدى الخليجيين تحفظ على موقف مصر الداعم للتدخل الروسي في سوريا ضد المعارضة، إلى جانب عدم معارضة مصر لبقاء بشار الأسد، متذرعة بعدم رغبة مصر بتقسيم سوريا على لسان السيسي نفسه، وإلى تقارب مصر مع الحكومة العراقية التي توصف بـ"الطائفية" إعلاميا.
على صعيد آخر، يأتي ترشيح أبو الغيط متزامنا مع تطلعات عربية لفصل جامعة الدول العربية عن مصر سواء كدولة مقر أو منصب الأمين العام للجامعة، في ظل تراجع دور مصر العربي والإقليمي على عدة أصعدة، وفشل مصر في حل أزمة المياه مع إثيوبيا، وخروج مصر من بؤرة الاهتمام بتنحي القضية الفلسطينية عن صدارة القضايا العربية، وضبابية المواقف المصرية في اليمن وسوريا، وصعوده للدبلوماسية السعودية والقطرية وتصدرهما الملفات المهمة على الساحة.
هل يمتلك أبو الغيط العصا السحرية ليثبت للعرب أحقية مصر في قيادة الجامعة العربية، بإعادة مصر إلى قلب الأحداث وتحدي الحصار على غزة، وموقفها من القضيتين السورية واليمنية؟!
أبو الغيط هو الأمين العام الثامن للجامعة منذ نشأتها عام 1945، حيث اختير عبد الرحمن عزام بالإجماع كأول أمين عام للجامعة وظل فيها إلى عام 1952، ثم انتخب المصري محمد عبد الخالق حسونة أمينا عاما عام 1952، واستمر في منصبه حتى عام 1972.
وعام 1972، اختير المصري محمود رياض خلفا لعبد الخالق حسونة، واستقال في عام 1979، ليخلفه التونسي الشاذلي القليبي ما بين 1979 و1990، عندما نقل مقر الجامعة إلى تونس بعد توقيع مصر لاتفاقية "كامب ديفيد" مع "إسرائيل".
لاحقا، انتخب مجلس الجامعة بالإجماع أحمد عصمت عبد المجيد في 1991، تلاه عمرو موسى عام 2001 وحتى عام 2011. حين اختير نبيل العربي خلفا له.
لقد ضعفت الجامعة العربية بعد أن حولها نظام مبارك إلى هيئة تابعة للخارجية المصرية، فلم يكن أمينها العام يختلف ولا قيد أنملة مع السياسة الخارجية المصرية، وبات الأمر بحاجة إلى إعادة فض الاشتباك والتشابك بين الجامعة والخارجية المصرية، والأهم إعادة القضية الفلسطينية إلى أروقة الجامعة.
هل يخرج أبو الغيط من جلده ومن عباءة العسكر، وهل يتصالح مع نفسه في الموقف من "حماس" والحصار الخانق على غزة من كلا الجانبين المصري والإسرائيلي! الأوضاع تقول إن التغيير لن يكون مؤثرا في ظل إصرار العسكر على اللعب في المنطقة الرمادية من القضايا العربية.