نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لمراسلها هيو نيلور، حول ظاهرة عمل الشباب السعودي في
القطاع الخاص، وهو أمر ليس معتادا في المملكة النفطية الثرية.
ويشير التقرير إلى فتاة اسمها مريم الحربي، تعمل في مقهى "
ستاربكس"، ويقول الكاتب: "إن ظننت أن هذا ليس أمرا غريبا، يمكنك أن تسأل مريم الحربي، أو أيا من الشباب السعوديين، الذي يقلبون البرغر في (ماكدونالدز)، أو يرتبون القمصان في (غاب)، أو يعملون في أي مطعم وجبات سريعة، وسيكون في الغالب جوابهم أن مواطنيهم الآخرين يتمتعون بوظائف حكومية مريحة، وربما يقولون لك كم تعرضوا للسخرية؛ بسبب عملهم في القطاع الخاص".
وينقل تيلور عن الحربي البالغة من العمر 30 عاما، وهي خريجة جامعية، وتعمل في قسم النساء من "ستاربكس" في "مول المملكة" في الرياض، قولها: "يجب ألا نخاف من القيام بهذه الأعمال"، مشيرا إلى أنها بالتأكيد ليست خائفة، بل تعمل بكل ثقة وتركيز، وتأخذ الطلبات باللغة العربية والإنجليزية، مع أن الراتب قليل نسبيا، إلا أنها متحمسة جدا، خاصة عندما يطلب منها "كاراميل ماكتشياتوس"، حيث تقول: "استمتع بتجهيز(هذه القهوة)، بل أشعر بأن عملها فن".
وترى الصحيفة أن مثل هذا الحرص على العمل في قطاع الخدمات قد يكون هو ما تحتاجه
السعودية، حيث يعاني
الاقتصاد من التراجع في أسعار النفط، مشيرة إلى أن الحكومة اضطرت لاتخاذ إجراءات شد أحزمة، قد تؤثر على برامج الرعاية الاجتماعية والقطاع العام المتضخم؛ بسبب اعتمادها الكبير على صادرات النفط، وفي الوقت الذي تقوم فيه السلطات بتخفيض الدعم والإنفاق، فقد قامت أيضا بتجميد التوظيف؛ ما جعل من الصعب على السعوديين الحصول على وظائف مريحة وبرواتب جيدة مع الحكومة.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن هذا التغيير خلق تحديات جديدة لمجتمع محافظ، يشكل فيه الشباب تحت سن 30 عاما ثلثي السكان، البالغ عددهم 28 مليونا، مستدركا بأن هذه قد تكون فرصة للمسؤولين السعوديين، الذين لطالما حاولوا إخراج السعوديين من الوظائف الحكومية، حيث يعمل أكثر من 90%، إلى القطاع الخاص.
وينقل الكاتب عن الاقتصادي الذي يعمل في غرفة التجارة والصناعة في الرياض وهب أبو داهش، قوله: "لم تكن هناك استراتيجية فعالة وشاملة حتى يشعر السعوديون أنهم مرتاحون وآمنون في القطاع العام".
وتذكر الصحيفة أن السعودية اعتمدت إلى الآن على الأجانب لتشغيل القطاع الخاص، فهناك ملايين الأشخاص من باكستان والفلبين، ومن سوريا التي تمزقها الحرب، لتوزيع طرود "فيديرال إكسبرس"، واستلام الطلبات في مطاعم "تشيليز"، واستقبال الضيوف في ردهات الفنادق.
ويذهب التقرير إلى أن اختلال التوازن يبدو أكثر وضوحا في بلدان الخليج المجاورة، حيث أدت الاقتصادات النفطية إلى سيطرة أنماط الحياة المبذرة، من سيارات الرينج روفر إلى ساعات الكارتير ورحلات التسوق إلى أوروبا، ففي قطر مثلا، التي تنعم بتصدير كميات ضخمة من الغاز، فإن معظم مواطنيها يعملون في وظائف حكومية أو مؤسسات تدعمها الحكومة، ويكسب أحدهم دخلا سنويا بمعدل 100 ألف دولار.
ويبين تيلور أن الضمان الاجتماعي في السعودية تأثر بالنمو السكاني السريع، ونتيجة لذلك، فإن كثيرا من السعوديين أفقر من أن يقتنوا سيارات "بورش"، أو يكونوا قادرين على قضاء العطلة في باريس، وفي الواقع، فإن كثيرا منهم يركز على كسب قوته، وهذا يساعد على فهم ظاهرة تحول عدد أكبر إلى القطاع الخاص، بحسب ما قاله أبو داهش، الذي أشار إلى أن الحكومة السعودية لا تملك إحصائيات حول عدد السعوديين العاملين في تلك الوظائف.
وتقول الحربي للصحيفة إن شح الموارد ساعد في إقناع زوجها، الذي عمل حارسا في مؤسسة حكومية، بأن يسمح لها بالعمل في المقهى، حيث تكسب أكثر من ألف دولار بقليل في الشهر، لافتة إلى أن ما ساعدها أيضا، هو أنها تعمل في طابق النساء في المول، وهذه المناطق الخالية من الرجال تساعد النساء المحافظات، مثل الحربي، على أن تعمل دون إزعاج، ودون الحاجة للنقاب.
ويفيد التقرير بأن الظروف الاقتصادية ساعدت أيضا في إقناع عبدالله العواجي بأن يبدأ العمل في محلات "لاكوستي" قبل شهرين، حيث يكسب أجرا قدره أكثر من ألف دولار بقليل في الشهر، مشيرا إلى أن هذا الشاب النحيف البالغ من العمر 24 عاما من العمر، صار المعيل لأبيه المريض وثماني أخوات وستة إخوة.
وتورد الصحيفة أن العواجي كان يأمل في الحصول على وظيفة حكومية، لكن كونه خريج الثانوية فقط، فإن هذا الأمر جعل من الصعب عليه ولوج هذا الباب، ويقول العواجي إن صديقه، الذي أصبح الآن زميله في العمل، علي وهو سعودي أيضا، هو الذي شجعه على تقديم طلب العمل. وقال خلال فترة الغداء: "لدي تقاعد ومساعدات صحية هنا".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن العواجي يبدو مرتاحا في عمله، ويستقبل الزبائن بقميص بولو أزرق فاتح، وابتسامة عريضة، ويستقبل من يبحث عن قمصان، فيقول: "كيف حالك وكيف يمكنني مساعدتك؟".