قال "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"، إن تحليل أخبار جنازات قتلى
حزب الله في
سوريا يقدم معلومات كبيرة عن خسائر الحزب الكبيرة، ودورها الانتقالي في سوريا، مشيرا إلى أن ذلك سيرجع بآثاره على لبنان.
وفي مقال للخبير بشؤون الجماعات الشيعية في الشرق الأوسط علي آلفونة، وترجمته "عربي21"؛ أشار المعهد إلى أن "مشاركة الحزب في سوريا منذ نهاية 2012 كانت تحت ذريعة المقاومة، سعيا لتأمين نظام بشار الأسد وخطوط الإمداد إلى طهران"، موضحا أن هذا التناقض بين النظرية والتطبيق أدى لتصريحات متضاربة من قيادة الحزب، أثرت على تواجد ومشاركة الحزب في البلاد.
وأشار آلفونة إلى أن الحزب استنكر في السنوات الأولى للأزمة السورية كل هذه الادعاءات، بحجة أنها "دعاية مغرضة من العدو"، إلا أنه اعترف لاحقا، وعزز مشاركته مع استمرار الحرب.
وأوضح آلفونة أن إعلانات جنازات قتلى الحزب في سوريا، وتحديدا الموجودة على موقعي "
جنوب لبنان"، وموقع "
يا صور"، تقدم نظرة مفيدة للطبيعة الفعلية لمشاركة الحزب، وعند مقارنة هذه البيانات بخسائر الحرس الثوري
الإيراني في سوريا، فإنه يتضح التحول في طبيعة نظرة حزب الله للحرب في سوريا.
ما الذي تقوله البيانات؟
وفي تحليل إحصائي لبيانات المصدرين السابقين، فقد أشار "معهد واشنطن" إلى أن 865 عنصرا من الحزب قتلوا خلال الفترة من 30 أيلول/ سبتمبر 2012، وحتى 16 شباط/ فبراير 2016، في إحصاء أدنى وسط إخفاء قيادة الحزب لمزيد من القتلى.
وأوضح أن هذه الفترة رافقها تقارير كثيرة حول موت الكثير من الشباب اللبنانيين بحوادث السيارات أو جلطات القلب المفاجئة، فيما قد يكون محاولة لإخفاء الأعداد الحقيقية للحزب.
وأبرزت مصادر الوفيات 49 عنصرا قتلوا باستخدام وصف "القائد الشهيد"، في إشارة إلى عملهم ضباطا أو قادة ميدانيين، لتفريقهم عن جنود الصف.
ووصف آلفونة هذه المصادر بأنها "سرية جدا" في ما يتعلق بكيفية مقتل هؤلاء العناصر في سوريا، فمن بين الـ865 المعروفين، كان الأمر معروفا لما يقارب الـ32 فقط، وفي بعض الحالات كانت البيانات تأخذ من مواقع باللغة الفارسية، بدل اللبنانية.
وتظهر البيانات بعض التصاعد في القتل، كما يأتي: خلال أيار/ مايو 2013 (قتل 88 عنصرا)، وفي تموز/ يوليو 2014 (قتل 36)، وفي شباط/ فبراير 2015 (قتل 34).. وبمعدلات مرتفعة نسبيا تصل إلى 36 عنصرا شهريا، منذ أيار/ مايو 2015 وحتى كانون الثاني/ يناير 2016.
ويظهر ذلك التصاعد في القتل أماكن الوفاة، حتى إن لم تكن معلنة، إذ إن هذه المدد ترافقت مع معارك كبيرة في سوريا:
- في أيار/ مايو 2013، شن حزب الله والجيش السوري هجوما مشتركا كبيرا على مدينة القصير الاستراتيجية، بين دمشق والساحل، قرب الحدود اللبنانية.
- بالرغم من عدم وجود سجل لعمليات حزب الله في تموز/ يوليو 2014، فإن أعداد القتلى المتزايدة في هذا الشهر تتصادف مع سيطرة تنظيم الدولة على "حقل الشاعر" للغاز في محافظة حمص في 17 تموز/ يوليو، والسيطرة على "الفرقة 17" للجيش السوري قرب الرقة في 25 تموز/ يوليو.
- قتلى شباط/ فبراير 2015 يعكسون هجوم الجيش الحر وجبهة النصرة على مواقع حزب الله غربي القلمون، قرب الحدود اللبنانية.
- ارتفاع الضحايا في النصف الأخير من 2015، يتضمن ضحايا معركة الزبداني في نهاية تموز/ يوليو الماضي، كما أنه يحدد بداية الحملة الروسية في أيلول/ سبتمبر 2015.
خسائر حزب الله مقابل خسائر الحرس الثوري
ويعكس الفرق بين قتلى حزب الله والحرس الثوري الإيراني، بحسب آلفونة، تغيرا في سياسة إيران التكتيكية في سوريا، موضحا أن إيران فضلت في بداية الأزمة مشاركة مباشرة للحزب في سوريا، بدل نشر قوات كبيرة من الحرس الثوري الإيراني، في نماذج مشابهة أخرى، ما أدى لارتفاع قتلى حزب الله مقابل قتلى الحرس الثوري.
ولاحقا، هدد ارتفاع قتلى حزب الله في سوريا، بإخلال التوازن العسكري في لبنان، واستعداء الأطراف الأخرى ونقل المعركة إلى لبنان.
وكنتيجة لذلك، فقد بدأ الحرس الثوري الإيراني بنشر المزيد من قواته في سوريا، وهذا ما يعكس نقصا حادا بقتلى حزب الله، والارتفاع النسبي لقتلى الحرس الثوري بعد أيلول/ سبتمبر 2015، ترافقت مع الحملة الجوية العسكرية، التي تشير جميعا إلى الحدود التي يستطيع حزب الله فعلها في سوريا لتحقيق أهداف طهران.
من أين ينحدر المقاتلون؟
وبالرغم من سرية حزب الله، في عدة جوانب، بشأن قتلاه في سوريا، فإن إعلانات الجنازات تقدم معلومات مفصلة عن المدينة التي ينحدر منها القتيل، وقرية المنشأ لمعظم القتلى، ما يوفر معلومات مهمة عن قاعدة تجنيد الحزب في لبنان، ونشر القوات في سوريا..
ومن بين الـ865 عنصرا الذين قتلوا، ينحدر 682 من النبطية والبقاع ومحافظات الجنوب، بينما لم يتم تحديد المنشأ لـ136 مقاتلا، في حين أن عشرة آخرين ينحدرون من قرى على الجانب السوري للحدود، بينما كان الباقي من جنوب لبنان وبيروت ومحافظات الشمال.
وبينما يفتقد لبنان إحصاء رسميا، فإنه من الصعب تحليل هذه البيانات بالنسبة للشعب اللبناني ككل، أو للمكون الشيعي في كل محافظة، إلا أن معظم القتلى ينحدرون من محافظات ومناطق ذات جاليات شيعية.
وأوضح تحليل معهد واشنطن أن بعض المناطق أظهرت ارتفاعا نسبيا في القتلى، مثل: بعلبك (158) والهرمل (43) في البقاع، وبنت جبيل (79)، ومرجيون (52)، والنبطية (122) في محافظة النبطية، وصيدا (37)، وصور (137) في محافظة الجنوب، في حين أن بيروت هي منطقة ومحافظة لأنها لم تقسم، بحسب ما أشار آلفونة.
وبمزيد من تحليل البيانات، فإنه يظهر أن بعض المناطق تتكون من خليط من سكان المدينة والقرى:
- في بعلبك: 44 من الـ158 كانوا ينحدرون من المدينة؛ 13 من قرية بريتال، 9 من الخريبة، 8 من يونين، 6 من البزالية، والباقون الـ78 من 36 قرية أصغر.
- في منطقة الهرمل: الغالبية من الـ43 قتيلا كانوا من المدينة؛ 23 من مدينة الهرمل، 14 من النبي شعيث، والباقون من القصر وزيتا.
وفي المناطق الأخرى، ينحدر معظم القتلى من الريف، حيث يكون القتلى منتشرين أكثر في قرى وبلدات أصغر من ذلك:
- في منطقة بنت جبيل (79 قتيلا): عيتا الشعب (12)،وبيت ليف (11) كانوا معظم القتلى، في حين لقي سبعة مقاتلين من المدينة مصرعهم، بينما ينحدر 49 من القتلى من 19 قرية مختلفة.
- في منطقة مرجعيون (52 قتيلا): مجدل سالم (10)، وميس الجبل (10) قتلى، بينما ينحدر الـ32 من 7 قرى أخرى.
- في منطقة النبطية (122): خسرت مدينة النبطية 14 قتيلا، بينما انحدر الـ108 من 42 قرية مختلفة.
- في منطقة سيدون (37): ثلاثة فقط ينحدرون من المدينة، بينما الباقون ينحدرون من 16 قرية.
- في صور (137) كذلك: انحدر 5 من مدينة صور، بينما كان الباقون من 42 من قرى وبلدات مختلفة، من بينهم (12) من الشهابية و(10) من مجدل زون.
وأوضح آلفونة أن هذه الإحصاءات تشير إلى البنية العسكرية لحزب الله، إذ إن توزيع بلاد المنشأ للمقتولين خلال أي مدة زمنية (بما في ذلك المدد القصوى)، يشير إلى تكوين متنوع للقوة، بما يناقض البنية العسكرية للحرس الثوري الإيراني، التي تتكون من عناصر من مناطق بعينها.