بعد التدخل الروسي في
سوريا، والذي يرى مراقبون أنه أنقذ نظاما كان برسم الانهيار، واتساع نفوذ ذلك التدخل على أصعدة شتى، طرح السؤال المتعلق بذلك النفوذ، ومدى تنافسه مع نفوذ
إيران الذي يعود إلى أيام الأسد (الأب)، قبل أن يتعزز على نحو كبير أيام الأسد (الابن)، وليتحول إلى شبه سيطرة بعد عامين من الثورة.
ويرى مراقبون أن التدخل الروسي عقب التدخل الإيراني، قد كشف عن أن ميل الطائفة العلوية إلى الطرف الروسي يفوق ميلها إلى الطرف الإيراني، خاصة في مناطق الساحل السوري التي تقطنها أغلبية علوية.
وأشارت العديد من التقارير الصحفية إلى انتشار مدارس تعليم اللغة الروسية وانتشار بعض مفرداتها الأساسية بين سكان الساحل في المحلات التجارية والمطاعم، لكثرة الجنود الروس الذين يرتادون هذه المحال ولزوم التحدث معهم بلغة يفهمونها لضمان ترددهم على هذه المحال.
وتحدث تقرير لصحيفة الأخبار اللبنانية التابعة لحزب الله اللبناني، عن سعادة أحد أصحاب البقالات في اللاذقية لوجود الجنود الروس، بل قال للصحيفة إنه يحتفظ بقاموس اللغة الروسية بجانبه لسرعة مساعدة الجنود الروس عند الشراء من بقالته.
ووصل شغف سكان الساحل الموالين للنظام، بالروس إلى حد حفظ العديد من الكلمات الروسية عن ظهر قلب، بل تعداه إلى درجة إطلاق النكات بأن "مستشفيات اللاذقية تعج بالمصابين الروس بسبب عدم اعتيادهم على الأطعمة السورية في الساحل".
وكان السفير الروسي في دمشق ألكسندر كينتشاك، كشف عن أن مجلس مدينة دمشق خصص أرضا لمشروع المدرسة الروسية بمساحة 10 آلاف متر مربع في منطقة دمشق الجديدة، مؤكدا أن السوريين مهتمون بافتتاحها في أقرب وقت ممكن.
ولفت كينتشاك إلى أن السفارة الروسية هي التي اختارت المكان الملائم للمدرسة، إلى جانب أن السلطات السورية كانت أدخلت تدريس اللغة الروسية ضمن مناهجها إلى جانب اللغة الفرنسية.
وفي المقابل، فإنه ورغم المدى الأطول للنفوذ الإيراني، إلا أن من الصعب العثور على ملامح تتحدث على ميول لدى مؤيدي النظام تجاه الثقافة الإيرانية أو حتى حفظ الموالين لمصطلحات فارسية، كما هو الحال مع الثقافة الروسية.
وقال مراقبون إن
العلويين يدركون أن الفقه الشيعي يعتبرهم كفارا، وأن مساعي تشييعهم كانت تمضي على قدم وساق، لكن الطائفة لم تكن يوما قريبة من النهج الشيعي في إيران، بل إنها كانت أقرب إلى العلمانية أكثر من رغبتها في العيش ضمن دولة دينية، من دون أن يقلل ذلك من حجم التشيع في الطائفة إذا ما قورن بالحال قبل عقود.
وأشاروا إلى أن العلويين يرون أنفسهم طائفة أقرب للقومية من الطائفة الدينية المحافظة، وأن فكرة تفسيم سوريا باتت الخيار الأفضل لهم، ومن ضمنه الفيدرالية، لإدراكهم أن "الثأر" بينهم وبين باقي مكونات الشعب السوري بأغلبيته السنية أصبح كبيرا، بسبب الجرائم التي ارتكبت على مدار سنوات الثورة.
واعتبر كثيرون أن ميل العلويين للتقسيم يغذيه خوفهم من استمرار استهدافهم حتى لو عادت الأمور إلى سابق عهدها وسيطروا على كامل سوريا، خاصة أنهم خسروا أكثر من ثلث أبنائهم القادرين على حمل السلاح، وقد زج بهم رئيس النظام بشار الأسد في حرب مع أبناء بلدهم.
ويبدو أن العلويين باتوا أكثر قناعة بأن
روسيا هي الأقدر على حمايتهم من إيران، خصوصا بعد تدخلها في الوقت بدل الضائع في ظل الهزائم المتتالية التي تلقاها الأسد وقواته عقب سقوط مدينة إدلب، وبدء زحف جيش الفتح وقوات المعارضة الأخرى باتجاه سهل الغاب العام الماضي.
ولفت متابعون للشأن السوري تحدثوا لـ"
عربي21" أن "العلويين باتوا يدركون أن إيران تعارض فكرة التقسيم والفيدرالية، خوفا من انتقال العدوى إلى ساحتها الداخلية وتشجيع الأكراد على المطالبة بالانفصال عن الجسم الإيراني الذي لم يكونوا يوما على وفاق معه".