إلى وقت قريب لم يكن
تنظيم الدولة يستهدف الأردن في عملياته الخارجية، في الوقت الذي استهدف فيه أهدافا مباشرة في دول مجاورة كالسعودية ومصر وأخرى بعيدة عنه كفرنسا، بحسب باحثين ومحللين.
في تقريره الذي نشره موقع مجلة "فورين أفيرز" تساءل الصحفي آرون ماغيد "عن السبب الذي منع تنظيم الدولة من استهداف الأردن، مع أنه ضرب جيرانه وأماكن أبعد منه".
ووفقا للتقرير الذي ترجمته "
عربي 21" في العشرين من شهر شباط/ فبراير الماضي، فإن "الأردن استطاع من خلال الحفاظ على مستوى عال من الحرفية بين مؤسساته الأمنية، وتعامله الهادئ مع التظاهرات المطالبة بالإصلاح، وإقامة علاقات بناءة مع
الإسلاميين أن يحد من تهديد تنظيم الدولة"، معتبرا ما قام به الأردن "إنجازا يستحق الاعتراف به، في منطقة تتداعى فيها الدول".
لكن عزوف التنظيم عن استهداف الأردن لم يدم طويلا، فبحسب رواية الأجهزة الأمنية الأردنية فإن "خلية إربد"، التي تم
القضاء عليها بعد مداهمتها والاشتباك معها مساء الثلاثاء الماضي والذي امتد إلى فجر الأربعاء، كانت تستهدف "أهدافا مدنية وعسكرية داخل الأردن وزعزعة الأمن القومي" طبقا للبيان الصادر عن دائرة المخابرات العامة الأردنية.
وجاء في البيان الصادر عن الدائرة يوم الأربعاء، 2 آذار/ مارس أنها تمكنت "بعد عملية متابعة استخبارية حثيثة ودقيقة ومنذ وقت مبكر، من إحباط مخطط إجرامي وتخريبي مرتبط بعصابة داعش
الإرهابية".
فما هي المستجدات السياسية والعسكرية التي حملت التنظيم على استهداف الأردن خلافا لسياسته السابقة؟ وهل ثمة دلالات واضحة ومحددة لهذا التوقيت؟ وما هي الرسائل التي يريد التنظيم إيصالها للدولة الأردنية؟
وفقا لأستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك الأردنية، وليد عبد الحي، فإنه وفي ظل عدم توفر معلومات كافية عن طبيعة عملية إربد الأمنية، فمن الصعب تقديم تحليل سياسي دقيق بشأنها، خاصة فيما يتعلق بتوقيتها، ومدى دقة ربطه بأهداف سياسية محددة.
ولفت عبد الحي إلى ضرورة معرفة فيما إذا كان التخطيط لهذه العملية بقرار مركزي من قيادة التنظيم، أو أنه ربما جاء بتخطيط من خلايا معزولة، أو قرارات فردية لأحد أمراء التنظيم، حتى يصح تحليل الحالة وربطها بأحداث سياسية معينة.
وجوابا عن سؤال "
عربي 21" حول ما يقال عن أن التنظيم أراد بذلك تحذير الأردن من سماحه باستعمال أراضيه كقاعدة انطلاق للقوات البرية، في حالة اتخاذ قرار بإرسالها إلى سوريا لمحاربته، استبعد عبد الحي هذا التحليل، لأن التنظيم يعرف موقف الأردن منه، والذي يصنفه كمنظمة إرهابية، وقد أعلن الحرب عليه من قبل، وأنه سيطارده ويحاربه خاصة بعد حادثة حرق الطيار معاذ الكساسبة.
من جانبه، رأى الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، حسن أبو هنية أن المعلومات المقتضبة المتوفرة عن العملية لا تمكن المحلل من تقديم تحليل علمي بشأنها، لافتا إلى أن ثمة تساؤلات تُثار حول أعضاء الخلية وانتماءاتهم، ومن أين جاءوا؟ ومن أين حصلوا على الأسلحة؟
لكن أبو هنية استدرك قائلا: "الأكيد في هذه العملية هو وجود مجموعة مسلحة اشتبكت مع رجال الأمن ونتج عنها ما هو معروف للجميع، وكان الجديد هو نوعية التعامل الأمني المختلف عن السابق، والذي لم يقتصر على النواحي الأمنية، بل تطور إلى الاشتباك المسلح مع عناصر تلك الخلية، والقضاء على سبعة من أفرادها".
وقال أبو هنية ردا على سؤال "
عربي 21" حول المستجدات السياسية التي حملت التنظيم على استهداف الأردن مؤخرا "من المعروف أن الأردن منخرط في محاربة الإرهاب، وهو مشترك في التحالف الدولي ضده، لذا فإن التنظيم يعتبره من أهدافه، ويعتبره واقعا في مجاله الإقليمي، لكن التنظيم كان صبورا ولم يكن مستعجلا في استهداف الأردن".
وفسر أبو هنية سلوك التنظيم في عدم استهدافه الأردن سابقا بأنه نابع من اعتباره الأردن جوارا قريبا، وفي ظل تصوره الاستراتيجي (بحسب رؤية التنظيم)، فإنه كان يريد بعد بسط نفوذه وسيطرته على سوريا والعراق، التمدد باتجاه الأردن برا، لذا فإنه كان يستبعد تنفيذ عمليات انتقامية داخل الأردن، وإن كان قد هدد في وقت سابق بتوجيه "الذئاب المنفردة" لاستهداف طياريه بعد حادثة الطيار الكساسبة.
ولفت أبو هنية إلى أن التنظيم – حتى هذه اللحظة - لم يتبنَ العملية، مشيرا إلى أن نظرة التنظيم السابقة بعدم تنفيذ عمليات انتقام مباشرة في الأردن، قد تتغير بعد عملية إربد، مرجحا أن يكون للقيادي عمر مهدي زيدان، المتواجد حاليا في سوريا صلة بهذه الشبكات المتواجدة في الشمال الأردني، خاصة في مدينة إربد.
بدوره لم يرَ مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، موسى شتيوي، وجود أي تحولات في موقف تنظيم الدولة من الأردن، لأن التنظيم كان يستهدف المملكة الهاشمية منذ البداية، وكانت هناك محاولات من قبله، ربما لم يعلن عنها، ومن المؤكد أن هذه العملية هي أكبر عملياته في الأردن.
وأوضح شتيوي لـ"
عربي 21" أن توقيت هذه العملية له ارتباط بالتحولات السياسية التي تحدث في الإقليم، خاصة ما يجري في سوريا، ويمكن ربطه بالدور الأردني المتنامي في مكافحة التنظيمات الإرهابية في سوريا، خاصة تنظيم الدولة، ما عجل باستهدافه بمثل هذه العمليات الكبيرة.
واستبعد شتيوي أن تأتي هذه العملية كتحذير للأردن من السماح باستخدام أراضيه كقاعدة انطلاق للحرب البرية ضد التنظيم، لأنه يستبعد وجود مخطط للهجوم البري من الأردن، ومن أي أماكن أخرى، بحسب المعلومات المتوفرة لديه.
وخلص شتيوي إلى القول بأن المخططين لتلك العملية يريدون بها زعزعة الأمن في الأردن، وخلط الأوراق، مع عدم استبعاده لتورط أطراف إقليمية تقف وراء التنظيم تسعى لخلق حالة من الفوضى في المنطقة لعرقلة عملية محاربة التنظيم وملاحقته.